«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الذين لايقرأون ولا يفهمون.. فيحرقون الكتب!
نشر في الدستور الأصلي يوم 22 - 09 - 2010

عندما سألوا"تيري جونز» قس الكنيسة الكاريزمية بجينزفيل بولاية فلوريدا بالولايات المتحدة هل درست القرآن وفهمته جيداً لتدعو لحرقه؟ قال: لا، لم أدرسه ولست خبيرا في الإسلام ولا القرآن وقناعاتي عن الإسلام مما عايشته في أوروبا».. بعيداً عن كل ما حدث من القس ودعوته لحرق القرآن ثم تراجعه عنه فإجابته علي السؤال السابق تكشف لنا عن هوية دعاة ومحترفي حرق الكتب علي مر التاريخ..فهم وإن اختلفوا في الجنسية أو الديانة فجميعهم يتفق في أنه دائما لا يفهم ولم يقرأ الكتب التي يدعو لحرقها بل إن بعضهم لم يكن قد رآها من قبل وقام بإتلافها أو حرقها أو التخلص منها في إطار البطش بالعدو فقط لا غير..وجونز كان محركه الرئيسي للدعوة هو كرهه للمسلمين بصفة عامة واقتناعه بأنهم إرهابيون..شعور ربما أحس به أكثر من نصف الأمريكيين بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر لكن القس - ورغم عدم معرفته بالقرآن أصلاً حسب كلامه - اختار أن يسير في طريق آخر مفضلا أن يُثير الجميع ضده.. لكن الحقيقي ورغم قسوة الدعوة فإن جونز ليس أول - والأكيد أنه ليس آخر - شخص سيدعو لحرق كتاب ربما لأن الجهل والتعصب أصبحا سيدي الموقف - حتي بين المثقفين-أو بدافع التخلص من الحضارات..فمع بدايات تواجد الكتب علي مر التاريخ كان هناك أكثر من داع لحرقها.. البعض كان يحرق ثأراً وآخرون كانوا يحرقونها من أجل القضاء تماماً علي حضارة مثلما فعل المغول بالعراق.. وكأن الكتب أشخاصً خصوم لهم، وإن كانت الحوادث بين الأشخاص يكون سببها عداء له أسباب نفهمها جميعاً، فالتاريخ حوادثه تدلل علي أن الكتب عانت من خصوم تقليديين إلي حد كبير جميعهم يتصرف بطريقة هوجاء لا يحركهم فيها إلا شعور داخلي إما بالكراهية للأفكار التي يعرضها الكتاب أو كراهية للأشخاص الذين يعتنقون هذه الأفكار بعيدا عن أهميتها ووجودها.
والعلاقة بين السلطة والمثقفين كانت في بعض الأحيان سبباً للتخلص من بعض الكتب فقد تعودنا أن تحاول السلطة - ونجحت كثيراًً - تكبيل وتقييد العقول من خلال نشر مواد معينة ورفض أخري، وحدث أكثر من مرة أن تفجر الصراع بين المثقفين والسلطة علي أفكار وكتب معينة، وللأسف فإن الانتصار غالباً ما كان من نصيب السلطة بطبيعتها القوية والغاشمة ويدها الطويلة في الحجب والمنع، وكانت الأندلس نموذجاً لهذه الظاهرة قديماً فرغم أن دولة الأندلس عٌرفت بعطاياها للمثقفين ومؤلفي الكتب فإنها شهدت تقلبات ثقافية كثيرة دفعت الأمراء للانقلاب علي المثقفين وكتبهم خلال القرنين الخامس والسادس للهجرة فأحرقت كتب الإمام ابن حزم والإمام الغزالي خصوصاً كتابه «إحياء علوم الدين» وطبعا كتب ابن رشد..وحسب كتاب «حرق الكتب في التراث العربي» فإن الكتب تعرضت للهلاك بطريقتين الأولي هي إتلاف السلطة لها والأخيرة تتمثل في السلطة بجميع أشكالها سواء كانت سلطة الحاكم أو سلطة العادات والتقاليد التي يفرضها المجتمع، والطريقة الثانية هي قيام أشخاص عاديين بالتخلص من الكتب لأسباب علمية أو اعتقادية أو نفسية - حسب الكتاب -، ويؤكد المؤلف أن أهم الأسباب في التخلص من الكتب تكون شرعية وتخص الدين، وقليل جداً من الكتب تم التخلص منها من أجل هدف جيد، مثل تلك الكتب التي كان يحرقها مؤلفوها بعد كتابتها لاحتوائها علي أقوال أو نظريات اقتنعوا بعد تأليفها أنها خاطئة أو قد تحدث فتنة..لكنهم بالطبع وضعوا كل الجديد الذي وصلوا إليه بعد ذلك في كتب أخري جديدة باقية حتي الآن وهو ما يُطلق عليه الأسباب العلمية لحرق الكتب.
