وضعت الدكتورة إيناس عبد الدايم الفنانة ورئيسة دار الأوبرا يدها علي جوهر احتفالية وردة الجزائرية التي أقيمت مساء الخميس الماضي في الأوبرا والتي تصادفت مع مرور خمسين عاماً علي استقلال الجزائر. فكان الاحتفال بالمطربة والوطن. وذلك عندما تكلمت إيناس عبد الدايم عن دور مصر في رعاية الموهبين من العرب. الذي كان وسيبقي ولا بد أن يستمر. لأن مصر دولة دور وقدرها دورها. تحدثت عن القاهرة عاصمة الغناء العربي والطرب العربي والصوت العربي والفن العربي. لأن قصة وردة الجزائرية مع مصر تُعد تجسيداً لحكايات كثيرة عندما لعبت مصر دور الحاضنة للمواهب العربية. وهي قصة لا بد من تدوينها ذات يوم.. فكرة الاحتفالية جاءت عندما ذهب الدكتور صابر عرب لتقديم العزاء في وفاة الفنانة وردة. وكان هناك السفير الجزائري الجديد نذير العرباوي. حيث نبتت فكرة إقامة احتفالية علي دار الأوبرا المصرية بوردة الجزائرية. ثم انضم لفكرة إيناس عبد الدايم. وجدي الحكيم الصديق المقرب من وردة. وصندوق الأسرار للفن المصري علي مدي نصف القرن الأخير. وصاحب أكبر وثائق بالصوت والصورة لكل من أسعد أهل مصر والوطن العربي والعالم من أهل الفن. الدكتور محمد إبراهيم وزير الآثار والقائم بعمل وزير الثقافة ألقي كلمة حيا فيها وردة القيمة والقامة والسفير الجزائري ارتجل كلمة طالت أكثر من اللازم. حاول أن يلتقط فيها الخيط من كلمة إيناس عبد الدايم من أن هذه الاحتفالية تعد مصالحة مصرية جزائرية بعد الفتور ثم القطيعة التي وقعت بين الشعبين الشقيقين بعد مباراة لكرة القدم. وحكايات أخري كثيرة لا أحب أن أخوض فيها الآن. إن المعني الجوهري لاحتفالية الأوبرا أن الكرة إن كانت قد فرقت أبناء الشعب العربي الواحد. فإن الفن العربي الصادق والأصيل قادر علي أن يعيد المودة بين كل العرب من المحيط إلي الخليج. أعترف أن هذه الليلة غسلت روحي. وهدأت نفسي. وأخرجتني من حالة من التشاؤم وأنا أري مصير بلادي يذهب إلي المجهول. ولا أعرف إلي أين يتجه؟ عندما غنت ريهام عبد الحكيم: حلوة بلادي. وريهام صوت غنائي جميل. ووجه مصري أكثر جمالاً. وقد فوجئنا بها عندما مثلت دور أم كلثوم في مسلسلها وهي طفلة. ومن يومها وهي تراوح مكانها. لأنها لم تجد لا البيئة ولا المناخ ولا الوطن الذي يرعي المواهب بصدق وجدية. وغنت إيمان عبد الغني: الوداع. ثم جاء محمد الحلو ليغني: بتونس بيك. ويضيف مقطعاً جديداً غير موجود في الأغنية الأصلية يهديه لوردة ولروحها. ويحكي قصة عن إنسانية وردة معه. عندما اشترك في حفلة معها في برنامج: أضواء المدينة. الذي كان يوزع الفرح الإنساني بالعدل علي كل مكان في بر مصر. هذه أول مرة أسمع فيها المطربة الجديدة مروة ناجي. وهي صاحبة صوت غنائي جديد مذهل ومعبر. ورغم أنها كانت مريضة. إلا أنها أدت: حكايتي مع الزمان. بصورة غير عادية. وحاولت أن تتفوق علي نفسها وعلي وردة في الأداء الغنائي بما تتمتع به من صوت له طبقات أكثر من جميلة. ثم جاءت بعدها رحاب مطاوع واختتم الحفل خالد سليم الذي حكي أيضاً عن قصة شخصية له مع وردة. إن مفاجأة إيناس عبد الدايم الحقيقية كما قال لي محمد إبراهيم وزير الآثار والثقافة. أننا اكتشفنا أن مصر وطن ملئ بالمواهب الإنسانية النادرة. صحيح أن كلمات الأغاني جافة. والألحان أقرب للغرب. لكن الأصوات التي استمعنا إليها قوية وقادرة وعملاقة. ولا تحتاج سوي للرعاية والاحتضان والفرص. وهو ما يمكن لدار الأوبرا أن تقوم به الآن.. بدأ الحفل بعرض فيلم تسجيلي عن وردة. هي الراوية فيه. تحكي قصص أغانيها وأفلامها ورحلتها من الجزائر إلي مصر. أهداه لنا وجدي الحكيم. وبين الأغنيات وبعضها رأينا بالصوت والصورة شهادات عبد الرحمن الأبنودي وصلاح الشرنوبي وعمار الشريعي عن وردة الإنسانة ووردة الفنانة. ورغم الاختيارات الجميلة من فن وردة. إلا أنني ذهبت إلي هذا الحفل. وكنت أتمني أن أستمع لأغنية وردة التي غنتها في فيلم: ألمظ وعبده الحامولي. التي يقول مطلعها: يا نخلتين في العلالي يا بلحهم دوا. يا نخلتين علي نخلتين طابوا في ليالي الهوا. فكما بدأت السهرة بغنوة وردة عن حرب أكتوبر: حلوة بلادي. كنت أتمني أن تختتم بالنخل الذي في علالي مصر وغناء وردة له. ولكن يبدو أن العثور علي نوتة هذه الغنوة الجميلة بلا حدود. حال دون تقديمها. قبل غناء وردة استمعنا لفرقة الفنون الشعبية العيسوية لولاية سوق أهراسالجزائرية. والعيسوية طريقة صوفية مثل التيجانية والقادرية وموسيقاها قريبة من القناوة القادمة من إفريقيا السوداء. وتشترك معها في الطابع الذي يسمي: الديوان. في هذا الحفل قدم لي الصديق الودود عماد أبو غازي زوجته. وقد فرحت بها بلا حدود. فهي إبنة واحد من أهم صناع العقل العربي الحديث: أحمد بهاء الدين. الذي أوشكنا أن ننساه. وهو الرجل الذي طرح علي الدنيا أهم الأسئلة وأخطرها بروح الفنان وعذوبة المبدع بعد أن تخلص من جهامة المفكر. إن ليلي أحمد بهاء الدين التي تستعد للسفر سفيرة لمصر في رومانيا أسعدتني بلا حدود وقد قلت لهما إنني أحسد عماد علي ليلي وأحسد ليلي علي عماد أيضاً.