H الاذاعة المصرية.. كانت صاحبة الرصيد الاكبر من الاغاني التي جاءت لتواكب انتصارات حرب اكتوبر.. حيث جاء البيان الأول للمعركة بصوت المذيع صبري سلامة.. ليكون الشرارة التي اشعلت روح الوطنية والفرحة.. لدي اهل المغني.. لتفتح ثلاثة ستوديوهات ابوابها بعد فترة طويلة من الاغلاق لاستقبال العشرات من الملحنين والشعراء والموسيقيين والكورال.. لتكون النتيجة 48 اغنية في 11 يوما فقط.. شارك فيها الجميع بدون اجر.. فكانت المرة الاولي التي لم يتقاض فيها اي موسيقي اجرا عن عمله بل تكاد تكون الاخيرة.. بعد ان اعلن الموسيقار احمد فؤاد حسن أن الموسيقيين ليسوا اقل وطنية من نجوم الغناء والتلحين والتأليف. H مع الاعلامي وجدي الحكيم احد رواد الاذاعة الذين عاصروا فترة حرب اكتوبر داخل مبني ماسبيرو.. كان حوار الذكريات عن تلك الأيام!! في البداية تحدث عن تشكيل لجنه H تضم صبري سلامة عن المذيعين ووجدي الحكيم عن البرامج وجمعة مصطفي عن التنسيق والشرائط .. وفي 2 اكتوبر تم استدعاء اللجنة وقعدنا 3 ايام في مكان خاص بنا علي ان يكون اجتماعا مفتوحا وغير محدد المدة، بعد ذلك قررنا انهاء تجمعنا يوم 6 اكتوبر صباحا ذهبنا الي رئيس الاذاعة للحصول علي موافقته.. واحضر لنا الافطار في مكتبه وناقشنا في خطة العمل وطلب اضافة آخرين الي فريق العمل وفي تمام الساعة 00.21 ظهرا طلب من مدير مكتبه السيد ناصر »ما حدش يدخل علينا في الاجتماع« في تلك اللحظة شعرنا جميعا ان فيه حاجة مش طبيعية.. وسألنا فيه اية يا فندم.. رد.. قولوا يارب.. ومش قادرين نخرج الشرائط من المكتبة حتي لا يفسر الامر علي انه استعداد او قرب الاعلان عن الحرب. الي ان جاءت الساعة الثانية ظهرا دق جرس الخط الساخن في مكتب »بابا شارو« ونظر الي صبري سلامة واعطاه سماعة التليفون قائلا: »اكتب البيان ده يا صبري«.. في تلك اللحظة انهمرت الدموع الممزوجة بالفرحة والسعادة .. وبعد ان القي صبري سلامة البيان طلب من المجموعة كل واحد في موقعه..عقب اذاعة اول بيان.. كانت المارشات العسكرية المختارة وضم الموجات الاذاعية ونفذت الخطة مع استمرار اذاعة البيانات. اين أهل المغني من كل ما يحدث؟ يوم 6 اكتوبر مع بداية اول خيوط الليل.. كان الموسيقار بليغ حمدي علي باب ماسبيرو يحاول الدخول ولكن منعه رجال الامن لان فيه حالة طوارئ.. وكاد ان يتشاجر معهم وعندما علمت نزلت من الاستوديو اليه.. وصرخ في وجهي قائلا.. ما حدش يقدر يمنعني من الدخول وكان معه الشاعر عبدالرحيم منصور والمطربة وردة وطلبت منهم الانتظار في محاولة للبحث عن حل لدخولهم المبني.. فذهبت الي »بابا شارو« وكتب تنازلا عن اجره وكذلك وردة وعبدالرحيم منصور.. وقال بليغ حادفع اجور الفرقة الموسيقية من جيبي.. وصعد »بابا شارو« لوزير الاعلام وعرض عليه ما حدث وقال خليهم يشتغلوا ونشوف هيعملوا ايه. H فتحنا ستوديو 64 لاول مرة بعد اغلاق ما يقرب من خمس سنوات.. وحضر احمد فؤاد حسن مع مجموعة من الموسيقيين في الثانية صباح 7 اكتوبر.. وكان بليغ جهز لحن »باسم الله«.. ولكن تأخر الكورال فقرر ان يجمع المهندسين في الاستوديو وعددا من المذيعين والعمال وغني الجميع بدلا من الكورال.. واذيعت الاغنية 00.6 صباحا رغم ان صوتنا كان وحش ولكن بعد حضور الكورال تم اعادة تسجيلها واذاعتها بالتسجيل الجديد. ثم سجلت وردة اغنية »ع الربابة« وتحولت الاذاعة بأغنتي »بسم الله..