من بين فيض التصريحات ورسائل التطمين في المؤتمرات واللقاءات العديدة التي حضرها رئيس الجمهورية المنتخب د. محمد مرسي ، استوقفني بشدة تصريحه حول جماعة الاخوان المسلمين ، حيث صرح بأن علي الجماعة أن توفق أوضاعها وفق قانون الجمعيات . أعتبر هذا التصريح هو الاخطر والاكثر اهمية بين كل تصريحاته ، ومادام لم يصدر عن الرئيس أي نفي او تصحيح لما نسب إليه ، فالتصريح صحيح . ولما كان من المعروف أن هناك بالفعل قضية مرفوعة لحل الجماعة ، ونظرت القضية إلا أن المحكمة أجلتها لجلسة تالية ، فإن الاحتمال الاقوي قانونا هو صدور حكم بحل الجماعة. والحقيقة أن حل الجماعة قرار طال انتظاره، وكنت أتمني أن تقوم به الجماعة بنفسها دون انتظار لحكم المحكمة ، الا أن تصريح د. مرسي يشير علي الاقل ، ايجب ان يكون كذلك، الي ان الامر مطروح علي قيادات الجماعة ، وبالتحديد علي مكتب الارشاد. وإذا كان من حق الجماعة قبل الثورة أن تحافظ علي وجودها وبقائها ونشاطها كحزب سياسي (محظور !!) فإن تأسيس حزب الحرية والعدالة ، وخوضه الانتخابات النيابية وحصوله علي الاكثرية ، ثم فوز د. مرسي بالرئاسة مرشحا عن الحزب نفسه .. ان هذا وذاك معناه ان حزب الحرية والعدالة حقيقة واقعة.. أليس كذلك ؟ ! وبالتالي فما معني وجود الجماعة وممارستها لنشاط سياسي ؟ جماعة الاخوان جماعة دعوية في الاصل عندما أسسها حسن البنا ، ويجب ان يتوقف الخلط بين دورها الدعوي ودورها السياسي ، واذا كان مفهوما لجوؤها للاشتغال بالسياسة مباشرة وهذا حقها وواجبها ازاء مشروعها علي مدي ثمانين عاما اذا كان هذا أمرا مفهوما ، فإن ما ليس مفهوما ولامقبولا أن تشتغل الجماعة بالسياسة وأن يكون لها مرشد عام ومكتب ارشاد وتشكيلات ذات طابع حزبي ، وفي الوقت نفسه تمتلك ذراعا سياسية اسما حزب الحرية والعدالة له هيئات وتشكيلات ومقرات في كل مكان بعد الثورة . هذا الوضع العجيب الغريب يشكل ميزة انتزعتها الجماعة لنفسها بالعافية ودون أي سند من القانون ،وغني عن البيان ان هذه الميزة لا يتمتع بها السلفيون، ناهيك عن مختلف القوي السياسية بأطيافها المتعددة . وطوال الشهور الماضية لعب الاخوان بروحين ، أي بذراعها الدعوية والسياسي والتنظيمية ، وهي هنا جماعة الاخوان المسلمين (المحظورة !) وبذراعها الدعوة والسياسية والتنظيمية ممثلا في حزب الحرية والعدالة . والمعروف أن جمعيات ومنظمات الدعوة تنتمي للمجتمع المدني ، وتشرف عليها وتراقب تمويلها ومصادر إنفاقها وزارة الشئون الاجتماعية أو وزارة التضامن ، والمفترض حسب القانون ألا تعمل بالسياسة المباشرة وأن يقتصر نشاطها علي المجال الدعوي او الاجتماعي او الثقافي، بل ان الجمعيات العاملة في مجال حقوق الانسان لا تعمل بالسياسة المباشرة، اي نزول الانتخابات النيابية او خوض انتخابات الرئاسة مثلا، بل تراقب سير العملية الانتخابية ومدي التزامها والتصدي للتزوير، او مساعدة من يتعرضون للقبض عليهم ، وكلها امور لاتعني بالسياسة المباشرة لأنها ببساطة تتعامل مع الجميع ، ولاتشترط الانتماء السياسي او المذهبي . من جانب آخر ، فإن كاتب هذه السطور كان قد أبطل صوته في جولة الاعادة ، ولم أنكر يوما خلافي السياسي الجذري مع الاخوان ، الا أن التوجه الجديد للرئيس المنتخب والفريق العامل معه، فتح باب الامل في ان تنجح التجربة الجديدة ، والبداية تكمن في ان يتخلي تيار الاسلام السياسي عن تقاليده العتيدة في الاستحواذ والتكويش من جانب ، والاقصاء والتهميش من جانب ثان . والحا ل ان حزب الحرية والعدالة يحكم مصر الآن، وهذا حقه وفق صناديق الاقتراع ، علي الرغم من ان النجاح حالفه بفارق ضئيل للغاية ، ويتحكم اعضاؤه المنتمون في الوقت نفسه لجماعة الاخوان (يعني بروحين مرة اخري) في كثير من النقابات، ولديهم اكثرية برلمانية قبل الحل، واكثرية في مجلس الشوري الذي لم يحل حتي الان.. كيف يستقيم الامر اذا ظل الاخوان يشتغلون بروحين ؟ وهل من حق القوي السياسية الاخري أن تتمتع بهذه الميزة ؟ واذا اراد حزب الحرية والعدالة أن يثبت انه يريد فعلا نجاح التجربة الجديدة، أي تجربة بناء دولة مدنية ديمقراطية، فإن عليه ان يستبق حكم المحكمة، ويحوّل الجماعة الي جماعة دعوية توفق اوضاعها بموجب قانون الجمعيات (سيقولون ان هناك مشاكل تحيط بصدور هذا القانون ، والحل بسيط جدا وانتم تملكون تذليل هذه المشاكل) وبالتالي يخضع تمويلها ومصادر انفاقها لإشراف ومتابعة وزارة الشئون الاجتماعية، وبالتالي تخضع لما تخضع له سائر الجمعيات الدعوية . لا أريد ان أخوض في مماحكات قانونية ، لأن الرأي الغالب ان الجماعة منحلة فعلا منذ عام ، إلا أن هذا ليس مهما ، بل المهم هو القرار السياسي الرشيد بأن حزب الحرية والعدالة ليس ذراعا لأحد ، بل هو الحزب المعبر عن افكار وأيديولوجية الاخوان المسلمين، اما الجماعة ذاتها فلا علاقة لها بالسياسة، اذا أردنا ان تستقيم الامور. والمثير للدهشة، وربما الريبة أيضا أن أحدا لم يعلق علي تصريح رئيس الجمهورية، لا من جماعة الاخوان ومرشدها العام ونائبه ومكتب الارشاد، ولا من حزب الحرية والعدالة، بل إن القوي السياسية المختلفة لم تلق بالا لهذا التصريح، وكأنه للاستهلاك المحلي، علي طريقة تصريحات الرئيس المخلوع .