لاشك أن إحراق الكتب هو عمل همجي، وتزداد الهمجية عندما تكون الكتب محل هذا العمل الشائن موضع تقديس وتجلة البعض »كثر هؤلاء أو قلوا«... ولا شك عندي ان القس الأمريكي الذي كان يهم بحرق القرآن في ولاية فلوريدا الأمريكية هو رجل صيغ من مادتين بشعتين هما التعصب الأعمي والحماقة المنفلتة من عقال العقل والرشد، ولكن ذلك الرجل البشع ومشروعه الأخرق يجب ألا يثنيانا عن رؤية المناخ العام الذي كانت هذه الفعلة الشائنة علي وشك الحدوث في ظله، ولا يعني ذلك تبرير هذا الفعل المعتوه والمشرب بالجنون والتعصب وضيق الأفق والكراهية، فيجب علينا أن نري بوضوح ان هذا الرجل كان علي وشك القيام بعمل بالغ الرداءة كالذي قامت به حكومة طالبان الإسلامية في افغانستان منذ نحو عشر سنوات عندما داست علي مشاعر ملايين من البشر باطلاقها دانات المدافع علي تمثالين لبوذا حتي تم دمار التمثالين، ويجب ان نتذكر ان قلة من المسلمين قد أدانوا يومها تلك الجريمة الحمقاء، ويجب ايضا ان نتذكر بل وأن نعي أن العالم لم ينقلب علي المسلمين، بل ان افعال وتوجهات وسلوك واقوال ونوايا »بعض المسلمين« هي التي تقلب العالم ضدنا، كثير من المسلمين لا يرون جريمة 11 سبتمبر 1002 بحجمها الحقيقي، وقليلون هم الذين يصدقون ان القاعدة هي الفاعل، وكثيرون يرددون »بجهل أسطوري عجيب«، ان فاعل تلك الجريمة هو من داخل النظام السياسي والأمني الأمريكي، وملايين المهاجرين المسلمين في أوروبا وأمريكا الشمالية واستراليا يعطون الانطباع شبه المؤكد أنهم عازمون علي أسلمة المجتمعات التي هاجروا إليها... وكثيرة هي وسائل الاعلام والتثقيف »!!« في مجتمعاتنا التي تصور الغرب بأنه اضحي منغمسا بالكلية في مؤامرة ضد الاسلام - وهو عبث محض- وما أكثر الجهلاء في مجتمعاتنا الذين لا يفرقون بين تدين البعض في الغرب وعلمانية مجتمعات هذا الغرب، ولاشك عندي ان وسائل الاعلام وجل طبقة الانتلجنسيا في مجتمعاتنا ستضرب الصفح عن مواقف نبيلة للأغلبية من رجال الدين اليهود والمسيحيين في الغرب الذين أدانوا بقوة الحماقة التي كان ذلك القس الشائه في فلوريدا علي وشك اقترافه، فمعظمنا أصحاب عقلية انتقائية تختار من بين الأشياء الحادثة ما تحب أن تراه، و تستبعد ما لا يوافق أهواءها، كما فعل معظمنا عندما ناصرت أمريكا مسلمي البوسنة، علي خلاف المواقف الأوروبية »الروس مع الصرب الأرثولوكس وفرنسا مع الكروات الكاثوليك« التي حكمتها عقد تاريخية يعرفها كل متمكن من تاريخ هذا الكيان الذي تكون عنوة وقسرا وضد أبعاد عدة عقب الحرب العالمية الأولي »4191- 8191«. منذ أيام سمعت عالما مصريا يشيد بالمستويات التعليمية العالية للغاية في مصر الخمسينيات والستينيات، ويرجع الفضل لتلك الحقبة وقادتها وعلي رأسهم جمال عبدالناصر، وهو قول ساذج للغاية، فأنا كإبن لهذه المرحلة »إذ حصلت علي الشهادات الابتدائية والاعدادية والثانوية والليسانس أي الشهادة الجامعية الأولي« إبان رئاسة جمال عبدالناصر، أعرف ان مستويات التعليم بمصر كانت وقتها علي أرفع المستويات، بل وبعض أبناء جيلي تذهلهم المستويات التعليمية والثقافية لمن هم في أعمارهم من الأوروبيين والأمريكيين، ولكن تلك المستويات هي نتيجة طبيعية لمعدن وسبيكة ومستويات مدرسينا وأساتذتنا والذين هم »جميعا« من ثمار وتجليات ما قبل حقبة العسكر، هؤلاء كانوا نتاج وثمار عهد كان وزراء التعليم »المعارف« خلاله علي شاكلة منصور باشا فهمي ومحمد حسين