مصر بين جمهوريتى 23 يوليو و30 يونيو ورسائل الرئيس    تشكيل المصري - منذر طمين يقود الهجوم أمام النجم الساحلي وديا    حوار في الجول - تيدي أوكو يكشف أسباب فشل انتقاله إلى الزمالك.. وموقف الكشف الطبي    مؤشرات تنسيق الثانوية العامة 2025 علمي.. كليات ومعاهد تقبل مجموع 50% فقط في 2024    محمد الجالى: توجيهات الرئيس السيسي عن الطاقة استراتيجية للتحول لمركز إقليمى.. وتحقيق الاكتفاء الذاتي يرتبط ب"الأمن القومي"    وزير الخارجية والهجرة يسلم رسالة خطية من فخامة رئيس الجمهورية الى رئيس جمهورية النيجر    «أجبرتها على التراجع».. مروحية إيرانية تتصدى لمدمرة أمريكية في المياه الإقليمية    صلاح عبدالعاطي: إسرائيل تستخدم المفاوضات غطاءً لإطالة أمد الحرب وفرض ترتيبات قسرية    أوكرانيا وروسيا تستعدان لإجراء محادثات سلام في تركيا    حزب إرادة جيل يهنئ الرئيس السيسي والشعب المصري بذكرى ثورة 23 يوليو    البابا تواضروس يستقبل مجموعة خدام من كنيستنا في نيوكاسل    أرسنال يهزم ميلان في مباراة ودية بسنغافورة    علي معلول يوقع على عقود انضمامه إلى ناديه الجديد    الرابط المعتمد لنتيجة الثانوية الأزهرية 2025.. استعلم عبر بوابة الأزهر الشريف برقم الجلوس (فور ظهورها)    محمد رياض: نبحث عن تيارات فكرية جديدة في الكتابة المسرحية    "شفتشي" ثاني أغنيات الوش الثاني من "بيستهبل" ل أحمد سعد    خلال استقبال مساعد وزير الصحة.. محافظ أسوان: التأمين الشامل ساهم في تطوير الصروح الطبية    بالأسماء.. رئيس أمناء جامعة بنها الأهلية يُصدر 9 قرارات بتعيين قيادات جامعية جديدة    منهم برج الدلو والحوت.. الأبراج الأكثر حظًا في الحياة العاطفية في شهر أغسطس 2025    متحدث الوزراء يكشف السبب الرئيسي وراء تأجيل احتفالية افتتاح المتحف المصري الكبير    وزير الدفاع يكرم أصحاب الإنجازات الرياضية من أبناء القوات المسلحة (تفاصيل)    ماذا يحدث لجسمك عند تناول السلمون نيئًا؟    من الارتفاع إلى الهبوط.. قراءة في أداء سهم "بنيان" في ثاني يوم تداول بالبورصة    خادم الحرمين وولى العهد السعودى يهنئان الرئيس السيسى بذكرى ثورة 23 يوليو    القاهرة والرياض تبحثان مستجدات الأوضاع بالبحر الأحمر    بعد تراجع 408.. تعرف على أسعار جميع سيارات بيجو موديل 2026 بمصر    برلين تمهد الطريق أمام تصدير مقاتلات يوروفايتر لتركيا    حمدى رزق يكتب: الحبُ للحبيبِ الأوَّلِ    113 شهيدًا في قطاع غزة خلال 24 ساعة    محادثات اقتصادية وتجارية بين الصين والولايات المتحدة.. على أساس مبادئ الاحترام المتبادل    «اتصرف غلط».. نجم الأهلي السابق يعلق على أزمة وسام أبو علي ويختار أفضل بديل    فسخ العقود وإنذارات للمتأخرين.. ماذا يحدث في تقنين أراضي أملاك الدولة بقنا؟    خطة استثمارية ب100 مليون دولار.. «البترول» و«دانة غاز» تعلنان نتائج بئر «بيجونيا-2» بإنتاج 9 مليارات قدم    تحرير 7 محاضر لأصحاب أنشطة تجارية في حملة تموينية بالعاشر من رمضان    «فتحنا القبر 6 مرات في أسبوعين».. أهالي قرية دلجا بالمنيا يطالبون بتفسير وفاة أطفال «الأسرة المكلومة»    ب2.5 مليون.. افتتاح أعمال رفع كفاءة وحدة الأشعة بمستشفى فاقوس في الشرقية (تفاصيل)    لماذا لا ينخفض ضغط الدم رغم تناول العلاج؟.. 