من المعلوم والمستقر دستوريا ان سلطات الدولة ثلاث، تشريعية وتنفيذية وقضائية، وان للسلطة الاولي اختصاصين اصيلين، احدهما تشريعي والاخر رقابي، والاختصاص الأول يعني باختصار سن القوانين التي تنظم الحياة العامة للشعب. وتقر الحقوق والواجبات، وتحافظ علي كيان الوطن وقيمه ومعتقداته وأمنه واستقراره، وتحقق آماله وطموحاته، أما الاختصاص الثاني فيعني رقابة البرلمان لأعمال السلطة التنفيذية، في اطار آلية محددة بمقتضي الدستور والقانون.. كما ان السلطة التنفيذية منوط بها تنفيذ القوانين وتعظيم الموارد ووضع وتنفيذ خطط التنمية والاضطلاع بمهام العمل الحكومي التي تلبي احتياجات المواطنين وتحقق رخاء وتقدم المجتمع في اطار السياسة العامة التي تنتهجها الدولة علي جميع المحاور وتباشر السلطة التنفيذية هذا الاختصاص الدستوري بما يصدر عنها من لوائح وقرارات ادارية. وقد ارست كل دساتير العالم مبدأ الفصل بين السلطات حتي لا تجور سلطة علي اخري أو تنتقص من اختصاصها، فيختل التوازن المفروض بين الحقوق والواجبات ويؤدي الي الاضطراب المجتمعي الذي يؤدي حتما إلي انهيار الدولة. إلا ان الملاحظ خلال تلك المرحلة المضطربة التي تمر بها مصرنا الغالية، ان جماعة الاخوان المسلمين، بعد ظهورها السياسي المشروع، وحصولها علي الاغلبية البرلمانية جنحت الي تعليق اخفاقها في الاصلاح الذي كان مأمولا منها، علي زعم يفتقر الي الموضوعية، وهو عدم سيطرتها علي الاجهزة الحكومية التي تعمل مباشرة لخدمة المواطنين، وانزلقت بعد ذلك الي ممارسات برلمانية تهدر المبدأ الدستوري بالفصل بين السلطات، وتنتزع لنفسها اختصاص السلطات الاخري، بشكل بات يثير حفيظة كل المهتمين بالشأن العام. واخطر ما في الموضوع، ان تتصدي لأمور ليست في اختصاصها وتصادر قوانين بشأنها، بالرغم من كونها امورا تنفيذية يتم التصرف فيها بقرارات ادارية.. ومن امثلة تلك الممارسات ذلك القانون الذي اصدره مجلس الشعب في اولي جلسات انعقاده، برفع تعويضات الشهداء والمصابين وهو اجراء يدخل في صلاحيات رئيس مجلس الوزراء، وإلا وجبت مساءلته عما سبق صرفه، ثم ما اثير بالمجلس بشأن محاكمة الرئيس السابق، وهو تدخل مرفوض في اعمال السلطة القضائية، ثم القوانين الجاري مناقشتها بشأن امتحانات الثانوية العامة أو اعادة هيكلة بعض المؤسسات التنفيذية الاخري وكلها امور تدخل في صميم اختصاص السلطة التنفيذية، ويبقي للبرلمان مراقبة وتقييم الاداء والنتائج واصدار التوصيات بشأنها. اتمني من كل القوي السياسية أن تنتبه لذلك، وأن تضع نصب أعينها مصلحة مصر واستقرارها، دون أي اعتبارات اخري.