د. ىحىى الرخاوى أثناء حواره مع » الأخبار« لابد للرئيس أن يعيد النظر فيما يسمي بالمعتقدات الإخوانية ما يقال عن مخطط أمريكي لتقسيم مصر لا يصح نفيه بقدر ما ينبغي أن نحذر منه أدعو الله للرئيس أن يكفيه شر نفسه وشر من يحيط به ممن هم أقل منه انتماء في الغالب الأعم تدور معظم الاسئلة الموجهة الي ضيف الحوار في مجال تخصصه حتي يتم الاستفادة منه للقاريء وجاء حوارنا اليوم مع قمة اعلام الطب النفسي في مصر والعالم العربي هو الدكتور يحيي الرخاوي استاذ الطب النفسي بكلية الطب جامعة القاهرة. واتسم الرجل في حواره مع »الأخبار« بالاسلوب السهل الممتنع الذي يجعل القاريء يحب اسلوبه ويستمتع بما بين السطور من مفردات ومعان.. وقال ان الاحداث التي مرت بالمصريين منذ الثورة الي الان قد مرت علي مراحل بعضها عكس بعض.. فاحداث الايام الاولي بميدان التحرير غير احداث الايام قبل الاخيرة في العباسية غير احداث محمد محمود غير احداث ستاد بورسعيد.. وهكذا وفي السطور التالية تفاصيل الحوار. هل في تصوركم كطبيب نفسي ان المشاكل النفسية والامراض قد زادت لدي المصريين علي اثر الاحداث التي مرت بهم مؤخرا؟ لابد أن أنبه ابتداء الي انه لا يجوز علميا، ولا حتي اعلاميا، تسمية ما يمر به الناس، عامة الناس، من انفعالات وتفاعلات باسماء امراض نفسية، هذا تهوين من قيمة مشاعر الناس، ومعاني وجدانهم، مما ينبغي احترامه والحفاظ عليه مهما بلغت حدة الحزن او عمق الحيرة او شدة التوتر والاحتقان، بالاضافة الي انه تجاوز في حق المرضي النفسيين بشكل او بآخر، الشعب من حقه ان يحزن او يحتار دون ان نسمي ذلك مرضا نفسيا، والمريض النفسي من حقه ان يصان مرضه واسم مرضه من الاستعمالات الشائعة العشوائية. ثم ان المسألة ليست مسألة تصور، ولا هي من اختصاص الطب النفسي اساسا، او فقط، ثم ان الاحداث التي مرت بالمصريين قد مرت علي مراحل بعضها يمكن ان يكون عكس البعض الاخر، فاحداث الايام الاولي في ميدان التحرير، غير احداث الايام قبل الاخيرة في العباسية غير احداث محمد محمود، غير احداث ستاد بورسعيد، هذا بالنسبة لمد وجزر ولعب وجد الشارع الجمهور الناس والايادي التحتية والفوقية! اما الاحداث الرسمية المقننة من اول تولي المجلس العسكري ادارة البلاد حتي حلف اليمين امام المحكمة الدستورية مرورا باستفتاء تعديلات الدستور، ثم انتخاب مجلس الشعب بمرحلتيه، فالاعلان الدستوري المكمل فانتخابات الرئيس كل واحد من هذه الاحداث يمثل تغيرا نوعيا في مجريات الامور، وبالتالي تغيرا نوعيا في مواقف الناس، كل بحسب انتماءاته وثقافته الفرعية، فكيف بالله عليك يمكن الاجابة علي سؤال بكل هذا التعميم؟. قوية وقادرة هل تري ان نجاح دكتور محمد مرسي سوف يساهم في علاج هذه الامراض النفسية؟ اظن انه بعد رفض تسمية ما يعانيه الناس بالمرض اصلا كما جاء في اجابتي عن السؤال السابق تصعب الاجابة عن هذا السؤال، اما اذا كان المقصود هو الاشارة الي حالات التوتر، والبلبلة، والحزن، والخوف، والحيرة، دون تسميتها امراضا نفسية، فان نجاح الدكتور محمد مرسي في ذاته ليس هذا الذي يساهم في خفض كل هذا وانما اي ارساء لكيان مؤسسة من مؤسسات الدولة، لابد ان ينهي هذه المرحلة الي خير، علي شرط ان تكون هذه المؤسسة، قوية، قادرة، ذات معالم واضحة ومعلنة، وبالتالي قدرة تنفيذية تظهر معالمها علي ارض الواقع أولا بأول. من واقع خبرتك وتجربتك العلمية والتاريخية نريدك ان تقدم رؤيتك الخاصة عن الرئيس الجديد؟ فرحت بصياغة هذا السؤال وهو يحتوي اشارة الي تأثير التجربة والتاريخ تحت عنوان »الرؤية« وهذا لانه لم يحدد الرؤية بالرؤية النفسية، فلم يعط هذا التخصص وصية علمية زائفة. من البديهي ان لكل مواطن رؤيته في من يختاره رئيسا او نائبا عنه او وكيلا يمثله، والا فما الذي يحدد اسباب اختياره، لكن حين تصدر هذه الرؤية في شكل فتوي فوقية من مختص طب نفسي، وبمصطلحات نفسية مع كل احترامي لاجتهاده، فان الامر يكون قد تجاوز المسموح به علميا وادبيا، من هنا اجيب علي هذا السؤال الذكي برأيي كمواطن مصري يقول: ان ما وصلني هو ان هذا الرئيس يمثل عموم ما هو مواطن مصري عادي، بتدينه، واجتهاده، وطيبته، وخيبته، وتقريباته، واحلامه، واتكاله، وفي نفس الوقت فان الارجح عندي انه حسن النية فيما يعد به. قليل الخبرة في الاعيب السياسية ودهاليز المؤامرات، كما اتصور ان علاقته بما يجري في العالم الاوسع، وقدرته علي ربط ذلك بما يجري في مصر والعالم العربي هذه الايام هي علاقة سطحية عابرة ان وجدت اصلا. هناك فرق نلاحظ ان هناك محاولات من جانب الرئيس الجديد للاقتراب من دوائر الزعامة هل تري فيه ما يؤهله لذلك؟ وهل تمسكه بالصوت العالي والجماهيرية ستكون سبيله للوصول الي هذه الزعامة؟ هناك فرق بين الرئيس والزعيم والقائد، علما بأنه لا يوجد تناقض حتمي بين هذه الادوار، فنفس الشخص الذي قد يقوم بدور الزعيم، قد يجد ان مرحلة معينة تحتاج الي التخطيط والتدبير اكثر مما تحتاج الي الاعتماد والتقديس، التخطيط والتدبير، هما من صفات رئيس الدولة، اما السماح بالاعتماد عليه حتي التقديس فهما يصفان اكثر دور الزعيم ذي الكاريزما، القادر علي التهييج والاثارة، بحق او بغير وجه حق، وهذا وذاك غير صفة قائد الثورة، الذي تفرزه الثورة في مرحلة تغير جذري نوعي اقرب الي طفرة تطورية. اذن لا يعيب رئيسنا الجديد ولا من حوله ان يصنعوا منه زعيما، علما بأن الزعيم قد يكون منتميا لفصيل معين، لكنه عادة ينتمي الي جموع الناس حتي وهو ينطلق من موقعه في فصيله، وليس المطلوب ليكون الزعيم زعيما او حتي رئيسا لكل الناس ان يكون بلا لون مميز، كما حاول رئيسنا هذا ان يطمئن المختلفين باعلانه انسحابه من جماعته وحزبه، ثم يبدو انه تراجع عن الانسحاب من الحزب فقط، كل هذا وصلني باعتباره من باب حسن النية والحماس، لكن رأيي ان هذا ليس عملا سياسيا جيدا وهو لا يفيد في كسب ثقة الاخرين، المهم ان يلتزم باقامة العدل حتي لمن يكره »ولا يجرمنكم شنآن قوم علي ألا تعدلوا«. من حق الرئيس اي رئيس ان ينتقل من دور الرئيس الي دور الزعيم وبالعكس اذا لزم الامر دون اتهام بالتناقض، ومثلا كان الدكتور مرسي اقرب الي زعيم وهو يقسم اليمين في ميدان التحرير »مع اني اعتبرت ذلك خطأ جسيما، ورشوة غير مناسبة«، لكنه عاد يمارس دور الرئيس وهو يقسم اليمين امام المحكمة الدستورية، ويبدو انه أراد ان يخفف من جرح زعامته وهو يمارس دور الرئيس الملتزم بالقانون حين طلب عدم اذاعة مراسم القسم في وسائل الاعلام حتي لا يتناقض مع دور الزعيم الذي