عندما أراد الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا بناء بلاده بعدما حررها من الحكم العنصري ، أقام دولة العدل أولا وابتعد عن الانتقام ، وسعي لمصالحة وطنية ، بدونها كانت ستراق المزيد من الدماء. مخطيء من يفهم أن المصالحة والعدالة الانتقالية تعني إتاحة الفرصة للجناة في الجرائم الكبري -كالقتل والتعذيب- للإفلات من العقاب ، ولكنها تستدعي العفو عن بعض مرتكبي الجرائم الأخري كمقدمة لإجراء التحولات الديمقراطية وبناء الدولة الحديثة. ما نتحدث عنه ليس بدعه ، فهذا ما فعله مانديلا الذي بقي في محبسه 28 عاما ، فهو الذي تسامح ، ودافع عن المصالحة الوطنية، ورفض الانتقام لأن هدفه كان بناء بلده و ليس البقاء أسير الماضي مهما كانت جروحه وآلامه. ولكن حتي تتحقق هذه المصالحة والعدالة الانتقالية في بلاد الربيع العربي ، من الضروري أن نعرف حجم ومستوي الانتهاكات التي ارتكتب في عهد الطغاة ، حتي نضمن عدم تكرارها في المستقبل، أيضا ، لابد أن نحقق الشفافية ، فعلي سبيل المثال في مصر، بات الكشف عن المسئول الحقيقي عن قتل الثوار ، المسئول عن اقتحام السجون واقسام الشرطة وتهريب المجرمين والجواسيس ، أمرا ملحا حتي نؤسس لدولة الديمقراطية ، ونبتعد عن التخوين. الآن وبعد أن سقطت بعض أنظمة الحكم الديكتاتورية في عدد من الدول العربية فإن هذه الدول مطالبة قبل فوات الأوان بصياغة استراتيجية واضحة المعالم لتحقيق المصالحة الوطنية والابتعاد عن الانتقام وإعادة الحقوق إلي أهلها. عندما سادت روح الانتقام بعد سقوط صدام والقذافي في العراق وليبيا ظهرت الصراعات الطائفية وسالت الدماء ، أما المصالحة والعدالة الانتقالية فحولت جنوب أفريقيا من شعب منقسم عرقيا إلي دولة متقدمة وديمقراطية.