9 أسباب وراء تلك المشكلة    «ادهشيهم في الساحل الشرير».. حضري «الكشري» في حلة واحدة لغذاء مميز (المكونات والطريقة)    رضا البحراوي يمازح طلاب الثانوية العامة    "المطورين العقاريين" تطالب بحوار عاجل بشأن قرار إلغاء تخصيص الأراضي    طرح إعلان فيلم Giant لأمير المصري تمهيدا لعرضه عالميا    الأهلي يترقب انتعاش خزينته ب 5.5 مليون دولار خلال ساعات    محفظ قرآن بقنا يهدي طالبة ثانوية عامة رحلة عمرة    أمين الفتوى: الشبكة جزء من المهر والأصل أن تعود للخاطب عند فسخ الخطبة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : كم نتمنى ان نكون مثلكم ?!    فيريرا يركز على الجوانب الفنية في مران الزمالك الصباحي    تباين أداء مؤشرات البورصة في منتصف تعاملات اليوم    وفاة شخصين متأثرين بإصابتهما في حادث تصادم سيارتين بقنا    أسرة مريم الخامس أدبي تستقبل نتيجتها بالزغاريد في دمياط    الإفتاء توضح كيفية إتمام الصفوف في صلاة الجماعة    بالفيديو.. الأرصاد: موجة شديدة الحرارة تضرب البلاد حتى منتصف الأسبوع المقبل    "الأعلى للإعلام" يُوقف مها الصغير ويحيلها للنيابة بتهمة التعدي على الملكية الفكرية    الرئيس السيسي: هذا الوطن قادر بأبنائه على تجاوز التحديات والصعاب    البنك الزراعي المصري يبحث تعزيز التعاون مع اتحاد نقابات جنوب إفريقيا    رئيس الوزراء يتفقد موقع إنشاء المحطة النووية بالضبعة    دار الإفتاء المصرية توضح حكم تشريح جثة الميت    خلال فترة التدريب.. مندوب نقل أموال ينهب ماكينات ATM بشبرا الخيمة    حريق يلتهم محلين تجاريين وشقة في أسيوط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار
القذافي.. العقيد اللغز
نشر في الأخبار يوم 21 - 04 - 2012


محمد بركات
أي نظام يفقد شرعيته اذا اطلق النار علي مصدر هذه الشرعية، وهو الشعب،..، وأي زعيم يفقد مؤهلات زعامته، إذا تعامل مع المحتجين سلميا من أبناء وطنه، وكأنهم جرذان سيرسل خلفهم من يطاردهم »بيت بيت« وحارة حارة« و»زنقة زنقة«.
بالقطع هناك صعوبة بالغة الآن، في الكتابة عن بعض الحكام العرب، الذين تربعوا علي كراسي الحكم، وأمسكوا بتلابيب السلطة في بعض الدول العربية، طوال عشرات السنين الماضية، قبل ان تهب عليهم وتطيح بهم رياح ثورات الربيع العربي، وخماسينه، التي انبعثت في الشمال الافريقي، لتعصف ببن علي في تونس، ثم تخلع مبارك في القاهرة، وتردي القذافي مضرجاً في دمائه في سرت، ثم تطيح بعلي عبدالله صالح في صنعاء، قبل ان تنتقل بدواماتها الي سوريا لتحيط ببشار الاسد.
وصعوبة الكتابة عن هؤلاء، لا تعود إلي قلة المعلومات المتاحة، بقدر ما تعود إلي صعوبة الامساك بالحقيقة وسط الكم الهائل من المعلن والمتاح، وهذه تعود في اساسها وجوهرها لغيبة المصداقية، وغياب الشفافية والمضوعية، بما يحول دون التأكد من صحة القول وسلامة القصد.
وعلي قدر الصعوبة في الكتابة عن أي حاكم من هؤلاء، تظل الكتابة عن الفقيد معمر القذافي هي الأصعب علي الاطلاق وهي الأكثر وعورة ومشقة، نظراً لكونه من الشخصيات الأكثر محلا للجدل والخلاف بين حكام العالم كله شرقه وغربه، وليس بين حكام المنطقة العربية فقط،...، كما أنه بالقطع من أكثر الشخصيات الانسانية تعقيداً ومراوغة وتقلبا،...، وكل هذه الصفات تجعل الكتابة عنه اختيارا صعبا، ومغامرة محفوفة بالمشقة البالغة.
