تلقيت منذ أيام نبأ أسعدني كثيراً وسط طوفان الأخبار التعيسة التي تلاحقنا من كل حدب وصوب، حتي أنني أخذت أنتظر مجيء، اليوم، لأكون أحد شهود هذه اللحظة التي تحتفل فيها الجمعية المصرية للأدب المقارن، ومركز اللغات الأجنبية والترجمة بجامعة القاهرة بتكريم شيخي الكاتب المسرحي، والمترجم الفذ، وأستاذ الأدب الإنجليزي الذي لا يشق له غبار، الدكتور محمد محمد عناني، في الجلسة الإفتتاحية لمؤتمر "صورة مصر في الأدب العالمي"، الذي يستهل أعماله صباح اليوم وتستمر جلساته حتي مساء الغد. وعلي الرغم من أنني من المؤمنين بأن الإفراط في التكريم كاد يبدد قيمته، إلا أنني أشهد بأن تفكير الدكتور أحمد عتمان، أستاذ الكلاسيكيات المعروف، صاحب الباع الطويل في مجال الترجمة، في تكريم الدكتور عناني في هذا المؤتمر، الذي يرأسه، أمر موفق إلي حد بعيد، فالدكتور عناني صاحب مدرسة في مجال الترجمة تعتمد علي كفاءة المترجم وامتلاكه ناصية اللغتين؛ المنقول منها والمنقول إليها، وقد دلل هو علي ذلك بتمكنه من العربية وقدرته علي الغوص في أعماقها، ومعايشة تراثها القديم، وأدبها الحديث، بنفس القدرة التي يتعامل بها مع اللغة الإنجليزية وآدابها الكلاسيكية والمعاصرة. من هنا تفهمت البواعث التي دفعته إلي بذل جهد جديد في ترجمة أعمال شهيرة لشكسبير سبق تعريبها مثل: "حلم ليلة صيف"، و"تاجر البندقية"، و"روميو وجوليت"، و"ريتشارد الثاني"، و"الملك لير"، و"هنري الثامن"، و"يوليوس قيصر" وغيرها، فقد اختلف عناني مع الترجمات السابقة، وأراد أن يقدم هذه النصوص الخالدة في الأدب الإنجليزي إلي قاريءالعربية من خلال ذائقته الرفيعة. هذا فضلاً عن الجهد الكبير الذي بذله في ترجمة "الفردوس المفقود" ملحمة جون مالتون الشهيرة، ولأنه أستاذ حقيقي لم يبخل عناني علي الشباب بأسرار خبرته في هذا المجال فأصدر لهم: كتاب "الترجمة الأدبية بين النظرية والتطبيق"، وكتاب "فن الترجمة" يتضمنان منهجه في هذا المجال الذي قدم فيه الكثير مما أهله إلي رئاسة تحرير سلسلة "الأدب العربي المعاصر" التي أسهمت في فتح نافذة يطل منها أدبنا الحديث علي قارئ الإنجليزية. تعرفت إلي الدكتور عناني من خلال مطالعة مقالاته في مجلة "المسرح" في أوج ازدهارها عندما كان الدكتور رشاد رشدي يرأس تحريرها، ومن خلالها تعرفت أيضاً علي هذه الأسماء: سمير سرحان، فاروق عبدالوهاب، عبدالعزيز حمودة، وغيرها من الأسماء التي لمعت في سماء الأدب المسرحي والنقد في الثلث الاخير من القرن الماضي. واقتربت منه في مجالس رشاد رشدي، ومن خلال محاضراته لطلاب أكاديمية الفنون، وقد أسعدت كثيراً بجلوسه علي كرسي أستاذه رشاد رشدي في قسم اللغة الإنجليزية وآدابها بجامعة القاهرة العريقة فهو أهل لذلك، ولأن يرأس تحرير مجلة مهمة مثل"سطور"، في نفس الوقت الذي يشرف فيه علي عشرات وعشرات الرسائل لنيل درجتي الماجستير والدكتوراة في مجال الأدب الإنجليزي، و لا ينقطع عن إبداعه المسرحي فيكتب: "ميت حلاوة"، و"السجين والسجان"، و"البر الغربي"، و"المجاذيب"، و"الغربان"، و"جاسوس في قصر السلطان"، و"رحلة التنوير"، و"ليلة الذهب"،و"الدرويش والغازية"، وغيرها. كما يمتعنا بكتبه المهمة مثل: "النقد التحليلي"، و"فن الكوميديا"، و"الأدب وفنونه"، و"المسرح والشعر"، و"فن الأدب والحياة"، و"التيارات المعاصرة في الثقافة العربية"، و"قضايا الأدب الحديث"، و"المصطلحات الأدبية الحديثة". وقد ذكر لي الصديق الدكتور محمد عثمان الخشت، مدير مركز اللغات الأجنبية والترجمة بجامعة القاهرة، وأمين عام المؤتمر، أنه سيكرم أيضاً شخصيات مثل الدكتور زين العابدين أبو خضرة، العميد السابق لكلية الآداب، وتشهد جلسته الافتتاحية كلمة ممثل الجمعية التونسية للأدب المقارن، وأشار الي أن المؤتمر يستهدف إلقاء الضوء علي صورة مصر في المؤلفات والكتابات الأدبية العالمية عبر الأحداث التاريخية والتجارب الذاتية لأدباء وكتاب ومفكرين من مختلف أنحاء العالم، مع تحليل صورة مصر والمصريين في أذهانهم من خلال أعمالهم الأدبية وإبداعاتهم الفكرية.