الاساس في الثورات هو تغيير في شكل الملكية، بمعني انه في الفترة السابقة قد انتقلت ملكية الوطن ومصادر الثروة التي فيه إلي شريحة فاسدة من شرائح المجتمع خصت نفسها باقامة سياج سياسي فاسد، فالثورة عندما قامت كان الهدف والغاية منها هو استعادة ملكية الوطن وتوزيع هذه الملكية علي طبقات المجتمع بشكل عادل وهذا امر لا يمكن ان يتحقق إلا في اعلي اشكال الديمقراطية والحريات السياسية التي تضمن حوارا مجتمعيا صحيحا وغير معيب،، واي محاولة لعرقلة مناخ الحريات تحمل في طياتها حماية لهيكل النظام السابق الذي لا يزال قائما رغم سقوط رأسه ومهمة تغيير هذا الشكل لا يمكن ان تتحقق إلا عبر مؤسسات ديمقراطية يبنيها الشعب. لكن بناء هذه المؤسسات يتعرض لعقبات وعراقيل توضع في طريقه ولا يمكن ان نقبل ان هذه العقبات وضعت بالصدفة أو بحسن النوايا. تلك مقدمة تعطينا مدخلا لفهم التعقيدات السياسية التي تحدث علي سطح المجتمع المصري في هذه الفترة الفارقة من حياته. فابتداء من الاستفتاء الموجه علي دستور ساقط وهو ما تبعه اعلان دستوري صادر عن المجلس العسكري مرورا باعادة تفصيل الدوائر الانتخابية بشكل لا يصلح إلا لمقاس القوي السلفية والتيار الاسلامي وفلول الحزب الوطني، وذلك ما يعيدنا إلي المشهد الذي تم فيه تفصيل دستوري جعل من جمال مبارك مرشحا واحدا لمنصب رئاسة الجمهورية. ها هنا ايضا تفصيل متعمد لكي تكون الانتخابات علي مقاس كل القوي المعادية للحريات والتي لا تؤمن بالديمقراطية والتي سوف تنتج بالضرورة دستورا مقيدا للحريات حاميا للقتامة السياسية التي هي نقيض الشفافية. ذلك ما يوحد مصالح فلول الحزب الوطني المنحل الذي فسد وافسد البلاد والعباد ونهب الثروة العامة كي يضعها في جيوب الحمقي والسفهاء مع مصالح القوي الفاشية التي تتستر بعباءة الدين لكي تمارس خداعها السياسي لطبقات المجتمع المصري الذي استبعد طويلا عن المشاركة في العمل السياسي، مما جعله فريسة سهلة لكل القوي الفاشية التي تردد شعارات دينية براقة. وهنا لابد من وقفة نقول فيها ان كل الممارسات السابقة لتوجيه التاريخ كي يسير في مسار عكس المسار الذي يطالب به جماهير الشعب المصري قد باءت تلك المحاولة بالفشل ، فلماذا يا تري نكرر اخطاءنا بكل ما يقتضيه هذا التكرار من تكلفة بشرية واقتصادية، ان اي عبث بقضية الحريات لا يمكن ارجاعها للصدف بل هي محاولة مقصودة، الغاية منها تمكين القوي غير الديمقراطية من الوصول إلي سدة الحكم.. ووضع عقد اجتماعي لا يلبي مطالب الشعب بل انه يفرغ الثورة من مضمونها لصالح قوي استبدادية اخري. ذلك منحني خطير من شأنه ان يقود البلاد إلي صدام اخر لان مطلب الحريات العامة صار مطلبا اساسيا لكل القوي الليبرالية، ليس من قبيل المظهر الحضاري فقط ولكنه ضرورة حياة بدونها لا تتوفر تنمية اقتصادية صحيحة، او اقامة عدالة اجتماعية حقيقية. ان ما نشهده علي الساحة المصرية من تكتل القوي المعادية للديمقراطية ومن انحياز في القرارات السياسية لخدمة وتمكين هذه القوي لا غاية له إلا اطالة