ويشير الكتاب إلي أن بعض الكتب تم حرقها لسبب اجتماعي أو قبلي ومن ذلك إعدام كثير من قبائل اليمن لفصول من كتاب «الإكليل» للهمداني، في حين لم يتم التخلص من باقي الأجزاء لنفس السبب، وكذلك تم إتلاف دواوين الشعراء الذين ذموا أهل بعض البلدان، وهناك مؤلفون يتخلصون من كتبهم بإحراقها نتيجة أزمات نفسية يتعرضون لها منها حادثة إحراق أبي حيان التوحيدي لكتبه وهو العالم والفيلسوف المعروف الذي اضطر لحرق كتبه بعدما اتهم بالإلحاد.. وكذلك عمرو بن العلاء المتوفي سنة 154ه، كانت له كتب ملأت له بيتاً حتي السقف، ثم زهد الحياة فأحرقها... لكن مع جميع هذه الأسباب والحوادث فإننا بالتأكيد خسرنا جزءاً كبيراً من المعلومات عن أكثر من حضارة ذلك لأن التخلص من الكتب لا يعبر سوي عن أشخاص لا يفكرون تماماً ولا يعون لحقيقة أن الكتب هي التاريخ والشيء الوحيد الباقي لأي حضارة، فالأشخاص مهما عاشوا فلن يبقوا كثيرا أما الكتب فباقية وإن مات الجميع.
من الاحتلال والعصبية القبلية إلي التشدد الديني.. تعددت الأسباب و«الحرق» واحد!
تبدو الأسباب التي دعت من سبقونا لحرق الكتب واهية تماماً وتدل علي عصبية وتصرفات هوجاء من أشخاص أو جيوش وهي إن كانت أسباباً عديدة فإن الحرق واحدًُ، وتتمثل أسبابً التخلص من الكتب في أكثر من عنصر فالبداية كانت أسباباً تاريخية ناتجة عن غزو جيش ما لبلد فيقوم بتدمير الكتب التي توجد في مكتبات البلد الذي يصبح في هذه الفترة عدواً للجيش وبالتالي يتخلصون من كل ما تمتلكه البلد من كتب، ويزيد الأمر سوءا أنه إذا كان قائد الجيش يعرف أن هذه الكتب هي مصدر تقدم الأمة التي يغزونها مثلما كان موقف هولاكو في العراق، ودائما ما كان الاحتلال مخرباً ومدمرا للمكتبات والكتب حتي في عصرنا الحديث، وهناك بعض الأشخاص تخلصوا من الكتب وأحرقوها باعتبارها محرمة وممنوعة خصوصاً كتب الفلسفة والكتب العلمية وهناك أسباب مصدرها الحقد علي آخرين والتعصب لفئة ضد فئة أخري، وحسبما ذكر في كتاب «حرق الكتب في التراث العربي» فإن أسباب حرق الكتب سواء كانت محاولات من السلطة المتمثلة في الحاكم أو المجتمع وكذلك سلطة العادات والتقاليد أو كانت أسبابًا تخص الأشخاص وهي عادة أسباب علمية أو عقائدية أو نفسية، لكن مؤلف الكتاب يؤكد أن الشرع والدين هما أكثر الأسباب