ولكن هذه الصعوبة، وتلك المشقة لم تقف حائلاً دون صديقي الدكتور محيي الدين عميمور« الكاتب الجزائري الكبير، والوزير السابق، والمناضل العتيد، والتصدي لهذه المغامرة المحفوفة بالشوك والمطبات والعوائق، وراح يخط كتابه الجديد عن ذلك اللغز الذي هو القذافي، وجمع بين دفتيه وقائع ومعلومات وأحداثا عديدة عن القذافي، في محاولة لفض بعض غموض هذه الشخصية المثيرة للجدل والخلاف.
والكتاب مجلد ضخم يزيد عن الستمائة صفحة من القطع الكبير، وقد اختار له عنوان »نحن والعقيد« »صعود وسقوط معمر القذافي«، هذا رغم اني قد عنونته بالنسبة لي »القذافي.. العقيد اللغز« حيث، في تصوري ومن وجهة نظري، ان القذافي كان وسيظل لغزا بالنسبة لي وللكثيرين غيري في عالمنا العربي، بل العالم علي اتساعه.
والكاتب الجزائري الكبير »عميمور« يهدي كتابه عن القذافي، »إلي روح شيخ الشهداء عمر المختار، وروح شهداء الحرية ضحايا الظلم في كل مكان«.. ويقول ان الهدف الاول من الكتاب هو محاولة الإجابة عن السؤال العنيد: أين الحقيقة؟!، وكيف وصلنا في الوطن العربي إلي الحالة المزرية التي نعيش حرارتها، ونتنفس آلامها الآن.
ثم يطرح علي نفسه وعلي القارئ وعلينا مجموعة اسئلة يجمع فيها جميع ما يجول في خاطر المواطن العربي من تساؤلات حول هذه الشخصية المحيرة واللغز والتي هي القذافي ، تبدأ بقوله:
من القذافي علي وجه التحديد؟!، ثم يستطرد هل هو كفاءة فذه، أم عبقرية منحرفة؟!
وهل هو مفكر متميز، أم مستنقع أفكار مبعثرة، ذات ضجيج يشبه نقيق الضفادع في البركة أو المستنقع؟! ويلاحقنا بأسئلته من كل جانب لينهيها بأكثر الاسئلة اهمية وخطورة من وجهة نظره، ونظرنا علي الاطلاق، وهو: هل كان القذافي رائدا للنضال يعبر عن أمة، ويقود كفاح شعب، ويترجم إرادة الجماهير، أم أنه مجرد مدعي شعارات فارغة ورنانة؟!
ثم يضيف، بمعني أكثر دقة، هل كان مناضلاً يحمل فكراً ثوريا، يعبر عن ضمير أمة وإرادة شعب؟!
أم أنه مجرد بهلوان متسلط منحرف العقل سقيم الفكر بدد آمال شعبه وقوض اركان دولته؟!
وبطول وعرض الكتاب الضخم، يحاول الكاتب الكبير الصديق د. محيي الدين عميمور، ان يصل بالقارئ من خلال الأحداث والوقائع الي الوصول بنفسه الي الإجابات الشافية لهذه الاسئلة التي يطرحها مع الصفحات الاولي للكتاب.
وهناك طرائف عديدة عن القذافي وعلاقاته مع السياسيين العرب والأجانب الذين عاصروه وتعاملوا معه عن قرب، يذكرها الكاتب، ولعل اطرف تعبير عن العلاقات مع العقيد ما قاله يوماً السياسي التونسي »الباجي قايد السيسي« اجابة عن سؤال لوزير الخارجية البريطاني »دوجلاس هيرد« عن حالهم مع القذافي، حيث قال »مثل الحال مع الروماتيزم« يلتهب احياناً ثم يهدأ أحياناً، والألم كامن علي الدوام، ولكننا نتعايش معه، ولا نموت بسببه«.
وللمؤلف رأي محدد وواضح في القذافي، وما جري في ليبيا خلال الثورة يوجزه بأن من المؤكد ان نظام القذافي هو من زرع العنف بالقمع الشرس الذي تجاوز كل الحدود،..، وأي نظام يفقد شرعيته إذا اطلق النار علي مصدر الشرعية، وهو الشعب، وأي زعيم يفقد مؤهل الزعامة إذا تعامل مع المحتجين سلمياً من ابناء وطنه، وكأنهم »جرزان« سيرسل خلفهم الملايين لمطاردتهم بيت بيت، وحارة حارة، وزنقة زنقة«.