هيكل باشا وطه باشا حسين. أما التعليم في عهد جمال عبدالناصر فكان بيد عسكري شبه أمي ومعدوم الثقافة وإخواني النزعة، وكما كان التعليم المصري رفيع المستوي في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، فكذلك كانت الحياة الثقافية الحركة الأدبية والمسرح والفنون والسينما، ولكن بسبب ذات العامل، وأعني العنصر الرفيع لأجيال تشكلت وتكونت في ظل الحقبة الليبرالية وقبل قيام مجموعة من أنصاف المتعلمين بخطف مصر يوم الاربعاء 32 يوليو 2591، أما المدرسون والأساتذة الذين تكونوا في الحقبة الناصرية، فإنهم المسئولون عن الأوضاع التعليمية المتردية في مصر اليوم، ويقال ذات الشئ علي المثقفين فكما ان طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم وسلامة موسي وسهير القلماوي ولطيفة الزيات و نجيب محفوظ ويوسف ادريس ولويس عوض ومجدي وهبة ومحمد مندور وجل المثقفين المصريين الماركسيين »جيل محمد سيد أحمد« هم أناس تكونوا في بيئة ما قبل انقلاب غير المثقفين، أما المثقفون الذين تكونوا في مصر - عبدالناصر فهم المثقفون المصريون اصحاب القامات المتوسطة والقصيرة الذين يقفون اليوم في حالة عجز عن التصدي للوحشين الكبيرين اللذين تقف مصر اليوم بينهما: وحش الاستبداد السياسي الذي أفرز الفساد والزواج المشبوه بين السلطة والثروة، ووحش الأفكار الظلامية التي تحاول ان تجهز علي روح مصر وتسحبها لما قبل القرون الوسطي.. الائتلاف والتحالف مع الاسلاميين »بل ومع غلاة التطرف منهم« كان منتجا ذا منبعين: فهو من منتجات حقبة الحرب الباردة، إذ استعمل الاسلاميين ضد الاتحاد السوفيتي وضد نظم اشتراكية »أو تبدو كذلك« مثل النظام المصري في خمسينيات وستينيات القرن الماضي »حرب السعودية المدعومة أمريكيا مع مصر المدعومة سوفيتيا علي أرض اليمن، وكان شعار المرحلة »في هذا الشأن« ان »عدو عدوي هو حليف لي«، ونظرا لأن الاسلام السياسي كان »بتفاهة وسطحية منقطعي النظير« عدوا للمعسكر الاشتراكي، فقد وجدته الولاياتالمتحدة »بغباء تاريخي منقطع النظير« »نعم الحليف« ضد الاتحاد السوفيتي وأنسبائه! وأما المنبع الثاني لهذا الائتلاف فقد كان أمريكي - سعودي المصدر، وهذا المنهج »المفتقد كلية للثقافة وللحس التاريخي« هو نهج مخابراتي بريطاني منذ أوائل القرن العشرين، فقد كانت الأغلبية في المخابرات البريطانية »إم. أي. 6« تعمل مع عبدالعزيز آل سعود المندمج آنذاك مع إخوان نجد ذوي الهوس الديني« لكي يمد نفوذه ويسيطر علي معظم الجزيرة العربية، بل وحارب معه في بعض معاركه ضباط بريطانيون بل ومات بعضهم وهو يحارب ضمن قوات عبدالعزيز آل سعود ونفس المخابرات البريطانية هي التي ساعدت حسن البنا علي تأسيس جماعة الاخوان المسلمين في مصر سنة 8291 أي بعد سنة واحدة من وفاة قائد وزعيم الحركة الوطنية المصرية سعد زغلول الذي رأت بريطانيا والملك فؤاد ضرورة تأسيس حركة الإخوان في محاولة منهما لسرقة الشارع المصري »باسم الاسلام« من الوفد المصري الذي فقد زعيمه منذ عام واحد، ومعروف ان الأب الروحي لحسن البنا هو السوري المتزمت محمد رشيد رضا »صاحب تفسير المنار« والذي كان وصلة الصلة بين حسن البنا وعبدالعزيز آل سعود والذي كان قد أصبح »بعون الانجليز« منذ ثلاث سنوات فقط 5291 ملك الحجاز وسلطان نجد.. وحتي اليوم، لم تعترف الولاياتالمتحدة بخطئها وخطيئتها التي جعلت العالم الذي نعيشه اليوم عالما خطرا وأحيانا كثيرة »عالما كريها«..