مصطفى عبدالله حمل إلي بريدي العديد من رسائل المبدعين الذين يعلقون فيها علي إطلالة الأحد الماضي "حُسن شاه.. روح معلقة بنا!"، مشيرين إلي القيمة التي تمثلها الكاتبة الراحلة الكبيرة حُسن شاه بالنسبة إليهم. وتلقيت مكالمات هاتفية من البعض الذين يستفسرون عن كيفية تقديم واجب العزاء لنجليها: رشا، ومحمد أنور ماضي، ومن هؤلاء أذكر الكاتبة السكندرية فاتن عزالدين ابنة العالم الكبير الدكتور يوسف عزالدين عيسي، صاحب الروايات الشهيرة: "الواجهة"، "الرجل الذي باع رأسه"، ومئات القصص والتمثيليات. وقد استأذنت الأديب أحمد الشيخ، مقرر لجنة القصة بالمجلس الأعلي للثقافة، وكذلك الروائي والقاص سعيد سالم في نشر رسالتيهما باعتبارهما شهادتي أديبين قدمتهما صفحة حُسن شاه في مستهل رحلتيهما الإبداعية. وهما من خلال هاتين الشهادتين يضيفان للصورة تفاصيل إنسانية جديدة. يقول أحمد الشيخ في رسالته : "شكرا لك علي مقالك الصادق يا أستاذ مصطفي، فقد كانت الاستاذة حُسن شاه، بحساباتك وحساباتنا، قامة مبدعة تعرف دورها في الحراك الإبداعي والثقافي، ورغم اهتماماتها المتنوعة بين قضايا الوطن، وحقوق المرأة، والعلاقات الإنسانية، والكتابة للسينما، ونقد المسلسلات التليفزيونية، فقد عاشت كأخت وفية للكل، ولا انسي ما قدمته لي من "مساحات براح" كانت تفتحها لمن تراهم يؤدون أدوارهم، لا أنسي ما كتبته عن روايتي "النبش في الدماغ" أيام ظهورها في عام 1979، ولا ما كتبته عن "الناس في كفر عسكر" كمسلسل. وقد كانت قارئة جادة تعرف ما يختبئ بين السطور. كانت بصدق اختاً في المجال الذي نفتقد فيه العلاقات الهادفة إلي تطوير دور الكاتب والصحفي والمبدع. اذكر انها قابلتني ذات مرة واسرت لي بأنها اصيبت بالمرض الخطير، علي نحو مفاجئ، وقبل أن أبدي أسفي، وأعبر عن إشفاقي علي حالتها، فاجأتني بتعليق لا يمكن أن انساه طوال عمري، وهو أنها ستنتصر علي المرض، وكانت تعني ما قالته لأن عزيمتها مدت عمرها زمنًا لا أعتقد انه اقل من خمسة عشر عامًا، والعزم البشري يتأكد من قدرته علي المقاومة، هي المرة الأولي التي اري فيها المريض يتحدي المواجع ويسمو عليها بإرادته الحرة. والآن لا أملك يا مصطفي سوي طلب الرحمة لروحها التي تحلق حولنا وترانا، وليتنا نستطيع أن نقيم لها ذكري هي جديرة بها، أو نمنحها وسامًا كانت تستحقه، هي أنموذج رائع للعزيمة المصرية الصلبة، وللمبدعة الصادقة التي أسست "اخبار الأدب" الصفحة الأدبية التي أسهمت في اكتشاف الكثيرين من أبناء جيلي، واحتوت الحراك الثقافي لسنوات. في الختام.. هي تستحق أن تبقي في الذاكرة بعطائها المتواصل علي امتداد عمرها. مرة اخري.. لك الشكر علي ما كتبته بمصداقية، ووفاء لمن اضافت للصحافة أيضًا أسماء لها ثقلها المشهود". أما سعيد سالم فيفجر فيه الموقف ذكريات جميلة، كما يضعه في مواجهة حقائق مؤلمة تشي بها هذه السطور: "بكيت أجمل أيام العمر حين قرأت نبأ وفاة حُسن شاه.. الإنسانة الرائعة التي احتضنتني أنا وأبناء جيلي علي صفحتها ونحن نخطو خطواتنا الأولي في عالم القصة والرواية.. كانت تستقبلنا في مكتبها بلا قيود وتفتح لنا صدرها وتشجعنا وتدعمنا بكل ما تستطيع دعمنا به. حُسن شاه.. إسكندرانية "جدعة" بكل ما تحمله الكلمة من معني، وفيها شهامة بنت البلد وحبها للعطاء بلا حدود. عرفنا بها مصطفي عبدالله، انا ومحمد الجمل بعد أن كنا نتابع صفحة "أخبار الأدب" أسبوعياً فنجد صورنا منشورة مع قصصنا أو مقالاتنا أو احاديث أجريت معنا قي قضايا الأدب وأمور الحياة فتمتليء حياتنا بهجة وسرورًا.. ثم نتناقش في هذه الموضوعات، كل أربعاء، مع أستاذنا نجيب محفوظ في ندوته بفندق "سان استفانو".. ولت تلك الأيام الجميلة، ولن تعود، وولي معها الانبهار، والفرحة، والدهشة.. ودفقات الأمل في المستقبل، والرغبة في المعرفة والتثقف والتجويد وكل الصفات الجميلة التي زرعتها فينا حُسن شاه بطيبتها واخلاصها.. عليها رحمة الله".