التي أدت لحرق الكتب علي مر التاريخ، وهناك السبب العلمي وهو من الأسباب الدقيقة التي لا يعرفها إلا من عمل بالترجمة وهي أنه في مرحلة الجمع والتدوين والإملاء، كان الشيخ يملي ويكتب عنه تلاميذه وبسبب الخوف من التحريف كانت تحرق هذه الكتب في حياة الشيوخ أو يوصون بذلك بعد موتهم، وهناك طبعا الأسباب السياسية كالصراع بين مثقف وحاكم كما في حالة ابن حزم وابن رشد، لكن أقدم هذه الوقائع كانت عام 82 هجرية، حيث أحرق كتاب يحوي فضائل الأنصار وأهل المدينة إذ خشي عبد الملك بن مروان أن يقع بيد أهل الشام فيعرفون لأهل المدينة فضلهم وهو خلاف ما عممه عليهم بنو أمية في الشام، أما الأسباب الاجتماعية فكانت بسبب الصراع بين القبائل وهجو الشعراء لبعضهم البعض، والنفسي كان شعور المؤلف بأنه لم يحصل علي ما يستحق.
حرق الكتب عبر التاريخ.. بدأها إمبراطور صيني وأشهرها جنونا منسوبا لهولاكو وهتلر
نجد أنه ربما لم يخل تاريخ حضارة من حادثة أو أكثر لإحراق الكتب والقضاء علي التراث وكانت أقدم حملة لحرق الكتب تم تسجيلها في تاريخ الإنسانية هي الحملة التي قام بها إمبراطور صيني يدعي شي هوانج تي وذلك عام 212 قبل الميلاد، ورغم أنها أقدم حادثة تم تسجيلها إلا أنها الأغرب لأن الإمبراطور لم يقم بالحرق بناء علي فكر جديد سوي أنه أصر علي حرق كل الكتب التي تم تأليفها في العصور التي سبقته ليبدأ كل شيء من جديد مرة أخري، وتم حرق آلاف الكتب والدراسات في جميع المجالات بالإضافة لقتل مؤلفي هذه الكتب، ويقال إن الفيلسوف الألماني فريدريك هيجل درس ظاهرة هذا الإمبراطور محاولاً تفسير حرقه للكتب وقتل الكتاب فلم يصل سوي إلي أنه قام بذلك من أجل تقوية أسرته الحاكمة عن طريق هدم وتدمير كل الأسر السابقة...وما يثير الاستغراب في أمر هذا الإمبراطور هو أنه ينسب إليه إنجازات حضارية وعسكرية وسياسية كبيرة، فهو الذي شجع علي البدء في بناء سور الصين لوقف هجمات المغول (التتار) من الشمال، وقسّم الصين إلي 36 مقاطعة إدارية ليسهل بسط سلطانه عليها، وهو الذي نظم بقوة القانون ملكية الأرض وأعاد تنظيم الممتلكات التي استولي عليها من طريق الحرب، وهو الذي بسط سلطان الدولة علي كثير من المقاطعات الصينية المستقلة ونظم عائدات العقارات والمحاصيل وفق صيغة أكثر تقدما من السابق..
