ياسر رزق الأسابيع القليلة القادمة لا تگفي لإقرار دستور أو حتي سلقه.. لذا فالعودة مؤقتا إلي دستور 71 وتعديلاته هو الإجراء الأسلم للجميع انتخابات الرئاسة ستجري في موعدها.. والمسئول عنها.. هو اللجنة القضائية العليا ولا يملك المجلس العسكري إرجاءها أو تعليقها ثمة أعراض تصيب الأفراد والجماعات عند اقتراب نهاية أزمة أو انفراجها، هي الحنين إلي أجواء الأزمة وصخبها، وإلي المشاعر الملتهبة التي صاحبت لحظة انفجارها، والميل الي استعذاب المعاناة والآلام التي تولدت في ذروة تعقدها واستفحالها. بعض القوي السياسية في بلدنا تراودهم هذه الأعراض الآن. فلا هم يريدون البقاء في أسر الأزمة، ولا هم يقدرون علي فراقها! نحن الآن بصدد نهاية أزمة حكم، بدأت منذ إقصاء الرئيس السابق عن السلطة. غير أن الذين كانوا يتوقون إلي النهايات، باتوا يشتاقون إلي البدايات. فتجدهم حين لاحت لهم أضواء المرفأ أنكروها، وحين اقتربوا من الشطآن التفتوا إلي عرض البحر، وحين هدأت الرياح ظلوا يترقبون عواصف لا أمارات لها ولا دليل عليها إلا بعض الظن! بعد سبعين يوما من الآن، تنتهي الفترة الانتقالية بالشكل الذي نعرفه، ويسلم المجلس الأعلي للقوات المسلحة الحكم إلي سلطة مدنية منتخبة يرتضيها الشعب، ممثلة في رئيس الجمهورية. وبرغم ذلك، هناك من يشكك في النوايا والقصد، ويكاد يقسم بأن المجلس العسكري لن يُسلم السلطة، وأنه يريد البقاء في الحكم، وكأن السلطة مغنم للجيش والحكم متعة! وعندما دعا المشير حسين طنطاوي في اجتماعه الأخير برؤساء الأحزاب وقيادات القوي السياسية الممثلة في البرلمان إلي وضع الدستور قبل إجراء انتخابات الرئاسة، تلقف البعض هذه الدعوة مبرهنا بها علي صدق ظنونه بأن الانتخابات الرئاسية سوف ترجأ لحين الاستفتاء علي الدستور، ومن ثم فإن الجيش -حسب رأيهم- سيبقي في السلطة عاما آخر لحين الانتهاء من كتابة الدستور، ثم ينظر بعد ذلك في أمر انتخاب الرئيس! واقع الأمر ان الانتخابات الرئاسية ستجري في موعدها المحدد. التصويت للمصريين في الخارج يبدأ يوم 11 مايو ولمدة 7 أيام، والجولة الأولي داخل مصر ستجري يومي 23 و24 مايو، وستعلن النتيجة يوم 29 مايو. فإذا لم يحقق أحد من المرشحين الفوز بأغلبية تزيد علي نصف عدد الأصوات الصحيحة، ستجري انتخابات الإعادة للمصريين في الخارج يوم 3 يونيو ولمدة 7 أيام، وداخل مصر يومي 16 و17 يونيو، وتعلن النتيجة 21 يونيو. المسئول عن إجراء هذه الانتخابات من الألف إلي الياء هو اللجنة القضائية العليا للانتخابات الرئاسية، ولا شأن للمجلس الأعلي للقوات المسلحة بها من قريب أو بعيد ولا دخل له بمواعيدها، ولا يملك إرجاءها أو تعليقها. الذي كان يقصده المشير طنطاوي من دعوته لوضع الدستور قبل إجراء انتخابات الرئاسة، هو حث القوي السياسية علي التوافق من أجل تشكيل الجمعية التأسيسية وفق معايير لا تتناقض مع حكم القضاء الاداري الذي قضي ببطلانها، وعلي الإسراع بكتابة الدستور لتحديد صلاحيات المؤسسات الدستورية، ومنها صلاحيات الرئيس الجديد قبل انتخابه، ما دامت القوي السياسية -كما تقول- متفقة علي الأبواب الأربعة الأولي التي تشكل جوهر الدستور ومبادئه الرئيسية. وكان الهدف من هذه الدعوة ألا يترك