والواقع ان الوضع في ليبيا كان يمكن ان يختلف، وكان ممكنا ان يجد الصراع حلا هادئاً، لو كان هناك كما في مصر، وتونس جيش وطني يوازن بين الولاء لنظام حكم فقد شريعته، والولاء لشعب هو مصدر كل السلطات،..، ولكن الذي حدث في ليبيا ان الجيش الوطني كان قد تم تدميره لصالح كتائب امنية تفتقد العقيدة القتالية الوطنية، يقودهم ابناء العقيد.
شم النسيم
في أحد أيام الاثنين، الواقع علي مقربة من منتصف شهر ابريل من كل عام، وبامتداد الزمن، بطول آلاف السنين الماضية، وحتي الأمس القريب، الاثنين الماضي، يحتفل المصريون بشم النسيم،..، وهي عادة ورثناها وجبلنا عليها عن أجدادنا الفراعنة، حيث كانوا يحتفلون به، ويخرجون للتنزه في الزراعات، وحول ضفاف النيل، في هذا اليوم كل عام، ايذانا بنهاية برد الشتاء، وابتهاجا بقدوم الربيع، وايامه الدافئة، وبداية موسم الحصاد.
ونحن ما زلنا رغم اختلاف الزمن، وتوالي السنين، وضعف الصحة، وقلة المناعة، نتعاطي في هذا اليوم نفس ما كان اجدادنا يحرصون علي تعاطيه، من اسماك مملحة، ونباتات خضراء، تبدأ بالملوحة، والفسيخ، والسردين، واضيفت إليها الاسماك المدخنة مثل الرنجة، وتنتهي بالخس، والملانة والجرجير، والبصل، وخلافه.
وكنا ونحن في سنوات الطفولة، وبواكير الصبا والشباب، نشعر بسعادة غامرة إذا ما استيقظنا مع اشراقة شمس صباح »شم النسيم« لنجد بجوارنا سلال الخوص الصغيرة، التي صنعناها من سعف النخيل مساء اليوم السابق، أو قبلها، وبداخلها بعض البيض الملون، والذي كنا نتفنن في تلوينه والرسم عليه، ونستعين في ذلك بخبرة اخواتنا الكبار، أو الامهات،..، ولا تزال اسر مصرية عديدة، من الجيران والاقارب، والاصدقاء يفعلون ذلك، ويحافظون علي هذه العادات.
ولم يكن الامر يقتصر علي ذلك، بل كنا نحرص علي استنبات البصل بوضعه في إناء فيه ماء قبل قدوم شم النسيم بعشرة أيام أو اسبوعين، كي يكون نابتا وله اوراق خضراء ظاهرة، ونأخذه في الصباح المبكر لنلقي به في فرع النيل المار علي أطراف بلدتنا الصغيرة، وكل منا يتمني امنية وهو يلقي بما معه، ومتصوراً أنها ستتحقق مع حلول الربيع القادم.
وأحسب أنه لا أحد في مصر، يشعر أو حتي يفكر وهو يأكل الاسماك المملحة والخس والبصل، في شم النسيم، ما إذا كان هذا اليوم عيداً فرعونيا، أو مسيحياً، أو اسلامياً، فهو عادة وعيد مصري، يحبه الجميع ويحتفل به الكل، دون تفرقة، ودون حساسية،..، وسيظل كذلك.
لذلك كان اندهاشي واستنكاري ايضاً كبيراً، عندما وجدت بعض التخريفات الخارجة عن سياق العقل والمنطق، يروج لها بعض من في قلوبهم وعقولهم مرض، وسقم، ويحاولون ايهام الناس الطيبين من ابناء مصر، ان هناك فتاوي شرعية تحرم مشاركة المسلمين لإخوانهم المسيحيين، في الاحتفال بشم النسيم، ويؤكدون في ادعاءاتهم الكاذبة ان الاحتفال بهذا اليوم محرم علي المسلمين، ومكروه منهم.