أما ما قام به هولاكو في العراق حين دخل إليها فهو بالتأكيد أشهر ما حدث عبر التاريخ للكتب وأثر كثيرا في تكوين الفكر العربي حتي الآن فقد دمر المغول بقيادة هولاكو مكتبة بيت الحكمة التي كانت تحتوي علي الآلاف من الكتب المؤلفة عربياً والمترجمة والمناظرات بين الكتاب والندوات التي كانوا يعقدونها، وتعامل المغول مع الكتب علي أنها لا شيء حتي أنهم وضعوا كتب أكبر وأضخم مكتبة عرفها التاريخ الإسلامي في نهر دجلة ويقال إنه من كثرة الكتب تحول لون الماء للأسود، وبالإضافة إلي مكتبة بيت الحكمة دمر المغول 36 مكتبة عامة أخري، لكن هولاكو كان يعرف جيداً أهمية الكتب التي تحتوي عليها المكتبة ودورها في تقدم العرب في ذلك الوقت ووصولهم لتقدم علمي غير مسبوق، ويذكر كتاب «قصة الحضارة» لويل ديورانت أن مكتبة بيت الحكمة أنفق في إنشائها 200 ألف دينار ويقال إن عدد مقتنياتها قدر بثلاثة ملايين مجلد..
وكانت هناك حوادث حرق كتب تخص كاتباً واحد أو عالم واحد فقد أحرقت مكتبة مهمة جداً لابن حزم الأندلسي وهو الشاعر والمؤلف الكبير في دولة الأندلس وكان مشهوراً بأنه يحب الكتب ويجمعها من أماكن كثيرة وألف العديد منها وكان بعضها لأبيه الذي كان من علماء قرطبة بالأندلس وعين وزيرًا في الدولة المارونية حتي أصبحت مكتبته من أضخم المكتبات العربية الخاصة حيث عين ابن حزم وزيراً أيضاً لأكثر من مرة وتولي آخر منصب وزير له في عهد هشام الثالث الملقب بالمعتمد، وبسبب كثير من الخلافات بينه والمعتمد قرر الأخير أن تٌحرق جميع كتبه..
وكذلك ابن رشد الذي عاقبه الخليفة أبو يوسف يعقوب المنصور - الذي كان معاديا للفلاسفة -، بحرق جميع كتبه ومؤلفاته الفلسفية وحظر الاشتغال بالفلسفة والعلوم ما عدا الطب والفلك علي الآخرين وقد وضع ابن رشد أكثر من خمسين كتاباً في مجالات مختلفة أهمها شرحه لكتب أرسطو وتلخيصها.. فرغم كونه قاضي القضاة والطبيب الخاص بالخليفة اتهمه المنصور بالكفر والضلال والمروق وبعده عن الحق والهداية، وقام بإقصائه إلي بلد صغيرة تسمي أليسانة بجانب قرطبة بالأندلس..
العصر الحديث أيضا شهد حوادث لحرق الكتب فالحملات الفرنسية بقيادة نابليون احتوت علي أكثر من حادثة تخلص فيها الجنود الفرنسيون من كتب المكتبات، وكذلك الحربين العالمية الأولي والثانية، وفي عام 1933 ومع وصول هتلر للحكم في ألمانيا انطلقت حملة كبيرة لحرق الكتب في ألمانيا وكان الأمر عبارة عن خطة منظمة من خلال الحزب النازي تم تسميتها «ضد الروح غير الألمانية» وأحرقت خلال الحملة آلاف الكتب لكتاب كثيرين مثل فرويد وكارل ماركس وتوماس مان، وأقيمت لذلك محارق في الميادين العامة بإحدي وعشرين مدينة ألمانية منها وأهمها برلين بالطبع التي شهدت جامعاتها وميادينها حرائق كبيرة للكتب.