المجلس الأعلي للقوات المسلحة السلطة دون أن يكمل تعهداته الثلاثة للشعب، وهي برلمان منتخب بإرادة الشعب، ودستور يعبر عن التوافق العام لكل فئاته، ورئيس جمهورية منتخب عبر عملية نزيهة وشفافة وديمقراطية. الواضح من مجريات الأمور أن الوقت لن يسعف، في الاتفاق علي معايير اختيار اعضاء الجمعية التأسيسية، وإعادة تشكيلها من جديد، ثم التوافق علي مواد الدستور وصياغتها بشكلها النهائي، فليس أمامنا سوي 81 يوما فقط قبل فتح باب التصويت علي انتخابات الرئاسة للمصريين بالخارج وشهر واحد قبل إجراء الجولة الأولي للانتخابات في الداخل. الفترة المتبقية لا تكفي لإقرار دستور حتي ولو كان سابق التجهيز، ولا تكفي لمجرد سلقه دون إنضاجه كما يجب. وإذا كان المجلس الأعلي للقوات المسلحة لا يريد البقاء في السلطة بعد يوم 03 يونيو المقبل، وإذا كان لا يريد ترك الحكم في البلاد بلا دستور في وجود رئيس وبرلمان لا توجد فواصل واضحة بين صلاحيات كل منهما، فالأرجح هو إحياء دستور 17 لفترة مؤقتة بعد إضافة التعديلات التسعة التي وافق عليها الشعب في استفتاء 91 مارس من العام الماضي، وربما يتطلب الأمر إجراء تعديلات أخري تقلص صلاحيات رئيس الجمهورية وتسمح للأغلبية البرلمانية بتشكيل الحكومة، وعلي أن يتم استفتاء الشعب علي هذه التعديلات، وقد يكون موعد الاستفتاء اذا استقر الرأي علي إجراء هذه التعديلات هو نفس موعد الجولة الأولي للانتخابات الرئاسية تيسيرا للإجراءات وترشيدا للنفقات. وفي تقديري أن العودة مؤقتا إلي دستور 17 مع إجراء تعديلات عليه، هو الإجراء الأسلم للجميع. فالشعب ستكون أمامه فرصة مفتوحة لإعداد دستور جديد دون تسرع أو لهوجة، يعبر فعلا عن توافق فئاته وطوائفه، دونما ضغوط لحظة أو تأثير من أجواء مؤقتة. وسلطات الدولة ستجد أساسا دستوريا مؤقتا ينظم صلاحياتها ومهامها ويضبط التوازن الضروري بينها، لحين الانتهاء من الدستور الجديد بعد عام أو أكثر. والمجلس الأعلي للقوات المسلحة لن يترك الحكم في غيبة دستور لاسيما أن الاعلان الدستوري الأول الذي صدر عنه يوم 31 فبراير عام 1102 بعد يومين من تنحية مبارك نص في مادته الأولي علي تعطيل العمل بدستور 1791 وليس إلغاء الدستور، فضلا عن أن الاستفتاء الشعبي الذي جري يوم 91 مارس 1102 كان ينص علي اجراء تعديلات علي دستور 17. إذن.. ففي حالة عدم التمكن من وضع الدستور الجديد في غضون الأسابيع القليلة المتبقية من المرحلة الانتقالية، وهو الأغلب في تقديري، فلا ضير من العودة إلي دستور 17 بتعديلاته كدستور مؤقت لحين الانتهاء من الدستور الجديد. نحن بالفعل نقترب من انتهاء أزمة المؤسسات الدستورية عبر عملية ديمقراطية نزيهة فقد أصبح لدينا برلمان منتخب جاء بإرادة الشعب نأمل منه أن يدلف سريعا من ضجيج البدايات الي مرحلة بناء الأساس التشريعي لتحقيق النهضة السياسية والاقتصادية، وأصبحنا علي وشك انتخاب رئيس جديد يتسلم الحكم قبل نهاية يونيو المقبل، ومع أعباء وهموم ينوء بحملها أي فرد مهما أوتي من قوة وعزم. لكن.. ماذا لو جاء حكم المحكمة الدستورية العليا ببطلان انتخاب مجلسي البرلمان، وماذا لو صدر الحكم قبل انتهاء المرحلة الانتقالية؟!. نسأل الله ألا يدخلنا في هذه التجربة!.