سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
وزير الثقافة الجديد د.صابر عرب يختص »الأخبار« بأول حديث في أول يوم لتسلمه المنصب: أنا في مهمة صعبة ومؤقتة .. والقوة الناعمة ستقود المجتمع في المرحلة القادمة
د.صابر عرب أثناء حواره مع » الأخبار « نحن في مرحلة تستوجب التضحية من كل مصري لتحقيق التحول الديمقراطي أولوياتي: دعم حرية الإبداع أكاديمية الفنون تعزيز قصور الثقافة لا : لحظيرة المثقفين لسياسة اللامرگزية للقبضة الحديدية ملفات شائكة وكثيرة تحتاج فض اشتباك..الوقت قصير والحلم كبير.. ولا وقت للصبر.. فالمجتمع في حراكه الثوري كل ساعة هو في شأن، جناحان تحلق بهما وزارة الثقافة: الداخلي بملفاته الملتهبة، والخارجي لاستعادة دور مصر الثقافي التاريخي والراهن، فالثقافة لا تنفصل عن السياسة والمجتمع، ولا ينبغي، بل هي تخدم الاستراتيجية المصرية في توجهها العام.. تبرق هذه الرؤية وأنا في الطريق الي محاورة الدكتور محمد صابر عرب الذي تم اختياره قبل 84 ساعة لكرسي وزارة الثقافة في اللحظات الحرجة التي تهيمن علي الأجواء.. اليوم .. يبدأ وزير الثقافة الجديد الخطوة الأولي في طريقه الوزاري المحفوف بالتحديات، ما بين المخاطرة والمغامرة، لكن كل شئ يهون في سبيل التحول الديمقراطي الذي يشهده المجتمع، كما سيقول بعد قليل، خاصة أنه يجلس علي هذا الكرسي الثقافي ليس فقط كمنصب سياسي، بل أيضا كمؤرخ شاهد علي العصر، وكأستاذ للتاريخ الحديث بجامعة الأزهر، وك»مثقف« يعايش هموم المثقفين وعذاباتهم منذ زمن بعيد، وك»صاحب رؤية« عبر ترؤسه لمجلس إدارة هيئة الكتاب ودار الكتب، يسعي لتوصيل الأدوات الثقافية الي جماهير الناس في كل مكان ايمانا بأن الثقافة هي المصباح الذي يضئ جنبات المجتمع دائما.. أليس كذلك دكتور صابر عرب؟ - كل هذه الملامح لا يمكن الفصل بينها، إن فيها قدرا كبيرا من التراكم يخدم بعضه بعضا، فالمعرفة التاريخية تتجاور مع الرؤية الثقافية والاثنتان تتفاعلان مع الخبرة المهنية والإدارية، ثم يأتي منصب الوزير تجسيدا لكل هذه الملامح المتشابكة والمتداخلة. ووزارة الثقافة تلعب دورا غير تقليدي طوال التاريخ المصري، فهي القوة الناعمة التي تكسب الوطن الدور الريادي مصريا وعربيا وعالميا، وعلينا أن ندرك أن قوة مصر الحقيقية في الثقافة عبر المثقف و الكتاب والفيلم السينمائي والمسرحية والفنون الجميلة، وكافة نواحي الآداب والفنون علي المستوي الإبداعي والاجتماعي والتأثير والتأثر في المجتمع والناس، ومن ثم لا بد أن تتضافر مؤسسات الدولة لدعم هذا الدور، إن وزارة الثقافة تخدم الدور السياسي والاجتماعي والاستراتيجي للدولة، وبتدعيم ومؤازرة هذا الدور ستعود مصر لتتبوأ دورها القيادي في كل المجالات وعبر كل المسارات. الهدوء للتفكير هذا الطموح الاستراتيجي مبشر بيقين غير مراوغ.. فماذا عن الأداة والتحقق الثقافي علي أرض الواقع الذي يتعطش كثيرا ليجري في نهره الماء الثقافي، وكم نعاني من التصحر الفكري المنسجم مع الروح المصرية؟ - نحن نحتاج إلي إعادة رؤية باستعادة سماحة وهدوء الروح المصرية، بعد أن حققت المستحيل، نحن في حاجة لأن نهدأ حتي نفكر جيدا وبعمق، علي كل المستويات من مؤسسات الدولة، والأسرة والفرد، فلا يمكن اتخاذ قرار موضوعي في حالة الفوران والاحتقان، آن للعقل أن يعمل في هدوء لإصدار القرار المناسب. نحن في حاجة إلي أن يستعيد المجتمع روحه الجميلة التي تبسط أجنحتها من أجل البناء والتشييد، ونحن في حاجة أيضا إلي أن يهدأ المصريون لكي يفكروا في الغد وأمجاده المنتظرة فنحن في حاجة كذلك إلي منح فرصة للحكومة حتي تتعامل مع القضايا السياسية بموضوعية وعقلانية وروية، لتسيير الأمور، وهذا أمر مهم جدا ونحن في حاجة ماسة إلي إجماع وطني من أجل وضع رؤية متكاملة واستراتيجية في ضوء النقلات المذهلة التي تمت، للخروج من الأزمة الاقتصادية والأزمة الأمنية فثم نحن في حاجة إلي مشروع قومي للأمة يضع الأولويات، ويحدد البدايات والنهايات، ينصهر فيه المصريون جميعا وبشكل ديمقراطي يقدمون خبراتهم وطموحاتهم، لما يمكن أن نسميه مشروع الدولة المصرية في العشر سنوات القادمة علينا أن نقوي فينا الشعور بالمزيد من المسئولية ، والمزيد من توظيف الإمكانيات البشرية لكي نتمكن من استعادة روح البناء و مواصلة عزم التقدم. المنصب ليس مغنما أعلم أنك خططت لحياتك - علميا وعمليا- وتفرغت للعمل الأكاديمي كأستاذ للتاريخ بجامعة الأزهر، فلماذا أقدمت علي التحدي بقبول قيادة وزارة الثقافة في هذا الوقت الحرج جدا؟ - نعم منذ أن غادرت منصبي كرئيس لمجلس إدارة هيئة الكتاب ودار الكتب، منتصف العام الماضي، بدأت حياة جديدة أكاديميا واجتماعيا، وسعدت بهذا النمط الجديد من الحياة، ومن ثم لم يكن في حسباني أن أتقلد أي منصب، ولذلك فوجئت بمنصب وزير الثقافة، وكانت لحظة حرجة أيضا، فغلبت المصلحة العامة وأكبرت مصلحة الوطن علي مطامحي الذاتية، فالبلد في أمس الحاجة إلي كل المخلصين، وقبلت التحدي والمغامرة حتي لو كان لأيام قلائل، قبلت رغم حجم التحديات ورغم حجم المصاعب، المنصب ليس مغنما، لكن الوطن يحتاجني، ولابد من تلبية النداء منا جميعا، إنها مهمة وطنية في المقام الأعلي والأول، ففي سبيل تحقق التحول الديمقراطي الذي ننشده جميعا يهون كل شئ، وحتي ننتهي من إعداد الدستور وتتشكل مؤسسة الرئاسة، نكون قد قطعنا شوطا طويلا في استعادة الروح المصرية، واشتغال البرنامج المصري سياسيا وقانونيا، إنها مرحلة تستوجب التضحية من كل مصري فعلا. كمؤرخ.. لماذا يستعصي التحول الديمقراطي بهذه الصعوبة في بلد عريق مثل مصر؟ - لم يحدث في التاريخ الإنساني أن ضغطت دولة أو ثورة علي زر ماكينة فيتحول المجتمع إلي مجتمع ديمقراطي أو شمولي ، كل الدول مرت بهذه المرحلة التي نعيشها ، غير أن الحالة المصرية مختلفة نسبيا، فالمصريون تعرضوا لظلم كبير بتغييب العدل والدستور والقانون ، وطغيان التهميش، فكانت حالة الغضب هادرة، وحالة الاحتقان عالية لذا طالت الفترة، لكنها في طريقها إلي الهدوء المعهود في الشخصية المصرية. إن الثورات يصنعها المناضلون الشرفاء، ويسئ إليها الفاسدون الذين يلقون التهم جزافا يمينا ويسارا دون وعي ومسئولية تجاه الشرفاء في هذا الوطن، والحراك الذي يشهده المجتمع الآن، هو أمر طبيعي في مثل هذا الظرف، أن تحدث مثل هذه الظواهر، ليتاح للمجتمع الذي عاني فترة طويلة من القهر والكبت وفقدان الحرية أن يتنفس، والذين يتحركون ونراهم لأول مرة كانوا تحت الأرض عمرا طويلا، الآن لا حدود ولا أسقف، واستمرار حالة السيولة ظاهرة صحية من ناحية المبدأ، لكن علي الجانب الآخر لابد من إعادة صياغة للقوانين واللوائح التي تحدد سلوك الناس. كلنا وزير ثقافة الرؤية من الداخل تحتاج جهدا مضاعفا لتشكيل الوزارة بما يتناسب مع الراهن بكل مساراته؟ - كل قطاع في الوزارة يقف عليه مسئول، وهم مسئولون يتمتعون بخبرات عالية، وكل يتحمل مسئوليته ويؤدي دوره، وسيكون له كل الصلاحيات الإدارية، ودور الوزير هنا يضع سياسات وأفكارا تربط المؤسسات ببعضها البعض بالآراء والأفكار، كل رئيس قطاع هو وزير ثقافة، وسوف أنتهج سياسة اللامركزية، وستنتهي القبضة الحديدية علي قطاعات الوزارة، ولن أحد من صلاحيات المسئولين مادام ذلك في صالح النهوض بالعمل وفي إطار المصلحة العامة. كيف ستواجه التحديات الداخلية والخارجية وهي ناشبة أظافرها؟ -التحديات مرتبطة بحالة الغضب المتمثلة في الاعتصامات، شأنها شأن قطاعات عريضة في المجتمع، نتيجة الافتقاد الي العدل والمساواة، وسأقوم فورا بمراجعة هذه الأمور ، وهناك تحديات اقتصادية داخل الوزارة، فموظفو وزارة الثقافة هم أقل العاملين في الدولة من ناحية المرتبات نظرا للكثافة العددية، سأعيد النظر في الموازنة خاصة البند المتعلق بالرواتب، لدينا عمالة كثيرة جدا، ولابد من تحسين الأوضاع الاقتصادية لهم، في إطار إعادة الهيكلة ووضع الأولويات، بما فيها الحد الأقصي والحد الأدني، بشكل جيد. الأولوية لهذه الملفات لديكم ملفات لا تقبل التأجيل، وتحتاج الرؤية المحيطة والفعل الثوري والقرار الفوري؟ - أعلم أنني أتولي الوزارة في مرحلة دقيقة، وصعبة، ومحدودة، ومؤقتة، لكني أدعو جميع العاملين في وزارة الثقافة، وخارجها أيضا، إلي ضرورة استشعار المسئولية وتقدير مدي خطورتها في هذه الآونة الحرجة التي تشهدها بلادنا، وأن تجاوز بقدر المستطاع ما مضي، وأن نهدأ لنتمكن من التفكير الجاد، وبالتالي نضع خطتنا الثقافية لنواصل ما انقطع خلال الأعوام الماضية، هناك أولويات ينبغي التعامل معها كملفات غير قابلة للتأجيل، وعلي رأسها مشكلة أكاديمية الفنون التي طالت واتسعت ولابد لها من حل فهي صرح ثقافي وفني ضخم ومؤثر، وهناك دعم قصور الثقافة الممتدة في كل أنحاء الجمهورية، وهي بمثابة الشرايين الثقافية الشعبية التي تشكل قضية هامة تهم كل الناس. حماية المفكرين والمبدعين..أرق لا يتوقف للكثيرين من الأدباء والفنانين، وقلق عميق في النفوس وأمل يراود كل صاحب قلم ورؤية وإبداع.. فماذا أنتم فاعلون؟ - نحن ندعم حرية التعبير والفكر والإبداع، لكي يتحدث المثقفون بكل حرية، ويبدع المبدعون دون أن يشعروا أن هناك سيوفا مسلطة علي رقابهم، وهنا يتعاظم دور وزارة الثقافة، وهو دور استراتيجي ضمن ثوابت عريقة لا يمكن أن نحيد عنها، في دعم الحرية الفكرية، فالدعم والمؤازرة والمساندة كلها لا تتوقف ولن نتوقف عن ممارستها، فلا نريد للمبدع أن يمارس برنامجه الثقافي وهو يشعر بالاختناق والاحتقان فالمجتمع هو الذي يفرز ويقيم ويحكم. لا.. لحظيرة المثقفين حظيرة المثقفين.. تعبير مؤلم ألقي بظلال كثيفة غير كريمة علي حملة مصابيح التنوير ومشاعل الثقافة ؟ - لا يوجد شئ اسمه حظيرة المثقفين، فالمثقفون أحرار في مواقفهم وأفكارهم، ولن يستطيع أحد أن يفرض عليهم مالا يقبلونه، أو أن يملي عليهم مالا يريدونه، فإن دور المثقف يتضاعف بقدر نبوغه وعبقريته، وهو دور يؤثر كثيرا في المجتمع، وكل مثقف لديه مشروعه الخاص، والوزارة عليها أن تهيئ المناخ للانتاج الثقافي، وتجعل المثقف أكثر رغبة في التواصل مع المجتمع، فالمثقفون يمدون المجتمع بالمعرفة والوعي والثقافة بكل مستوياتها، وبالتالي يصبح من الضرورة تدعيم المبدعين اجتماعيا وأدبيا. كيف تري صوت المثقفين بجانب صخب صوت السياسيين، في ضوء مقولة المثقف هو الأطول عمرا والأكثر تأثيرا، وأنك إذا أردت نشر فكرة أو تأكيد مبدأ أو تثبيت معتقد فلن تجد مثل الآداب والفنون وسيلة فعالة؟ - ثورة 52 يناير كانت هادرة ولا تزال، وقد أصابت الجميع بالشحن والتفاعل، وفي النهاية فإن المجتمع يعيد تأهيل وترتيب أولوياته وقراءة واقعه الاجتماعي من جديد، والمثقفون هم جزء فعال من هذا المجتمع ، بعضهمم يحتاج وقتا للتأمل والتفكير العميق، وبعضهم في حالة انتاجه الثقافي، وبعضهم يطرح رؤيته بشكل أو بآخر، وكلنا نبذل الجهد لأن ينطلق المجتمع بالثقافة فهي الرائد وهي الشمعة التي تضئ والمصباح الذي لا ينطفئ أبدا خاصة في الأزمات، والأمل في صوت الثقافة والمثقفين خاصة في المرحلة القادمة التي تحتاج الي التنوير أكثر من ذي قبل. وسوف أستثمر علاقتي بجميع المثقفين والمبدعين سواء داخل الوزارة أو خارجها، وهي علاقة قوية ومتميزة، وطوال عمري لم أكن غريبا عنهم جميعا، وأنا ومكتبي مفتوحان لجميع المثقفين علي مختلف أطيافهم وشرائحهم واتجاهاتهم. من الحرم الجامعي من الملاحظ أن معظم الوزراء منذ اشتعال الثورة هم من أساتذة الجامعة في الكثير من التخصصات؟ - الجامعة في العلم هي المختبر والمعمل الرئيسي الذي يفرخ الأفكار والمشروعات التي تهم الإنسان والمجتمع، وهي المصنع الذي يطور كل الجوانب، وهي المؤسسة التي تضخ الأفكار والخبرات والمهارات، وبقدر ما هي مرتبطة بالمجتمع بالمشاريع البحثية بقدر ما تنجح التنمية، وبقدر ما تنكفئ علي نفسها بقدر ما تنعزل، وما تلاحظه يمثل إضافة للوعي السياسي، واضافة للوعي الاجتماعي، وحين ينفتح الأستاذ الجامعي علي مجتمعه عندنا ينفتح ولديه قدر من الرؤية في الآداء وقدر من الخيال الخلاق للنظر الي المستقبل، إنها ظاهرة جديدة ومفيدة في كل الأحوال أن تخرج الأفكار الكبيرة من الحرم الجامعي لتتفاعل مع المجتمع بحاضره ومستقبله، وسوف نري انعكاس ذلك في المستقبل المنظور. من الأهمية بمكان أن يخرج الأكاديميون من صومعتِهم، وأن يدلوا بدلوهم في قضايا الأمة، كل بحكم خبرته وتجربته، ولا يظل الأكاديميون منعزلين عن مجتمعهم؛ اكتفاءً بأنهم يؤدون دورهم في قاعات البحث والدراسة، فهو قول لم يعد مناسبا في وقت أصبحت الجامعات ومراكز البحث العلمي وسيلتَين لتقديم الحلول المعقدة للمجتمعات الكبيرة، أعتقد أن الأكاديميين لديهم الكثير مما يمكن أن يطور المجتمع، شريطة أن يتفاعلوا مع قضايا مجتمعهم، وأن تكون حلولهم ومقترحاتهم بمثابة رؤي مؤسسية، نابعة من المؤسسات الأكاديمية عبر حوارات ديمقراطية، يُراعي فيها إعمال الديمقراطية في الحوار، وخصوصا في القضايا ذات الطابع القومي والوطني كيف يمكن مثلاً أنْ توضع برامج للنهوض بالتعليم بعيدا عن الجامعات، وكيف يمكن مناقشة قضايا ثقافية بمعزل عن المعنيّين بالثقافة؟! لا يزال مجتمعنا المصري والعربي في حاجة إلي رأي أهل الخبرة بمعناها الأكاديمي والعملي.