وحسنا فعل الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية، وعدد من علماء الازهر الشريف، عندما أعلنوا رفضهم الصريح والسريع لهذه الفتاوي المريضة، التي حاول البعض الترويج لها علي الفضاء الالكتروني، في »الانترنت«، »والفيس بوك« والتي كانت قد زادت في سفهها إلي درجة ان بعض هؤلاء المدعين السفهاء، قد افتي بالجهل، ان أكل الرنجة والاسماك المملحة حرام.
وفي هذا نطلب من الله عز وجل ان يرحمنا برحمته الواسعة ويجنبنا سفاهة السفهاء، وجهل وحماقة الادعياء،..، ونشكر لعالمنا الجليل مفتي الجمهورية وعلماء الأزهر جهدهم في درء جهالة الجهلاء، ووقاية المجتمع من شرور افعالهم ومقاصدهم.
وداع.. ولقاء
كنا في واجب عزاء، ومناسبة وداع لاستاذ من اساتذة الصحافة الكبار، التحق بموكب الراحلين عن دنيانا الفانية، والتي نظنها باقية دائمة لن تغيب عنا، ولن ترحل عنها رغم تقدم العمر، ومرور السنوات، ورغم كل ما يغيب عنا فيها كل يوم، من صحة، ومن قدرة، ومن ، ومن.
كان الوجود خاشعاً لتلاوة القرآن الكريم، الكل صامت مشغول بلحظة انصات ومراجعة، هذه هي السمة الغالبة علي عموم الخلق وأنا منهم، دائماً ما يكون العزاء مقرونا بمراجعة النفس، وذكري ليوم قادم للحساب في لحظة لا تشفع فيها لنا ولكل البشر غير رحمة الله وعفوه وغفرانه مهما كنا أو كانوا، ولا وزن ولا قدر لنا أو لغيرنا سوي وزن للأعمال وقدر التقوي، وبالسوء من خفت موازين حسناته وزادت موازين سيئاته.
وفي ذروة ما أنا مستغرق في خشوع الانصات والمراجعة انتبهت عليه واقفا أمامي، مادا يديه في ود صادق فإذا به السفير الصديق عبد الرؤف الريدي، سفير مصر الاسبق في واشنطن، وهو بالإضافة لكونه أحد السفراء الكبار والاكفاء الذين شغلوا هذا المنصب صديقاً عزيزاً له قدر كبير من التقدير والمودة لدي كل من عرفه، أو اقترب منه، وأنا واحد منهم، نظراً لما يتمتع به من ثقافة، وخلق جميل وروح سمحة وتواضع جم، رغم شغله لارفع المناصب في الخارجية كواجهة مشرفة لمصر، وهي صفات اكسبته حب الجميع وتقديرهم.
والسفير الريدي تربطني به صلة ود وصداقته ممتدة بطول عشرات السنوات، وكانت بدايتها مع نهاية السبعينيات من القرن الماضي، حيث كان سفيرا شابا متوقدا ولامعا بين اقرانه من نجوم العمل الدبلوماسي المصري الذين تذخر بهم وزارة الخارجية في كل حين، منذ انشائها وحتي الآن، وكنت في ذلك الوقت من الوجوه الصحفية الجديدة، والمتواجدة بصفة دائمة في اروقة وردهات ومكاتب الخارجية لمتابعة الشئون الدبلوماسية والسياسية، في فترة من اخصب فترات العمل الدبلوماسي المصري، وأكثرها نشاطاً، ولعلي كنت في وقتها الأكثر حداثة، والاقل خبرة بين فريق صحفي متميز بالخبرة والكفاءة، يضم مجموعة من الاساتذة في الصحافة الدبلوماسية والسياسية علي رأسهم الثلاثي الشهير في بلاط صاحبة الجلالة بالصحف اليومية الثلاث، الاستاذة مها عبدالفتاح في »الاخبار«، والاستاذة هدي توفيق في »الجمهورية« والاستاذ المرحوم حمدي فؤاد »في الاهرام«،...، وللأمانة كنت محظوظا جداً للتتلمذ علي ايديهم، والتعلم والاستفادة من خبراتهم، وقدراتهم، وايضا صلتهم الوثيقة بكل المصادر الصحفية، سواء وزراء الخارجية أو السفراء الكبار، وجميع رجالات وشخصيات السياسة والدبلوماسية في مصر والعالم.
