اقتسم علماء الكيمياء والفلاسفة حلما ظل يراود البشرية طويلاً، وكان تحقيقه يعني الكثير، فماذا يكون عليه حال الدنيا إذا تم اكتشاف تلك المعادلة السحرية التي يتحول عندها المعدن الخسيس إلي معدن نفيس؟! وعندما أدرك الجميع ان الحلم مستحيل، تواضعوا وقرروا توجيه جهودهم إلي الأكثر فائدة وجدوي: المعدن الأشد صلابة وقدرة علي التحمل. بالفعل اسفرت الأبحاث عن انتاج أنواع من المعادن شديدة الصلابة، لكنها تميزت بالثقل، ومن جديد انصبت الجهود البحثية علي تخليق ذلك المعدن الذي يجمع في خصاله ما بين الصلابة والخفة. تضافرت جهود بحثية في مجال التقنيات المتطورة إلي جانب استثمار ما يتم احرازه من تقدم في علوم الفيزياء والكيمياء، وأخيرا أفلحت المساعي في انتاج المادة المطلوبة: مادة بقدر صلابتها، فهي خفيفة، والأهم أنها قابلة للتحوير. ايروجرافيت.. إنه اسم المادة التي لا مثيل لخواصها مقارنة بأي مادة صناعية سبق انتاجها، ويكفي الاشارة إلي ان وزن الجرام الواحد من »ايروجرافيت« يقل أربعة أمثال أي نظير سبق انتاجه! ليس هذا كل شئ، فإضافة إلي ما سبق من خواص، فانها تتمتع بالثبات والقدرة علي نقل الكهرباء، وكلها مزايا ترشحها لتكون إحدي المواد الجديدة التي تقود العديد من الصناعات إلي آفاق غير مسبوقة. ألا يكفي ان وزن السنتيمتر المكعب من »ايروجرافيت« يزن 2.0 من المليجرام؟ في الصناعات الفضائية.. وفي مصانع السيارات خاصة تلك التي يراهن منتجوها علي الاعتماد في تشغيلها علي أنواع الطاقة البديلة. وكذلك في صناعة الطائرات حيث يسعي المصممون إلي انتاج طائرات أسرع، والأمر لا يقتصر علي البر والجو. ففي العديد من المجالات الصناعية التي يتطلع المبتكرون فيها إلي مادة صناعية لها مميزات عدة، لاسيما الجمع بين الخفة والصلابة، فإن هؤلاء جميعا سوف يجدون ضالتهم في »ايروجرافيت« التي احاطها قدر من الجدل العلمي، ربما يظل مستعراً حتي يتم البدء في اختبار المادة الاخف في العالم، عبر محكات صناعية، ليس علي سبيل التجريب، وإنما علي نطاق الانتاج الأوسع. لكن ما سر تفوق »ايروجرافيت«؟ ربما يعود ذلك إلي تضافر تقنية النانو مع استخدام مادة الكربون، كبديل لمعادن أخري أُستخدمت في انتاج مواد صلبة، إلا انها لم تتميز بنفس الدرجة من الخفة. المثير ان طموح العلماء والتقنيين بعد التوصل إلي »ايروجرافيت« لم يتوقف عند حدود انجازهم الهائل، إذ يواصلون أبحاثهم وتجاربهم لتطوير خواص المادة الجديدة، بحيث تصبح أكثر صلابة وأقل وزناً!. ولعل ما جعل تطلعات الباحثين بلاسقف ان »ايروجرافيت« تتحمل الضغط عليها دون ان تتعرض للتفكك أو التحطيم، مما يوسع دوائر استخدامها في العديد من الصناعات المستقبلية، فضلا عن تطوير العديد من الصناعات القائمة، ولاشك ان ذلك سوف يواكبه إعادة هندسة الأسواق مع بلورة أولويات استخدام هذه المادة في خطوط الانتاج فعليا.