شهوة الانتقام خلال الشهور والأعوام التالية للثورات الشعبية, يصعب العثور علي مساحة كافية للتسامح والاتزان العقلي, فمظاليم الانظمة المنهارة من الكثرة بحيث يستحيل اقناعهم بألا تعمي النزعة الانتقامية العقول والقلوب, ذاك شأننا وحالنا في مصر الآن, فجيل ثوار ميدان التحرير غير قابل بأقل من التجاوب الفوري وبدون تباطؤ لطلباته العاجلة الملحة بملاحقة الرئيس السابق حسني مبارك, وأضلاع نظامه, فالقصاص حق عادل وواجب لدماء الشهداء, ولكل المعذبين في مجاهل ومعتقلات جهاز أمن الدولة المنحل, ومن اضيروا ولو من بعيد في عهده غير السعيد. المفارقة ان مبارك واتباعه يشاركونهم الرغبة في الانتقام من شعب حرمهم من وجاهه وابهة السلطة ومميزاتها, وعكروا عليهم صفو استمتاعهم بنهب ثروات وخيرات البلاد بدون حسيب ولارقيب ولا رادع, بناء عليه خرج بلا استئذان الرئيس السابق من منتجعه الفخم في شرم الشيخ, ليحدثنا عن بطولاته والافتراء عليه وعلي أسرته, نافيا استغلاله ومعه جمال وعلاء السلطة لجمع ثروات غير مشروعة وزعت علي ارجاء المعمورة. وأكمل المستفيدون من حكمه حلقات الانتقام, الذي يحلو لنا تسميته الثورة المضادة, في حين انها عرض للنزعة الانتقامية الغارق فيها الجسد المصري الباحث عن مخرج آمن منها, وحتي لا تشطح الاذهان, يستحسن المكاشفة بأمرين, الأول: ان محاسبة ومعاقبة المسئولين السابقين عن اخطائهم وجرائمهم غير خاضع للنقاش مادام يتم وفقا للقانون ومقتضيات العدالة الناجزة, حتي ضد من تخصصوا في القفز فوق القوانين وعدم احترامها, الأمر الثاني: ان المصلحة الوطنية تقتضي بدون تأخير التخفيف من غلواء شهوة الانتقام, رغم علمي باستحالة ذلك علي كثيرين, فأمامنا مستقبل يفرض ان ننحي قليلا نوازعنا ورغباتنا الشخصية, وان نترك للقانون مهمة الانتقام ممن ظلمنا لعقود متتابعة, ولنتذكر ان الزعيم الافريقي نيلسون مانديلا, عندما انتخب رئيسا لجنوب افريقيا كان مهموما بالتوفيق والمصالحة الوطنية, اكثر من انشغاله بالانتقام ممن سجنوه في جزيرة نائية, فالرجل حطم نظام الفصل العنصري, واحتفظ بتماسك ووحدة بلاده. المزيد من أعمدة محمد إبراهيم الدسوقي