يقول المثل العراقي" "خذ الشور من رأس الثور". وتطبيقاً لهذا المثل الشعبي قررت وزارة الثقافة في بغداد استلهام النموذج الايراني في الافلام والمسلسلات ومجالات الثقافة والفنون الأخري باعتبار ان ايران هي "المرجعية" الابداعية الأولي في العالم! وعلي الرغم من هذا القمع فان وكيل وزارة الثقافة العراقية يزعم أن الأفلام والمسلسلات الإيرانية أخذت تشكل نموذجاً فاعلاً للمتلقي! وأشار الي اتفاق مع إيران علي تبادل الخبرات في مجال الإذاعة والتلفزيون، وسعي وزارته إلي إبرام اتفاقات تعاون مستقبلية مع إيران في مجالات الثقافة والفنون. وأنا لا أعرف في الحقيقة ما هي خبرات النظام الحالي في إيران في مجالات الثقافة والفنون عدا اللطميات والارهاب وتشويه التاريخ الديني والسياسي والاجتماعي وإقصاء كل القوميات والمذاهب في البلاد عدا القومية الفارسية ومذهبها الشيعي المتطرف! وهو أمر يطرح أسئلة كثيرة ويستدعي التأمل في خلفيات ما يسمحون به من إنتاج ثقافي وإعلامي يخضع لسيطرة نظام الملالي الحاكم وأجهزة الاستخبارات التي أودعت السجن مئات المثقفين والفنانين الإيرانيين، بينما هرب الي خارج البلاد آلاف من المبدعين طلباً للامان وحرية الفكر. ومن أمثلة القمع الشهيرة المخرج جعفر بناهي المحكوم عليه بالسجن ست سنوات. بالاضافة الي عقوبة غريبة في قسوتها علي فنان مهنته السينما وهي منعه من إخراج الأفلام طوال عشرين سنة ومنعه من السفر وحتي إجراء المقابلات! وكان الحكم علي بناهي الذي صدر في ديسمبر الماضي بعد إدانته بتهمتي القيام بنشاطات مسيئة إلي "الأمن القومي" والترويج الدعائي المعادي للنظام بعدما بدأ في إخراج فيلم حول الاضطرابات التي أعقبت إعادة انتخاب الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد في حزيران 2009. وطبعاً لم يكن بناهي هو الوحيد الذي عاني، فقد صدر حكم آخر في حق المخرج الإيراني محمد رسولوف بالسجن ست سنوات أيضاً، ثم تم تخفيض الحكم إلي سنة واحدة. وفي نهاية العام الماضي حكم علي الممثلة الإيرانية مرضية وفامهر بالسجن سنة مع تسعين جلدة لمشاركتها في فيلم يكشف الصعوبات التي يواجهها الفنانون في إيران. وكان مدير الإذاعة والتلفزيون الإيراني عزة الله ضرغامي الذي زار بغداد مؤخراً وإجتمع مع كبار السياسيين العراقيين الذين يدينون بالولاء للنظام الايراني عرض توثيق التعاون الفكري والفني والثقافي بين الجانبين وتبادل الخبرات في مجال الإذاعة والتلفزيون وإقامة الدورات المشتركة. ويثير إستلهام الفن الإيراني عراقياً تساؤلات عن الاكتساح السياسي والاقتصادي والفكري والثقافي الايراني للعراق. ويري علي عبد الأمير الناقد العراقي البارز "ان المفارقة في الاستلهام العراقي للفن الايراني هي التنسيق مع القوي التي لا تتردد في اعتقال صانعي علامات التفوق الفني خلال العقدين الماضيين". بل إن المسئول في وزارة الثقافة العراقية يتحدث عن تنسيق في مجال الصناعة السينمائية مع نظيره الإيراني "من أجل تحريك عجلة الصناعة السينمائية" في العراق بعدما تم إغلاق معظم صالات السينما في بغداد والمدن العراقية لتتحول بسبب التشدد والتطرف والميليشيات الي ورش لصناعة الأثاث والأحذية أو مخازن لتجميع البضائع. والأرجح أن الفنانين العراقيين سيجدون أنفسهم قريباً أمام تحديات إبداعية جديدة علي غرار نظرائهم الإيرانيين الذين لمعت أسماء كثيرين منهم بعدما ناهضوا الرقابة في بلادهم والتفّوا عليها بذكاء الفنان وتصميمه فنالوا اعترافاً عالمياً وفر لهم بعض الحصانة الدولية. وعلي رغم أن من نجحوا في هذا الإطار يبقون أقلية ولم يستطيعوا تغيير الوضع العام الذي لم يتمكن زملاء لهم من كسر قيوده، إلا أن كثيرين من الفنانين العراقيين سيستلهمون تجارب هؤلاء المقاومين للقمع لأن الأحوال العراقية الظالمة والمظلمة لا تختلف كثيراً عما جري ويجري في إيران منذ مجئ نظام خميني والملالي الي الحكم.