الثورات لا تشيخ ولا تصل الي سن التقاعد ولا تحال للمعاش مهما مضي عليها من سنوات ما دامت مبادئها حية ومتطورة مع الزمان،ستون عاما مضت ما بين الثورة الأم ثورة يوليو 1952 وثورة يناير الوليدة التي تتعثر لكنها لن تسقط وما بين إيماننا بأهداف ثورة يوليو وبين أهداف ثورة يناير ندرك حجم المعاناة التي تحملها هذا الشعب الصبور الذي إذا ما فاض به الكيل هانت عليه حياته من أجل حريته. كل من عاش صعود الثورة وهبوطها وكل منصف قرأ التاريخ بعناية يدرك حجم التخريب الذي تعرضت له أعظم منجزات الثورة من بيع القطاع العام وتصفيته وبيع أصوله بتراب الفلوس وتشريد عماله وإهمال التعليم والصحة.. بالطبع لم نكن نعيش مجتمعا مثاليا لكن الشعور الوطني كان عاليا وكان التحرر من الاحتلال البريطاني هدفا عزيزا حققته حركة الضباط الاحرار التي تحولت إلي ثورة بالتأييد الشعبي الجارف والتف المصريون حول اهدافها الستة التي حفظناها عن ظهر قلب وهي مكتوبة علي الغلاف الخلفي لكتبنا المدرسية وكراساتنا ولم تختلف عنها كثيرا أهداف ثورة 25 يناير، وتطورت الي عيش حرية عدالة اجتماعية، فقد نشأ الاقطاع الجديد والرأسمالية المستغلة من المقربين من النظام المخلوع.. ووصل الفساد الي جذور الدولة وتم تجريف خيراتها وتغول الأمن السياسي علي حساب أمن المواطن، فقام الشعب قومة رجل واحد وصمد امام القتل والعنف الذي مارسته أجهزة الأمن وتمكنت ثورة يناير من خلع رأس النظام في 18 يوما فقط ولكن بقي جسده يعيث فسادا وهدما وكلما تقدمنا خطوة للأمام حاول إعادتنا خطوات للخلف . أتعجب من هؤلاء الذين يخلطون الأوراق ويتحدثون عن 60 عاما من القهر وغياب الديموقراطية ويظنون أن المصريين فقدوا الذاكرة فيخلطون بين حكم الزعيم جمال عبد الناصر وبين فترة حكم السادات ثم الأعوام الثلاثين الأخيرة التي تحول فيها مبارك بعد السنوات العشر الأولي لشخصية الطاغية بعد أن أحاطت به حاشية المستفيدين من نهب مصر،ويتناسون منجزات عبد الناصر وحركة المد العربي والقومي وبناء السد العالي وقوانين الاصلاح الزراعي وبناء نهضة صناعية ثقيلة ويتذكرون هزيمة 1967 التي حطمت معنويات الأمة العربية بأسرها ولكن حرب الاستنزاف المشرفة هي التي مهدت لنصر أكتوبر العظيم الذي أعاد لنا كرامتنا وأرض سيناءالمحتلة والتي لا زالت تشكو الاهمال رغم أهميتها الاستراتيجية ..انتمي الي جيل ولد وتربي في ظل ثورة يوليو وشهدنا صمودها وانكسارها ومحاولات هدم عبد الناصر كرمز قيادي لكن الشباب خرجوا في ثورة يناير حاملين صوره رغم أنهم لم يتربوا في أحضان الثورة لكنهم أدركوا بحسهم الوطني وبوعيهم النادر أن ثورة يناير هي امتداد لثورة يوليو وأن محاولات احتواء الثورة وتأخيرها لن تفلح ولن يتمكن مدعو الوطنية من جمع الستين عاما الماضية في سلة واحدة من الفاكهة المعطوبة ! الخطاب الموجز الذي ألقاه الرئيس محمد مرسي بمناسبة ثورة يوليو كان خطابا معتدلا وسياسيا فقد أعطي الثورة حقها ووصفها بأنها كانت لحظة فارقة في تاريخ الشعب المصري وأن أهدافها لخصت رغبة الشعب في تأسيس حياة ديموقراطية سليمة واستقلال القرار الوطني ودعم العدالة الاجتماعية للخروج من الفقر والجهل والمرض ثم أشار الي أن الثورة نجحت في تحقيق بعض أهدافها وفشلت في تحقيق أهداف أخري وبخاصة الديموقراطية والحرية ولا أحد يختلف معه في أن مجال الحريات هو أضعف حلقة هوجمت منها ثورة يوليو ولكن يحسب له أنه لم يتوقف أمام العداء القديم بين الأخوان وعصر عبد الناصر . طال انتظار الشعب للوزارة الجديدة لكي نشعر ببداية تنفيذ خطة المائة يوم الموعودة.