جلال دويدار لم يكن متوقعا علي ضوء دوره الوطني والتاريخي ان يكون موقف الازهر الشريف مخالفا لهذا الاتجاه الشعبي العام التزاما بالمباديء والقيم والاخلاق في تعامله مع أزمة اللجنة التأسيسية للدستور التي تحمل السمة الاخوانية بتطلعاتها السياسية القائمة علي ميكافيلية الفكر.. ان الموقف الذي اتخذته هذه المؤسسة الاسلامية العريقة بالانسحاب من هذه اللجنة ما هو الا تأكيد لدوره الذي يمتد لاكثر من ألف عام في خدمة الدعوة الاسلامية الوسطية الصحيحة وتكريس لوجوده كمنارة لدين الحق ليس علي مستوي مصر وانما علي مستوي العالم كله. ان ما اقدمت عليه هذه المؤسسة يتوافق ومسئوليتها الوطنية التي لا تنفصل عن مسئوليتها الدينية التي لا تعرف الانتهازية او البحث عن مغنم او التطلع الي منفعة او سلطة غير تلك التي تخدم رسالة الاسلام. انها في هذا التوجه تري دورها ومسئولياتها اكبر من عملية الاستقطاب وربط اسمها بسلوك غير سوي لاي جهة. لقد ظلت ومنذ انشئت ومازالت تعد - ومن واقع الاحداث والتجارب- ملاذا آمنا للمسلمين في مصر وكل انحاء العالم للحفاظ علي دينهم وتعاليمه ومبادئه الصحيحة. لقد حاول قادة الاخوان المسلمين مواصلة عملية الخداع آملين ان يقبل الازهر بمبدأ المنافع السياسية وغير السياسية. لقد ارتضوا علي انفسهم اللجوء الي استراتيجية وايديولوجية تتعارض مع الإسلام الصحيح الذي يدعو الي نشر الدعوة والتجاوب مع ركائزها الداعية الي الشوري والسماحة والموعظة الحسنة ونبذ التسلط والقهر. ان الانتصار لهذه المبادئ ليس ابدا بالجنوح الي الألاعيب السياسية واطماعها القائمة علي التجرد من الاخلاقيات والانحياز لما يمكن الا يكون في مصلحة الامة بما في ذلك تبني عمليات التضليل واستغلال الفقر والحاجة لتنفيذ مخططات المنافع والمصالح . لقد ذهب قادة الجماعة الي الازهر الشريف في محاولة مستميتة لإثنائه عن الوقوف في صف الامة دعما لوحدتها في مواجهة الفرقة والاقصاء والصراعات. ان المصداقية والامانة والايمان ومراعاة المسئولية أمام الله تُشكل اخلاقيات الأزهر ورسالته الدعوية الملتزمة بالشوري. في هذا الاطار احال الامام الاكبر فضيلة الشيخ احمد الطيب طلب الاخوان الي مجمع البحوث الاسلامية الذي يضم العقول المخلصة للإسلام المستنير وفقا لما دعا اليه نبينا محمد عليه الصلاة والسلام. وجاء قرار العلماء الافاضل بتأكيد انسحاب الازهر من لجنة الدستور انحيازا لجموع الامة وصونا لوحدتها وتعظيما لرسالته. لا جدال أن هذا الموقف هو سمو بالمبادئ الاسلامية وليس أمرا جديدا او انعكاس لأي شكل من اشكال الضغوط علي ضوء ما عرف عن الازهر الشريف وتاريخه النضالي الطويل. ان ما يؤكد هذه الحقيقة ما تضمنته الوثيقة التي اعدتها هذه المنارة الاسلامية العملاقة والتي توافقت عليها الامة لتكون اساسا لأي تحرك نحو الديمقراطية. كان محورها المطالبة بدستور حضاري متوازن يحقق ما يتطلع اليه شعب مصر بكل اطيافه واعراقه ودياناته وتعبيرا عن الحرص علي اعمال ما يقضي به الدين الحنيف. ولا جدال ان العودة لما جاء في هذه الوثيقة يدحض كل ما اقدمت عليه جماعة الاخوان عندما وافقت عليها ضمن كل القوي الوطنية علي ارض مصر. انها وكما تعودت دائما اختارت ان تنقض عهودها جنوحا الي الخداع . ان كل الدلائل تشير إلي انهم اي قادة جماعة الاخوان اعتقدوا ان رفع شعارات الدين الاسلامي ربما يدفع بالازهر الشريف الي السقوط في هوة الخداع. لقد كشفت التحركات انه لايهمها سوي التسلط السياسي القائم علي فكرة الفصيل الاوحد وهو المبدأ الذي ارتضاه الحزب الوطني واوقعنا في براثن الديكتاتورية و الاستبداد اللذين يحرمهما الاسلام الداعي الي الشوري ووحدة المسلمين والامة.