عرفنا من قبل الشخصية الكرتونية التي ابتكرها الكاتب الكبير أحمد رجب وأطلق عليها اسم »عبده مشتاق« وأبدع في تجسيدها الفنان العبقري مصطفي حسين. وأريد الآن ان أنعي اليهما هذه الشخصية الأسطورية وأن أبلغهما بانها اختفت مع بداية المشاورات التي بدأها الدكتور هشام محمد قنديل بعد تكليفه بتشكيل الحكومة. ان معظم الوزراء الذين عرض عليهم الانضمام الي الوزارة الجديدة ممن شاركوا في حكومة تسيير الأعمال اعتذروا عن الاشتراك في حكومة قنديل، كما ان عددا كبيرا ممن عرضت عليهم حقائب وزارية اعتذروا ورفضوا منصب الوزير. وهذا يفسر عدم نجاح الدكتور قنديل في إعلان التشكيل الوزاري في اليوم الذي حدده والتزم به، وهو يوم السبت الماضي، وأعطي نفسه مهلة جديدة حتي اليوم الخميس، ليواصل فيها اتصالاته واجتهاداته في جمع الوزراء. وأقترح علي الصديق أحمد رجب ابتكار شخصية جديدة باسم »عبده هربان« ليكون خليفة للمرحوم عبده مشتاق، وان يصور لنا بالتعاون مع مصطفي حسين مواقف الهربان من المناصب الوزارية، ودوافع الهروب. ومن أسباب عدم قبول المشاركة عدم وضوح المشهد السياسي، وغياب الدستور الذي يحدد سلطات ومسئوليات الرئيس ومجلس الوزراء والخوف من بقاء القرار في يد رئيس الجمهورية باعتباره رئيس السلطة التنفيذية دون ان يُساءل، وهو ما كان في عهد النظام السابق حيث كان رئيس الجمهورية هو صاحب القرار الذي يحاسب عليه رئيس الوزراء والوزراء أمام البرلمان. واحترف أصحاب القرار في النظام السابق تحميل المسئولية للوزراء واتهامهم بالفشل، ولا يزال مشهد رئيس ديوان رئيس الجمهورية السابق حاضرا في الأذهان عندما كان يقف في مجلس الشعب باعتباره عضوا فيه ليكيل الاتهامات للحكومة ويلصق الفشل بالوزراء. والمرشحون لحكومة قنديل يخشون تحمل مسئولية ما يتخذه الرئيس من قرارات وما يصرح به من وعود، ليكون الفضل له في حالة النجاح في حين يتحمل الوزراء تبعات الفشل. ونحن من جانبنا اجتهدنا في البحث عن أسباب محددة لرفض عدد من الشخصيات المشاركة في الحكومة الجديدة، واتصلنا بثلاثة منهم وحصلنا علي إجابات عن أسباب الرفض. وقد تلقيت إجابة طريفة من أولهم الذي قال ضاحكا »الخلعان أولي عملا بالحكمة التي تقول إبعد عن المنصب وغني له«. ويقول معتذر آخر انه متشكك في إمكانية تحقيق وعود رئيس الجمهورية ومشروعات المائة يوم وان عدم إنجاز ما وعد به الرئيس ستتحملها الحكومة وستسارع الجماعة باتهام الوزراء بالفشل رغم انهم سيتحملون المسئولية بعد ان تكون مهلة المائة يوم قد أوشكت علي الانتهاء. وهناك من يختلف مع عبده هربان وهناك أيضا من يري له عذره بسبب حالة الالتباس السائدة الآن، وذلك لغياب البرلمان وعدم وضوح الرؤية بالنسبة للانتخابات البرلمانية القادمة، ولمن ستكون الأغلبية، وعدم معرفة مواد القانون الذي ينظم عمل البرلمان ومن سيكون مسئولا أمام نواب الشعب الذين لا نعرف شيئا عن هويتهم، وقبل ذلك كله لا وجود للدستور الذي هو بمثابة الأب لتلك القوانين الغائبة، وحتي الآن لا أحد يستطيع ان يتوقع متي يكون لمصر دستورها الذي لم توضع مسودته بعد وسينتظر التوافق عليه قبل ان يطرح علي الاستفتاء الشعبي، وحتي يتحقق ذلك سيكون علي الحكومة الجديدة ان تعمل وتتلمس طريقها وسط الظلام. ونسأل الله العافية لنا وللدكتور قنديل..