يقول الامام محمد عبده في مذكراته.. سألت أحد الصوفية العظام ما هي خير طريقتكم؟1 فقال: طريقتنا الاسلام.. فقلت أو ليس كل هؤلاء بمسلمين؟! قال: ولو كانوا مسلمين لما رأيتهم يتنازعون علي التافه من الامر.. ولما سمعتهم يحلفون بالله كاذبين بسبب وبغير سبب. ويواصل الامام.. هذه الكلمات كأنها نار احرقت جميع ما عندي من المتاع القديم.. متاع تلك الدعاوي الباطلة.. والمزاعم الفاسدة متاع الغرور بأننا مسلمون ناجون وان كنا في غمرة ساهية. الشيخ محمد عبده المولود سنة 9481م في قرية.. حصدة شبشيبر وتلقي تعليمه الاولي في المسجد الأحمدي في طنطا وكيف كان المدرسون يفاجئونه واقرانه بمصطلحات نحوية وفقهية لا يفهمها ميهرب من الدرس الي اخوال أبيه الذين كانوا يعيشون في قرية اسمها »كنيسة اورين« لاحظ الاسم حيث تعهده خاله لابيه الشيخ درويش فأعاده الي جادة الصواب ليبدأ رحلة كفاح وثقافة وعلم حيث تعلم في الازهر الي ان جاء الثائر العظيم جمال الدين الافغاني الي مصر فصاحبه الشيخ محمد عبده واخذ يتلقي عنه بعض العلوم الرياضية والكلامية والفلسفية ومادام فيها فلسفة فقد تصدي لهما مشاريخ الازهر يتقولون عليهما الاقاويل ويزعمون ان تلك العلوم تفضي الي زعزعة العقائد الصحيحة.. يا الله كأن الزمن يعيد ويكرر نفسه.. ما قيل بعد ذلك عن طه حسين ومصطفي عبدالرازق.. صاحب الاسلام واصول الحكم.. ثم علي فرج فودة حتي وصل الامر لقتله للاختلاف معه.. ثم نصر حامد ابوزيد الذي قتلوه معنويا وفرقوا بينه وبين زوجه.. نعود الي الامام.. الذي كان رد خاله علي تلك الدعاوي الباطلة.. »ان الله هو العليم الحكيم وان أعدي اعداء العلم هو الجاهل.. وما تقرب احد الي الله بأفضل من العلم والحكمة فلا شيء من العلم ممقوت عند الله ولا شيء من الجهل محمود لديه«. كان رفاعة الطهطاوي ابن صعيد مصر قد سبق الافغاني الي مصر داعيا نشر المعرفة وحرية الفكر والاصلاح وتعليم المرأة والانفتاح علي العلوم الحديثة واضعا بذرة التمرد علي الخمول الفكري والتشبث المقيت بالماضي الغابر وحكم الاولين رغم بعد المسافة زمنيا وعقليا وتغير احوال الدنيا والعباد ونمت تلك البذرة لتثمر لنا شجرة مجموعة رائعة من رجال الدين الثائرين علي رأسهم محمد عبده فتكونت مجموعة رائعة من المتمردين الثائرين منهم عبدالله النديم وسعد زغلول ومحمود سامي البارودي وابراهيم اللقاني وحفني ناصف.. وبدأت اكبر حركة لاصدار الصحف والجرائد، المنار وجريدة مصر وفي لندن الاتحاد العربي.. وفي باريس العروة الوثقي.. وكانت الثورة العرابية التي عارضها في البدء محمد عبده بحكمة وذكاء قائلا ان الامكانات المتاحة قليلة سوف تؤدي للهزيمة ودخول المحتل. وهو ما حدث.. ولكنه تغلب علي خلافه وبدأ في الجهاد ضد هذا الاحتلال وضد الخديو الذي تسبب فيه فتم نفيه الي بيروت بعد ان نفي الافغاني الي باريس.. ظل في بيروت ثلاث سنوات عاد بعدها الي الأزهر قائدا لحركة تمرد وثورة لعزل الشيخ محمد العباس شيخ الازهر والمفتي والموالي للخديو.. حركة ثورية عارمة طالت الخديو توفيق نفسه مطالبة بعزله وأفتي مشايخ الازهر الثائرون بشرعية عصيان الخديو وبرز محمد عبده في طليعة المثقفين الذين اسهموا في الثورة وحول الوقائع المصرية الي صفحة ثورية حتي نفي مرة اخري ثم عاد شرط ان يترك السياسة متظاهرا بذلك داعيا الي الاصلاح الديني الذي يشحذ همم الناس.. ظل الشيخ محمد عبده مفتيا للديار المصرية ستة اعوام كانت اعوام تمرد وثورة علي المفاهيم البالية ورجال الدين الذين يفضلون نعيم الحاكم علي نار التمرد عليه.. وللشيخ الجليل الثائر آراء فقهية قمة في التطور والتمرد بل ان كتاب قاسم أمين الشهير عن تحرير المرأة يقال ان معظم افكاره مستمدة من الشيخ محمد عبده وله رأي ساطع في قضية سفور المرأة وحجابها لن اعرضه هنا لا لسبب سوي ان النص الذي في يدي يخلط فيه بين كلمتي حجاب ونقاب ولكن المعني الذي اراد توصيله ان المرأة تغري الرجل بجمالها وكذلك يغري الرجل الجميل المرأة فلماذا لا يغطي وجهه وهل عزيمة المرأة اقوي من الرجل؟!! صال الشيخ وجال وكالعادة كان له مريدون واعداء من متجمدي العقول رافضي التطوير والتقدم بحجة التشبث بالماضي ورجاله وكأن رجال الماضي كانوا من الملائكة الذين لا يخطئون للشيخ آراء ومتطورة في كل شيء منها علي سبيل المثال قضية مازلنا نتحدث بشأنها وهي البنوك وقد افتي بجواز وضع مال المسلم في تلك البنوك واخذ فائدة عليها. توفاه الله في يوليو 5091 وجاوز الزحام كل ما قدرته الشرطة.. تعطلت حركة الاسواق.. واغلقت المحال.. رحل وقد ترك بصمة ورجالا يحملون بعده مشعل الحضارة الاسلامية العظيمة والفكر المتجدد.. رحمه الله.. رحمة واسعة. ملحوظة: اكتب عن محمد عبده تاركا الوقت للرئيس المنتخب لانجاز ما وعد به واعطائه فرصة رغم اعتراضي علي اشياء كثيرة لن افصح عنها.. ولكن لابد من تذكير من حوله.. ان الرجل يبدو شريفا مخلصا فلا تغيروه.. ولا داعي لموضوع صلاة الفجر واكل العيش والجبن كعلامة علي الزهد فهي بينه وبين ربه.. اتركوه ليعمل فإن أفلح عاوناه وان أخفق عزلناه.. ولله القصد من قبل ومن بعد.