امد الاضطراب وعدم الاستقرار السياسي في مصر التي نهبت ثرواتها لكي توضع في جيوب الحمقي وتفشت فيها ظاهرة التوريث التي وصلت إلي مجال القضاء وإلي الجامعات المصرية التي كانت عريقة ثم فقدت مكانتها حينما اصبح توريث الابناء مناصب الاباء ظاهرة ملفتة. هذا التوريث قد شق طريقه إلي قطاعات اخري في المجتمع فوصل إلي وزارات ومؤسسات لم تعرف التوريث في تاريخها، بل ان المضحك المبكي هذه الايام هو ما يصدر عن فئة المعلمين من مطالب استثناء ابنائهم من شرط المجموع عند الالتحاق بالمدارس والجامعات!! كل طائفة في المجتمع المصري تحاول ان تبتز المرحلة الانتقالية لتحصل منها علي مكاسب تهدم فكرة المواطنة وتهدم فكرة تكافؤ الفرص بين فئات الشعب وتلك ظاهرة تنتمي إلي العصور الوسطي، ولا علاقة لها بالزمن الرأسمالي الذي نعيش فيه والذي نريد ان نلتحق به منتجين شرفاء وليس افاقين نصابين أو لصوصا. ان الافكار التي تنتمي للعصور الوسطي والتي تريد ان تخرجنا من مناخ الحريات كي تعيدنا إلي مناخ السمع والطاعة، بدأت تلقي دعما سياسيا من فوقها ومن تحتها وعن يمينها وعن شمالها تمثل في مجموعة من المراسيم التي تعيد تقسيم الدوائر بما يضمن لهذه القوي من السيطرة علي مقاليد السياسة، وبدأت تلقي دعما فئويا من فئات المجتمع التي تطالب بامتيازات مالية ووظيفية ولا مخرج لنا من كل ذلك إلا باسترداد روح ثورة 52 يناير التي تطالب بتطبيق وتأكيد فكرة المواطنة وتكافوء الفرص والمساواة امام القانون وذلك ما يحددد طبيعة الصراع في المجتمع المصري بين قوي تدافع عن الاستبداد وقوي تطالب بالحرية. اكرر في الوقت الحالي علينا ان نعترف وان نتذكر دائما ان الحكومة الانتقالية هي حكومة مؤقتة لاداء مهام محددة بالاشتراك مع المجلس العسكري ولا يجب ان تتخلي أو تتجاوز مهام المرحلة الانتقالية التي نتطلع جميعا إلي الانتهاء منها بسرعة، وذلك بطرح برنامج زمني مقترح للفترة الانتقالية يناقش مع الاحزاب والتيارات والحركات السياسية ثم يصدر القرار بالبرنامج الزمني حتي تنتهي الفترة الانتقالية بالتوافق بين الجميع ووضع حد ادني وحد اقصي للاجور مع عدم إغفال أو اهمال للاقتصاد في المرحلة الانتقالية وإتاحة الفرصة لتحقيق حياد الاعلام لتعميق الديمقراطية وعرض كل آراء المؤيدين والمعارضين، فالجميع مصريون واطلاق حرية الاعلام وتداول المعلومات وتفعيل قانون الغدر علي كل من افسد الحياة السياسية سواء كان من الحزب الوطني المنحل أو من اي تيارات سياسية اخري، وادخال تعديلات جوهرية علي قانون الطواريء بما يلائم هذه الفترة وتطهير جميع المؤسسات من دعائم النظام الفاسد السابق وتعديل قانون الانتخابات البرلمانية وانهاء المحاكمات العسكرية للمدنيين وسرعة اعادة الاموال المنهوبة لدعم الاقتصاد. إلي جانب كل هذا دعوة المواطنين للتكاتف للحفاظ علي استقرار البلاد وتحمل المسئولية كل في موقعه وحماية الثورة والحفاظ علي سلميتها حتي تنتهي هذه الفترة الانتقالية دون تأخير اكثر من ذلك دون ضحايا أو دون خسائر تفوق طاقاتنا.