كان يلبسه قبل يوم او يومين في التحرير. اما عن اذا كان فيه ما يؤهله للزعامة، فان الشخص لا يولد زعيما لكن الموقع والممارسة والدور، وحتي بالتجربة الخطأ، من كل ذلك يتخلق الزعيم ويتطور، او ينكشف ويبهت ويتواري. واخيرا فان الصوت العالي لا يصنع زعيما، وأعتقد انه في حالة الدكتور مرسي اتصور ان دعوة المرحومة والدته له ان »يجعل في وشك القبول« او »ربنا يحبب فيك خلقه« هي مؤهلات أنفع وأضمن. اما الجماهيرية فهي نتيجة للزعامة الناجحة اكثر منها سببا، لكنها ايضا تحافظ عليها وتنميها في الاتجاه السليم واحيانا غير السليم، هو وشطارته. فرسان العصر اعلم انك كتبت شعرا وصدر لك ديوان باسم »البيت الزجاجي والثعبان« فهل الاحداث الساخنة التي تمر بها مصر الآن يمكن ان تعيدك الي مسار الشعر مرة اخري؟ لقد اعادتني فعلا، وان كنت لا أعد نفسي شاعرا، علما بأن هذا الديوان بالذات، وهو من اندر اعمالي شيوعا »وكلها غير شائعة« وقد كتب منذ اكثر من ثلاثين عاما فيه قصيدة تنقد زعم بعض من يسمون انفسهم الثوار دون ان ينتموا حقيقة وفعلا الي جهاد الثوار ومسئوليتهم، وهي بعنوان »فرسان العصر« اقتطف منها هذا المقطع: انا فارس عصري الحر أفهمها وهي تمر »يأخذه الزهو فينطلق يعيد« يتراقص وهو يزيد انا فارس عصري الحر الثائر افهمها وهي تمر بسر الخاطر اما ما حدث منذ 52 يناير قد استثار شعري من جديد، فقد كان ذلك بالنسبة لقصيدتي بالعامية »آهات مصرية« التي كتبتها منذ سبع سنوات. الأولة: آه ما هو لازم اني ازعل، لما الاقي ان الكلام يتعاد كإني ما قلتهوش لما الاقي ان اللي جاري، كله جاري في الفاشوش. لما الاقي الناس بقوا من غير وشوش لما الاقي ان اللي عنده »ناسيي اللي« ما عندهوش. التانية: آه ما هو لازم اني ازعل: لما الاقي ان الشهادة حتي لو من جامعة سمعة. لما الاقي العلم سلعة لما الاقي الامن خدعة لما الاقي الكدبة دمعة لما الاقي اي فكرة جديدة: يعتبروها بدعة. والتالتة: آه ما هو لازم اني ازعل: لما الاقي الكل بلم لما الاقي الحر سلم لما الاقي الجرح جوا القلب: علم هل تري ان الرئيس الجديد ووعوده الكثيرة يمكن ان يصدق فيما يعلنه ام انها مجرد شعارات؟ الافضل ان نبدأ بتصديقه، ثم نضع محكات وتوقيتات لكل وعوده، ونحاسبه عليها أولا بأول، لابد ان يأخذ الفرصة كاملة، ومن داخلنا ما لم تظهر عليه علامات باكرة تؤكد كذبه او مناورته او تبعيته او خيانته او تخلفه. امر بدهي ما رأيك فيما يتردد علي ان الرئيس الجديد ستحكمه معتقداته الاخوانية التي تربي عليها طويلا في معالجته لمشكلات مصر؟ هذا امر بديهي حتي لو اعلن غير ذلك، لكنه امر لا يعيبه، ثم لابد انه يعيد النظر الان فيما يسمي المعتقدات الاخوانية، لان المفروض انه لا توجد معتقدات اخوانية بعيدة عن الايمان، الاسلام شهادة وعبادة، شريعة وطريقة، نص واجتهاد وتجديد، فهو ليس معتقدا وايديولوجيا مثلما يتوقف البعض في علاقته بربنا عند مرحلة تنظيم السلوك الظاهر، وتأكيد الافكار الانسانية الثابتة، علي حساب تنمية الفطرة السليمة ومن اهمها تنمية الابداع الي الايمان الي وجه الله سبحانه وتعالي. ماذا عما تردد من لجوء الرئيس الجديد الي تعيين نائب له مسيحي فهل تري ان هذه الخطوة منها ارسال رسالة طمأنينة للمسيحيين في الداخل والخارج؟ هذه فكرة تبدو في ظاهرها جيدة ومطمئنة، لكنني اخشي ان تنقلب المسألة الي تعميق الطائفية مثلما هو الحال في لبنان، وانا ضد ما يسمي »الكوتة« مهما كانت مبرراتها، فمصر ليست تورتة نقسمها بين المختلفين عليها، واحب دائما ان اتذكر الأم الحقيقية التي تنازلت عن ابنها للمرأة الاخري المدعية امام سيدنا سليمان، حرصا علي حياته. حذر سفير يتردد ان تولي دكتور محمد مرسي رئاسة مصر كممثل للتيار الاسلامي تم تحت الضغط الامريكي لتحقيق تفاصيل مخططها بتقسيم مصر مثلما حدث في السودان ام ماذا؟ هذا وارد، ليس فقط بالنسبة للدكتور مرسي، او مصر، ولكن في العالم اجمع، وحتي لو وصف ذلك بالتفكير التآمري، فهو حذر مفيد، ولا يصح ان نبادر بنفيه بقدر ما ينبغي ان نحذر منه، وبالتالي نستطيع ان نحول الدفة لصالحنا في اي وقت، ولا يفل التآمر الا التآمر كما علمنا تاريخ التطور »برجاء الرجوع الي مقالي« لا يفل التآمر الا التآمر: صحيفة التحرير السبت 7/7/2102. نريدك ان تقدم لنا تحليلا نفسيا يوصف علميا دوافع المظاهرات التي تنطلق بين آن واخر في التحرير ومدينة نصر؟ هذه الظاهرة هي بمثابة »تكرار للنص« اعادة سكريبت وهو تعبير يشير الي جمود مسار التطور برغم ظاهر الحركة، لكن في دائرة مغلقة، فكل نص هدفه وحدوده وعمره الافتراضي، فاذا تكرر بعد انتهاء دوره افسد السياق كله، وتوقفت العملية حتي تصبح عرضه للانتكاس وهذا هو ما استدرج اليه كثير من الشباب بشكل خطير جدا عليهم وعلينا. ونريدك ان تبعث برسالة الي الرئيس الجديد فماذا تقول له فيها؟ ادعو الله سبحانه وتعالي ان يكفيك شر نفسك، وشر من يحيط بك ممن هم اقل منك انتماء وطيبة وذكاء، مهما بدوا اصدقاء او قريبين، وان تحسن الرجوع عن اخطائك، بل والاعتذار عنها، وان تعامل الخصوم بمثل ما كنت تود ان يعاملوك به لو كانوا مكانك وانت مكانهم، وان يوفقك الله لينفع بك ناسك، وكل الناس في كل الدنيا. في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها الانسان المصري الان نريدك ان تقدم لنا روشتة سهلة يمكن الاستعانة بها لعلاج هؤلاء الناس؟ انا لا اميل الي تقديم نصائح مباشرة، والروشتة السهلة ليست هي افضل الحلول، علما بأن الحلول الجذرية التي نحن احوج ما نكون اليها هي بطبيعتها صعبة، وعلي كل انسان، بدءا بنفسه، ان يملأ الوقت بما هو احق بالوقت، وان يعلم ان كل ثانية تمر به، سلبا او ايجابا لها اثرها السلبي او الايجابي ليس فقط علي اهل وطنه، وانما علي كل البشر عبر كل الدنيا طول الدهر!!. في تصوركم كيف سيكون شكل الابداع في ظل ما يتردد داخل التيارات الاسلامية؟ انقل لكم نص ما قاله لي نجيب محفوظ وسجلته في كتابي علي وشك النشر »في شرف صحبة نجيب محفوظ« وكنت قد سألته مثل هذا السؤال فأجاب في لقائي معه ذات يوم الاثنين 9/1/5991 قال: ان الابداع قد يتوقف قليلا، لكن الناس لا تستطيع ان تعيش بدونه وسوف يجدون له مخرجا مثلما وجدوا من قبل، الم يكن الطرب والفن والشعر بل والشرب والرقص موجودين كلهم في العصر العباسي وعبر العصور الاسلامية كلها؟ واضاف: بعد فترة التشدد المبدئية سوف يرتخي الحكام ويتصرف المحكومون كل بطريقته، الانسان لابد ان يجد لنفسه متنفسا تحت كل حكم مهما كان، لان طبيعته غالبة ووسائله لا تنتهي.