«، و»علي الربابة« لبداية اعلان الفرحة بالنصر وكانت الزغاريد في الشوارع والفرحة علي وجوه كل المصريين وهم يشدون ويستمعون الي اغاني الاذاعة. H هل منح بليغ حمدي للموسيقيين.. أجرهم من جيبه كما وعد؟ ما حدث من بليغ وكتابته للتنازل اشعل الغيرة لدي الجميع.. حيث قام احمد فؤاد حسن بالنيابة عن الموسيقيين بكتابة تنازل ايضا عن اجورهم قائلا.. الموسيقيين في مصر مش اقل وطنية من الفنانين واحنا رافضين ناخذ اي اجور ونرحب بالعمل مع اي مطرب او مطربة تحضر الي الاذاعة لتسجيل اغان عن النصر H اين باقي نجوم الغناء بعد وردة؟ تأخرهم كان لانتظار تصاريح الدخول.. حيث تم انشاء مكتب خاص للتصاريح.. حيث حضر الجميع والجميل انهم نسوا خلافاتهم وتناقضاتهم.. حيث كان عبدالحليم يضبط الميكروفون لفايزة ومعه وردة التي كانت تشاركها حفظ اللحن وضبط الاداء.. وبليغ كان يغطي حليم وهو نائم وشادية تحضر الطعام للجميع. وغني عبدالحليم »عاش اللي قال الكلمة بحكمة في الوقت المناسب«.. ورفض الرئيس السادات ان يذكر اسمه في الاغنية.. الا اذا تم وضع اسماء جميع القادة المشاركين في الحرب، كما غني.. »لفي البلاد يا صبية« H الشاعر مرسي جميل عزيز.. الذي كان قد اعتزل الحياة بعد النكسة وانقطع عن عالم الفن معتكفا في منزله بالزقازيق.. حضر يوم 8 اكتوبر صباحا والقلم في ايده قائلا.. انا اتولدت من جديد.. وطلب ورقة علشان يكتب ومن لندن حضر الشاعر عبدالرحمن الابنودي ايضا. H اما عن المفاجأة التي لم يكن يتوقعها وجدي الحكيم.. واكدت بأن جميع اهل الفن سعداء بهذا الانتصار فكانت كما يروي: يوم 7 اكتوبر فجرا.. حضر المخرج الراحل يوسف شاهين الي مبني ماسبيرو.. وحاول الدخول ولكن تم منعه وكاد يتطور الامر الي مشاجرة مع رجال الامن الذين اتصلوا بي ونزلت فورا لاني اعلم مدي عصبيته وانتزعته من ايدي رجال الامن وصعدت به الي مكتب »بابا شارو« وكان معه تسجيل لاغنية خاصة بفيلم »العصفور« الذي لم يكن قد انتهي من تصويره وطلب اذاعتها.. وكان ردنا عليه انت كده حتحرق الاغنية في الفيلم.. وكان رده يلعن ابوالسينما.. اللي مصر فيه دلوقتي اهم من 001 فيلم.. وكانت اغنية »راجعين شايلين في ايدنا سلاح« الحان علي اسماعيل وكلمات زوجته نبيلة قنديل. H في يوم التاسع من اكتوبر كان عنوان مقال الاديب الراحل توفيق الحكيم »عبرنا الهزيمة« وعندما قرأ بليغ حمدي وعبدالرحيم منصور هذا المانشيت كتب الثاني اغنية تحمل نفس الاسم وعلي الفور لحنها بليغ.. وكانت شادية في الاستوديو ومعها طعام الافطار للجميع وعلي الفور دخلت لتسجيل اغنيه » عبرنا الهزيمة يا مصر يا عظيمة« H يؤكد الاعلامي الكبير وجدي الحكيم أن ما حدث في هذه الفترة من تحول ستوديوهات كانت مغلقة الي غابة من الموسيقيين والكورال والشعراء والملحنين والمطربين في خلية نحل تعمل ليل نهار.. يعبر عن صدق مشاعر الجميع وسعادتهم بهذا الانتصار العظيم.. وكانت نتيجة العمل المتواصل 11 يوما 48 اغنية لو تم تنفيذها في ظروف عادية لاحتاجت لاكثر من عامين.. بالفعل سيظل نصر اكتوبر هو عيد اعيادنا الوطنية وفرحة مصر لرفع الهامات واستعادة الكرامة.