50 مؤلفا لابن رشد التهمتها نار التعصب.. و100 مصحف بريشة أشهر خطاطي العصر العباسي صارت رمادًا
عبر التاريخ تسببت حوادث إحراق الكتب والدعوة ليها في ضياع تراث من الصعب إن لم يكن من المستحيل إعادته أو حتي معرفته، لأن من يحرق كتابًا هو بالتأكيد شخص لا يعي تماماً لقيمته أو مدي تأثيره في الإنسانية وهو دائما ما يسير وراء شعوره بالحقد والكراهية الذي يؤدي به للتخلص من كتب ربما وفر واحداً منها كثير من الكتب الحالية أو وصل مؤلفها إلي نظرية نحاول نحن حالياً الوصول إليها دون أن نعرف أنها اكتشفت من قبل، فقديما كانت شهرة العرب وتقدمهم بين أمم العالم وقتها بسبب العلم والمؤلفات الكثيرة والنظريات التي توصلوا إليها في كل العلوم ويكفي أن مقتنيات مكتبة بيت الحكمة التي دمرها المغول في العراق قدر بثلاثة ملايين مجلد كانت بالتأكيد ستغير كثيراً في تاريخ كل الإنسانية وليس العرب فقط، بل أن عدد الكتب التي تعرض للحرق في مكتبة سابور التي أسست عام 381 هجرية في بغداد تسبب في ضياع 10400 كتاب يقال إن من بينها مائة مصحف بخط ابن مقلة «أشهر خطاطي العصر العباسي»، وهي المكتبة التي ظلت تقدم خدماتها للقراء والعلماء لمدة 70 عاماً.وكان من المترددين عليها أبو العلاء المعري، أيضا خسارة كتب عالم بقدر ابن حزم وابن رشد الذي وضع أكثر من خمسين كتاباً في مجالات مختلفة أهمها شرحه لكتب أرسطو وتلخيصه، ويكفي أن علماء العصر الحديث يعتبرون ابن رشد تلميذا لأرسطو رغم الفارق الكبير في عصر كل منهما.
وحديثا تسبب إحراق الكتب في ألمانيا في ضياع الكثير من أعمال كبار الكتاب مثل فرويد وكورت توخولسكي وكارل ماركس، حيث فقدت بعض أعمالهم للأبد ولم تشفع المحاولات الحالية لكتابة وجمع هذه الأعمال مرة أخري في إنقاذ بعض هذه المؤلفات من الانتهاء تماماً.
حرق الكتب.. نهاية لأفكار «المتعصبين» وميلاد جديد لأصحابها
اختلف الأزمنة والظروف بين الشخصيات التي دعت لحرق الكتب لكنهم في النهاية متعصبون ولا يحملون وجهات نظر حول ما يدعون لحرقه، فجونز مثلاُ لا يعرف القرآن ولم يقرأه لكنه دعي لحرقه والتخلص منه في يوم 11 سبتمبر، فقط وكأنه يكيد للمسلمين وإن كان حرق القرآن لن يمثل في النهاية سوي أذي نفسي للمسلمين - فهو في لوح محفوظ ولن يقضي عليه -، فحرق الكتب القديمة مثل نهاية لأفكار أصحابها الذين لا نعرف شيئاً عنهم حتي الآن ولا عن أفكارهم سواء كانوا معجونين بالتعصب والجهل والغباء، وكذلك كانت شخصية الإمبراطور الصيني فهو لم يكن لديه ثقافة جديدة يريد نشرها لكنه كان يريد التخلص من كل ما جاء به سابقوه في الحكم أي أن غريزة التفرد- بلا شيء في الحقيقة - والكره لآخرين هي التي كانت تحركه وإلا ما قتل كل الكتاب والمؤلفين في كل أنحاء الصين وقتها، كره العلم والعلماء والخيانات الشخصية كانت محركاً رئيسا لحرق كتب ابن رشد وابن حزم فالخليفة المعتمد أحرق كتب ابن حزم بسبب خلاف نشب بينهما حول أمور سياسية والمنصور أحرق كتب ابن رشد بدعوي أنه ابتعد عن الدين وأن أفكاره مدمرة للدين وتبعد الناس عنه، أيضا كان التعصب في العصر الحديث هو الذي يحرك أتباع هتلر للتخلص من الكتب وإحراقها في ميادين ألمانيا وجامعاتها لأنهم كانوا يحرقون كل ما كان يعادي الفكر النازي في أفكاره.. لكن ورغم كل شيء مات هولاكو وهتلر وأصحابها من دعاة حرق الكتب وبقيت الكتب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.