قبل بيان العبور العظيم كانت الإذاعات المصرية والعربية خالية من الأغنية الوطنية المنتصرة أي التي تعبر عن النصر, وأن لم تكن خالية من الأغنية المتفائلة. التي تحلم بالنصر ولا تلمسه وبمجرد ما انطلق البيان الأول للمعركة الذي لم يجعل أذنا واحدة تقف عند حقيقة أن الأغنية الوطنية تأخرت ساعات قليلة عن موكب النصر, فقد كانت أذان الشعب المصري مضبوطة علي نشرات الأخبار, وكانت البيانات العسكرية هي أغاني هذه النشرات, ومذيعو النشرات هم المطربون, ولم يكن يعلم الجمهور الذي لم يكن يتحرك من جانب الراديو أن استديوهات الإذاعة كانت أرضا يتنازعها الزاحفون عليها, بكلمة المعركة ولحن المعركة وصوت المعركة, فلم يتخلف عن التعبير بالكلمة شاعر, ولا تمهل عن التعبير بالنغمة ملحن, فقد جرت الاتصالات التليفونية بين المؤلفين والملحنين والمطربين, ولم يتواعدوا في البيوت ولا في الصالونات وإنما تواعدوا في استديوهات الإذاعة, حيث سارع عدد كبير من المطربين للتعبير عن فرحتهم ببيانات الانتصار وواكبت الأغنية طلقات المدافع بعد ساعات من إطلاقها, وعبرت الافاق قبل أن تكمل قوات مصر الباسلة عبورها خط بارليف. وكانت أولي أغنيات المعركة' وأنا علي الربابة بأغني ما أملكش غير غنوة أمل بالنصر تعيشي يا مصر', التي تغنت بها الفنانة وردة من كلمات الشاعر المبدع عبدالرحيم منصور وألحان العبقري بليغ حمدي, وحققت هذه الأغنية نجاحا منقطع النظير وما زالت بمجرد إذاعتها, حتي أن كثيرا من مراسلي الصحف الأجنبية ترجم كلمات الأغنية وواصفين لحنها بالقوة والعذوبة, وواضعين الإداء' بصوت عاشقة تتفاني في الحب', كان بليغ ووردة اول من سجلا أغنية, ثم لحن بليغ أيضا نشيد' بسم الله الله أكبر بسم الله' للمجموعة, وبدأ الخناق علي الإستديوهات وخصص رئيس الإذاعة وقتها محمد محمود شعبان ساعات لأهل الفن يفض مشاجراتهم حول الاستديوهات, ووضع فرصا تساوي بين الجميع. وكان صوت الثورة الشجي عبدالحليم حافظ سباقا إلي الإذاعة فقدم أكثر من أغنية من ألحان بليغ حمدي ايضا منها' عاش اللي قال' عن القرار الذي اتخذه الرئيس السادات بالمعركة وفي الوقت الذي رآه مناسبا بعد أن اكتملت القوة في يديه, وقدم بليغ ايضا لعبدالحليم أغنية نادرة من كلمات عبدالرحيم منصور لم تذع إلا مرة واحدة و ننفرد بنشر مطلعها الذي يقول' إن لم أجود أنا وإن لم تجود أنت, أن لم نجود كلنا بعمرنا لأجل أمنا', ثم لحن له ايضا' قومتي يا مصر بعد الصبر, وبعد الليل جاي النصر, قومتي يا مصر دا اليوم يومك, وابنك حالف يوفي النذر', كما لحن لصوت مصر شادية أكثر من أغنية منها' عبرنا الهزيمة يا مصر يا عظيمة باسمك يا حبيبتي مصر يا حبيبتي, أمي يا حبيبتي عدينا المحال', وغنت المطربة الكبيرة نجاة أغنية من ألحان محمد الموجي يقول مطلعها' وروهم احنا مين, أحنا عرفنا الحقيقة, الظلم لو سنين, في يوم تعلي الحقيقة', وغنت فايزة أحمد من ألحان محمد سلطان' تدفق تدفق ومن كل شبر ومن كل خندق, كأنك صاعقة حين تصعق, عدو النهار حبيب الدار', وأيضا' النصر لمصر' من كلمات صالح جودت وألحان محمد سلطان أيضا, وغني المطرب السوري موفق بهجت' آخر بيان يا ولا بلدنا اسمعوا, آخر بيان يا ولاد بلدنا اتجمعوا, آخر بيان كل واحد فينا جندي في موقعه, آخر بيان كل واحد يحضن سلاحه في موقعه في الميدان', وغنت المجموعة' مصر داري.. سوريا داري والمعارك وحدتنا طلي يا شمس المعارك, كل بيت في مصر بيتنا, وكل بيت في سوريا بيتنا والمعارك وحدتنا' وكان عدد من الملحنين اختفي من الحياة الفنية كالفنان أحمد صدقي الذي غاب عن الأضواء واذا بالمعركة تعيده للساحة فلحن للمطربة نجاح سلام أغنية' صوت المآذن في المساء يكبر, ودويه بالنصر لاح يبشر, والشعب يرجو الله نصرا كاملا, والله فوق الظالمين وأكبر', وعاد أيضا الملحن محمود الشريف الذي قدم للمطرب كارم محمود أغنية' لا صوت يعلو فوق صوت المعركة غير الرصاص, وكلنا لازم نكون في المعركة شعلة حماس', كما قدمت شهر زاد أغنية' سمينا وعدينا' للملحن عبدالعظيم محمد, وقدمت شريفة فاضل أغنية' أم البطل' كلمات نبيلة قنديل ولحن علي إسماعيل, ولم يقتصر الغناء للمعركة علي المطربين فقط, فقدمت الفنانة سعاد حسني أغنية' دولا مين ودولا مين' كلمات أحمد فؤاد نجم وألحان كمال الطويل. وبرغم مرور37 عاما علي نصر أكتوبر العظيم مازالت هذه الأغاني هي التي تتردد حتي اليوم, رغم ولادة مئات من الأغنيات الوطنية التي تتغني بالنصر العظيم كل عام وفي الوقت الذي عبرت فيه الأغنية عن الحدث العظيم نجد أن السينما لم تقدم أفلاما علي نفس المستوي و نتمني أن تشهد الأعوام القادمة أفلام سينمائية ضخمة الإنتاج تعبر عن العبور العظيم.