ولي مع الاساتذة الثلاث، وفي صحبتهم تاريخ حافل بالاحداث والمواقف والذكريات في جميع مواقع الاحداث المهمة التي مرت بها مصر والمنطقة في هذه الآونة وذلك الحين، قد تتاح لي فرصة ذكر بعضها، نظراً لما لها من اهمية ودلالة بالغة في مجال احترام قيمة العمل، والكفاءة، ومسئولية القدوة.
وبعد حرارة اللقاء المفاجئ مع السفير الريدي، جلسنا متجاورين في سرادق العزاء يلفنا الخشوع والانصات، لآيات القرآن الكريم، واستغرق كل منا في الغوص في أعماقه،...، ومع اختتام القارئ الشيخ لتلاوته، وقبل تهيئنا للانصراف، مال نحوي السفيرالريدي متسائلاً، عما إذا كان الراحل الكبير الاستاذ »محسن محمد« قد عمل في مؤسسة اخبار اليوم ام لا، وأضاف مبرراً سؤاله، كلنا يعرف انه رأس تحرير جريدة الجمهورية، ومجلس إدارتها وأنه حقق نقلة كبيرة في حجم توزيعها، لكني لا أعرف هل عمل معكم بالاخبار أم لا.
قلت، بل هو خريج مدرسة »أخبار اليوم« الصحفية، وهو من ابناء دار اخبار اليوم، واساتذتها ونجومها الكبار، الذين تعلم علي يديه الكثيرون من شباب الصحفيين »بالاخبار« في فترة السبعينيات، وقبل انتقاله الي رئاسة تحرير جريدة الجمهورية،...، ثم اضفت لقد كان ذا كفاءة نادرة في التحقيقات والدراسات الصحفية، وكان نائباً لرئيس تحرير الاخبار، ومشرفا علي اخراج الجريدة ثلاث أيام بالاسبوع، وكان متميزاً وله بصمة واضحة وخاصة.
وقلت ان الراحل الكبير، بدأ حياته الصحفية في مكتب الاخبار بالاسكندرية، ثم مديرا للمكتب، ثم انتقل الي وكالة انباء الشرق الاوسط، ثم عاد الي بيته دار أخبار اليوم، ومنها انتقل الي رئاسة تحرير الجمهورية، وأحدث فيها طفرة صحفية كبيرة، نتيجة اهتمامه الكبير بتحويلها الي جريدة شعبية، يجد فيها المواطن العادي جميع الاخبار والموضوعات والقضايا التي تهمه، وهو ما ضاعف التوزيع عدة مرات، .. لقد كان رحمه الله نجما صحفيا لامعاً في أخبار اليوم، وصانعاً جيداً للصحف الشعبية الناجحة في مؤسة دار التحرير.
الجائزة.. والاستحقاق
الانطباع السائد بين البشر كان وسيظل خاضعا لمظنة ان شهادتهم، أو رأيهم، في الاصدقاء الاعزاء عليهم، أو الزملاء المقربين لهم، دائما ما تكون منحازة، ودوما يخالطها التأثر بما لهم في النفس من مكانة، ومشاعر ود، وتقدير،...، ولهذا فإنها في الاغلب والأعم تكون شهادة مجروحة من وجهة نظر الكثيرين.
واذا كان ذلك صحيحا، في مجمل الاحيان وعموم الاشياء، الا انه يصبح مخالفا للواقع، مجافيا للموضوعية، في بعض الحالات الاستثنائية، وخاصة تلك التي يكون الامر فيها متعلقا بالكفاءة، والتميز، والاستحقاق المهني،..، وكلها معايير وقيم يصعب الاختلاف حولها، أو اللبس في شأنها.
لذلك،..، فان الموضوعية والمهنية تدفعاني للقول، بأن جائزة »صحفي العام«، التي حصل عليها الصديق والزميل العزيز »ياسر رزق«، قد صادفت أهلها، عن استحقاق وجدارة لا يختلف عليها احد من ابناء المهنة، العاملون في بلاط صاحبة الجلالة بصفة عامة، وأبناء أخبار اليوم بصفة خاصة.
والتهنئة الصادقة، لجميع الزملاء المتميزين والاكفاء الفائزين بجوائز مصطفي وعلي أمين، وعلي رأسهم الصديق الكاتب حمدي رزق، والصديقان المخرجان المبدعان »عبدالقادر محمد علي ورضا محمود، والشاب المتألق احمد عبدالحميد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.