محمد وجدى قنديل أيا يكون الرئيس القادم الذي يتم انتخابه بلا دستور والذي يجيئ بإرادة الصندوق؟ وأيا يكون انتماؤه السياسي.. وأيا يكون اتجاهه فإن ولاءه الوحيد يجب ان يكون لمصر الوطن، وانحيازه يجب ان يكون لشعبها - 58 مليونا - وليس لجماعة أو مرجعية، وذلك منذ اليوم الأول الذي يتولي فيه رئاسة الجمهورية الثانية! أيا يكون الرئيس المنتخب فإنه يعتبر مسئولا عن كل المصريين بلا تفرقة - مسلمين ومسيحيين - وبلا تمثيل لتيار سياسي أو جماعة دينية أو حزب وان يضع مصلحة الشعب نصب عينيه في قراراته ومواقفه علي مدي سنوات ولايته الاربع.. قد يقال ان هذا الرئيس في حاجة إلي معجزة لكي يواجه تراكمات الإرث الشائكة للجمهورية الاولي من المشاكل والصعاب ولكنه وحده الذي يستطيع ان يصنع تلك المعجزة بمساندة الشعب الذي اثبت وعيه في نزاهة الانتخابات الأخيرة.. وبموهبة قادرة علي الرؤية الصحيحة وسط الاختيارات والمفاجآت التي قد لا تكون في الحسبان، وتحت هذه الضغوط تتفتح قدرات الرئيس الجديد وتتجلي أفكاره الخلاقة ورؤيته الصائبة والتي تراعي مصالح الشعب! وليس مطلوبا من هذا الرئيس ان يكون زعيما لديه الكاريزما مثل جمال عبدالناصر وبما يملك من قوة التأثير الشعبي والاقناع في طرح الحلول والمواجهة بالحقائق، ولكن المطلوب ان يكون ذا صفات معينة تؤهله لهذا المنصب: - ان يكون رجل دولة -دولة مدنية وليست دينية- ولديه الخبرة من خلال المواقع التي شغلها في العمل التنفيذي واكتسب من خلالها القدرة علي القيادة واتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب وحتي لا تضيع السنوات الاربع في تعلم اصول الحكم. - أن يكون حاكما قويا ولديه القدرة علي المواجهة في اصعب الظروف وفي التصدي للتحديات والامساك بزمام الامور بيد ثابتة وبحيث لا يخضع للإبتزاز من قوي سياسية بعينها ويقف عاجزا امام ضغوط مفتعلة ويبعث الثقة في هيبة الدولة وقوة الحكم. - ان يكون رئيسا عادلا ويحقق التوازن بين السلطات ويعمل علي التوافق بين القوي والتيارات السياسية، ويتدخل لاحتواء الازمات قبل تفاقمها ويواجه الانفلات الأمني بالحزم والحسم في تطبيق القانون. - أن يكون واحدا من الناس الغلابة يتجول في القري والنجوع ويزور العشوائيات ويلمس بنفسه المعاناة التي يعيشها الملايين تحت خط الفقر والمحرومون من الخدمات والذين لا يملكون غير الرضا بالواقع المرير. - أن يكون شخصية له اتصالات دولية وعربية ويمكنه توظيف علاقاته مع زعماء العالم وحكام المنطقة في معاونة مصر علي اجتياز الصعاب القائمة والموروثة والخروج من عنق الزجاجة ويقوم بزيارات خارجية لتحقيق ذلك. هناك ملفات صعبة وتحديات شائكة تنتظر الرئيس القادم خلال المائة يوم الاولي ولابد من مواجهتها ومنها: - الملف الأمني وهو التحدي الجدير بالاهتمام بعد عام ونصف عام من الانفلات والفوضي التي صارت تتحكم في مقادير الناس وارزاقهم وذلك يستدعي توفير جميع الامكانات لدعم جهاز الشرطة بالافراد والمعدات الحديثة -ولا بأس من الاستعانة بالشرطة العسكرية - حتي يمكن فرض قوة القانون بدلا من قانون القوة والبلطجة الذي يسيطر علي الشارع ويهدد الاستقرار.. لان الحالة الامنية تنعكس علي السياحة التي كانت تدر مليارات الدولارات سنويا.. وكذا فإنها تخيف المستثمرين العرب والاجانب من اقامة المشروعات والمصانع وتشغيل ملايين العاطلين من الشباب.. وبالتالي فإنه لابد من الاهتمام بتعديل مرتبات افراد الشرطة - ضباطا وجنودا - وبما يمكنهم من أداء واجبهم! - الملف الاقتصادي وهو التحدي الذي يتطلب حلولا سريعة لمواجهة عجز الموازنة وتوفير مصادر داخلية وخارجية، بعدما تراجع الاحتياطي من 43 مليار دولار إلي 61 مليار دولار خلال شهور ما بعد ثورة يناير نتيجة ضغوط تناقص الموارد من السياحة واغلاق مئات المصانع وغيرها.. ولذلك لجأت مصر إلي صندوق النقد الدولي لاقتراض 4.3 مليار دولار ولكن توقفت اجراءات الاتفاق بسبب قلق إدارة صندوق النقد من عدم التوافق المجتمعي بشأن القرض ويكفي ان الاخوان يتخذون موقفا معارضا لهذا القرض وبحجة عدم تحمل أعباء القروض وبينما الهدف تضييق الخناق علي الحكومة.. وفي ذات الوقت فقد اتخذت الدول الخليجية - مثل قطر - موقفا غريبا من تقديم المساعدات التي وعدت بها إلا بعد انتخاب الرئيس الجديد.. وبينما بادرت السعودية بتقديم مليار دولار وديعة في البنك المركزي بالاضافة إلي حزمة مساعدات أخري من الاستثمارات.. بالاضافة إلي الاعباء الثقيلة التي تحملها الحكومة لزيادة الاجور والمطالب الفئوية. - وهناك تحديات اجتماعية لمشاكل معيشية مثل توفير السلع التموينية بأسعار مخفضة وتوفير احتياجات القري والصعيد من انابيب البوتاجاز والسولار وغيرها.. ولا أتصور ان الرئيس الجديد يملك عصا سحرية لحل هذه المشاكل لأنها ترتبط بالامكانات المالية المتاحة لدي الحكومة.. ويجب ان يعطي فرصة لاعادة تنظيم البيت وترتيب الأولويات! قد يقال: ان الرئيس الجديد يجيء بلا صلاحيات محددة وهو ما يعوق قدرته علي اتخاذ القرار، ولكن الاعلان الدستوري حدد الصلاحيات بشكل عام - في ظل نظام رئاسي - وقد يكون الحل المناسب في إصدار إعلان دستوري مكمل يحدد تلك الصلاحيات إلي حين وضع الدستور الجديد.. ومن هنا تبرز أهمية انتخابات الإعادة بين المرشحين المتنافسين - أحمد شفيق ومحمد مرسي - لانها تحدد: من هو الرئيس؟ ان المسئولية ثقيلة.. ثقيلة.. وكان الله في عون من يحملها.. لأن التاريخ لا يرحم وكذلك الشعب!