أحمد الخطىب ان ألسنة اللهب التي تصاعدت من صناديق العملية الانتخابية وما اسفرت عنه من حالة انقسام حاد بين افراد المجتمع هي ميراث طبيعي لتراكمات ثقافية وتجارب سابقة علقت في ذهن المواطن حول كل فصيل وبات من العسير طي صفحات الماضي وسبر اغواره. وقد ارتبط ذلك ارتباطا وثيقا بتلك النظرة الضيقة التي تعامل بها المصريون مع مفهوم الثورة وما ترتب عليها وما يتطلع اليه الجميع من رؤي مستقبلية طموحة اذ وقعت رهينة المحدود من الفكر العقلي حسب تصورات مسبقة باعتبار ان هناك قوانين ثورية ذات قواعد ثابتة واجبة النفاذ علي كل الثورات. وهو ما يصطدم مع الواقع العملي. فلكل ثورة اسباب وفعاليات ودرجة من القوة القادرة علي احداث التغيير علي جميع الاصعدة. وهو ما يختلف حتما من مجتمع لآخر حسب ظروفه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ودرجة قناعة افراده بجميع اهدافها والقدرة علي الصمود لتحقيقها وما يصلح في دولة لا يعني بالضرورة صلاحيته في غيرها فهروب زين العابدين من تونس الي السعودية لا يعني بالضرورة هروب الرئيس المصري السابق اليها وتخلي عبدالله صالح عن السلطة في اليمن وسفره الي امريكا لا يقطع بتطبيق ذات السيناريو علي الرئيس السوري بشار الاسد. وتطبيق قوانين العزل السياسي في مصر عقب ثورة 2591 لا يعني وجوب اتباع ذلك النهج في جنوب افريقيا والتي فضلت اجراء المصالحة الوطنية وطي صفحة الماضي العنصري، ووصول احد رموز النظام السابق الي سدة الحكم في مصر لا يعني اعادة طبع نسخة جديدة من الثورة الرومانية والقضاء علي الثورة أو تعقب الثوار، فوجود حياة حزبية نشطة ووعي سياسي وحراك ثوري وبرلمان مستقل عن نفوذ الرئيس وتوزيع السلطة يحول تماما دون تكرار تلك التجربة الاليمة. وكذلك فان اعتلاء التيار الديني كرسي الحكم لا يعني بذاته دخول البلاد دوامة التقسيم وتجزئة البلاد كما حدث في السودان عقب انقلاب البشير وتولي الاسلاميون الحكم فذلك مرهون بإعلاء مبدأ المواطنة وتطبيقه عمليا علي ارض الواقع بما يحقق المساواة بين افراد المجتمع في جميع الحقوق والواجبات ليس فقط من منظور ديني وانما يراعي جميع التنوعات الفكرية والثقافية والسياسية والاقليمية والاجتماعية والتأكيد علي ان مصر لن تكون اداة لخدمة التنظيم العالمي للاخوان المسلمين بغض النظر عن مصالحها الخاصة وامنها القومي حتي لا تتحول الي ساحة لتدريب العناصر المسلحة من دول اخري تحت مسمي الجهاد مثل الصومال وافغانستان وتكون النهاية هي ضربات الناتو الامريكي. ومن ثم يتعين ان يستقر في يقيننا انه لا توجد نظريات ثورية قابلة للنقل او الاقتباس من دولة اخري وهو ما يفرض علينا توفيق اوضاعنا الداخلية مع ما يفرضه علينا الواقع العملي من اعتبارات خاصة بالحالة الثورية المصرية وهو ما يلزم معه ان يرقي مستوي الفكر الثوري والسياسي الي مستوي المسئولية الوطنية وتغليب الاعتبارات الموضوعية في تحديد الخيار الامثل لتولي دفعة البلاد في المرحلة المقبلة والانصياع الكامل لارادة الناخب المصري وما تسفر عنه من نتيجة باعتباره صاحب القول الفصل في ارساء الديمقراطية وتحديد مصيره والتوقف عن فرض القوامة الفكرية والوصاية السياسية عليه والابتعاد عن الصراخ والعويل والقاء الاتهامات جزافا والتهديد بثورة ثانية لانه اعتداء صارخ ضد ارادة الشعب التي عبر عنها في انتخابات حرة شهد القاصي والداني بنزاهتها لان مصر فوق الجميع.