تكمن الأزمة الحقيقية التي صنعها الاسلام السياسي في أنه فصَّل التعديلات الدستورية تفصيلا وهلهلها هلهلة! لكي يضع دستورا علي مقاسه لا علي مقاس الأمة وبعد أن استطاع بأمواله وخطابه المسطح أن يجتذب أصوات الكتلة الصامتة من الشعب المصري لتدفع به الي البرلمان. ثم قفز مباشرة الي هدفه الاساسي وهو تشكيل لجنة تأسيسية لوضع مشروع الدستور المصري الذي يشكل واسطة العقد أو جوهرة التاج او النتاج القانوني للثورة المصرية بمعني ان جماعة الاسلام السياسي منذ البداية كانوا يهدفون الي القفز مباشرة علي لجنة الدستور، الذي كان من المفترض ان يكون نتاجا للثورة المصرية وأن يصيغ مرحلة مابعد الثورة، اي ان يحسن الانتقال من حالة الثورة الي وضع الدولة. وقد ظن هؤلاء القوم ان باستطاعتهم خداع الملايين التي صنعت الثورة بأجسادها ودمائها، لكن خاب سعيهم وذلك نتيجة لانسحاب القوي الوطنية من هذه اللجنة. اولا وثانيا نتيجة للحكم القانوني الذي قضي بعدم دستورية هذه اللجنة، وذلك يضع ختاما لكل الألاعيب السياسية التي مارسوها، ابتداء من لجنة المستشار طارق البشري، والمحامي صبحي صالح وصولا الي لجنة الكتاتني. ولايوجد مخرج من هذا المأزق الا بأن يستقيل مجلس الشعب، وان يقدم رموز الاسلام السياسي اعتذارا لجميع القوي الوطنية المصرية علي ما أهدروه من وقت الوطن ولنأخذ في اعتبارنا ان تكلفة الفترة الانتقالية تقدر بالمليارات وليست بالملايين فالخسائر التي اصابت السياحة، والاضطراب الذي اصاب البورصة، والجمود الذي اصاب الجهاز الاداري للدولة. كل ذلك ترتب عليه خسائر للاقتصاد القومي المصري بسبب رعونة وقلة خبرة من اعتقدوا انهم يستطيعون جني ثمار الثورة وحدهم. عليهم اذن الاعتذار والاستقالة من المجلس حتي يعفو الوطن من صدام أهلي متوقع لو أن المجلس العسكري بادر بحل المجلس او تعطيل للحياة السياسية والاقتصادية في مصر، وتبديد للفترة الانتقالية، بما تحمله من آثار سلبية علي الاقتصاد بالخطأ. ليس من فضائل هذا التيار فإنهم طلعوا علينا برأي جديد وهو استقالة حكومة الدكتور الجنزوري لكي ننشغل في معركة وهمية، وقد رفض مجلس الشعب بيان الحكومة، وصرح د. الكتاتني رئيس المجلس بأنه اذا لم يكن من حق المجلس سحب الثقة طبقا للاعلان الدستوري فإنه من التقاليد البرلمانية ان تستقيل الحكومة اذا مارفض المجلس بيانها، وزاد د. الكتاتني علي ذلك بأن الدكتور الجنزوري قد صرح بأن الطعن علي عدم دستورية مجلس الشعب موجود في ال »درج« ومن الممكن تحريكه، وفي هذا التصريح ما فيه من تشكيك في نزاهة المحكمة الدستورية. كما صرح الدكتور الجنزوري لكي يكذب د. الكتاتني »بين حانة ومانة ضاعت لحانة« كما يقول أهل الشام، فنحن الآن يصدد ان نشهد معركة مفتعلة لايريدها احد فهي لاتشبع أحدا ولاتحفظ أمنا وأنما تطيل الفترة الانتقالية التي طال عبئها، ذلك تعقيد سياسي يضعنا في قلب أزمة طاحنة لامخرج منها إلا بأن يستقيل مجلس الشعب طواعية حتي يجنب البلاد شر مزيد من الالاعيب السياسية التي تهدر وقت الوطن وتضعنا علي شفا صدام أهلي كأنما عز عليهم ان يحدث التحول الديمقراطي في مصر بألف شهيد فقط فأرادوا ان يصبوا الزيت علي النار وان يلقوا بنا الي التهلكة. ذلك مايجعلنا نطالب هؤلاء القوم بأن يكونوا علي مستوي المسئولية التاريخية لأن يضعوا في اعتبارهم أن الشعب الذي تعاطف معهم قادر ان يسحب هذا التفويض، وان الشعب الذي عزل مبارك وأعوانه ووضعهم في السجون قادر ايضا علي ان يعزل وان يحاسب، وان الشرف الوطني يلزم كل فصائل الحركة الوطنية ان تعود الي الصواب وان تنصرف عن جني الغنائم حتي تكفي الوطن صداما اهليا يحمل البلاء المستطير. لقد تشكلت الجبهة الوطنية يوم 25 يناير في الميدان والتفت حول شعار واحد هو اسقاط النظام السياسي، لكن سريعا ما تفككت هذه الجبهة لكي يتم تشكيل تيارين اساسيين، الأول هو تيار الحريات بكل اطيافه السياسية التي تسعي لوضع وترجمة شعارات ثورة يناير إلي بيئة سياسية وإدارية تحقق الحريات التي سوف تضع مصر علي خارطة العصر الحديث وتيار آخر يرفع شعارات الفاشية التي لا تعترف بالديمقراطية والتي تسعي إلي فرض وصاية علي الشعب المصري. ولو نجح هذا التيار في الاستحواذ علي السلطة رافعا راياته المقدسة فإننا نكون قد انتقلنا من استبداد مدني بشع اهلك البلاد والعباد إلي استبداد فاشي يرفع شعارات تتمسح في رداء الدين مما يضيف تعقيدا إلي الواقع المصري، فإذا كانت المعارضة لنظام مبارك أو الثورة عليه تمت في إطار وطني، فإن أي معارضة للفاشية الدينية سوف تضعنا علي محور الكفر والايمان وذلك منحني شديد الخطورة في مسيرة الشعب المصري. ان التعثر في تفعيل برنامج الثورة ومحاولة استهلاك الوقت في مناورات سياسية ضيقة امر له مداه الزمني لان الطبقات التي ثارت علي الاستبداد لن تسمح بتأجيل التغيرات السياسية لتحقيق أهداف الثورة، ولن تسمح بالتباطؤ في ايجاد حلول للمشاكل التي تفاقمت في صورة بطالة اكلت مستقبل الشباب المصري وصورة غلاء معيشة استهلك مداخيل الطبقة الوسطي وصورة ضياع يزحف علي الطبقات الشعبية. ليس لدينا ترف اهدار الوقت وكل من يحاول تأجيل الحسم السياسي في مصر سوف يجعل نفسه عرضة للمساءلة أمام ثورة اشتعلت ولا تزال تبحث عن مسارها التاريخي.