حواديت وحوارات كرة القدم تذهب مباشرة إلي قلب المواطن المصري الذي يحب ويكره حسب ما يصيب فريقه المفضل من انتصارات أو انتكاسات بدون أن يعطي نفسه مهلة ولو قصيرة من التفكير والتدبير قبل إصدار الأحكام.. بل هو لا يملك أصلاً »نية« في أن يفكر بعيداً عن العاطفة والانتماء وأخيراً التعصب لدرجة أنه يرتكب خطأ أو حتي جريمة ثم يعتبرها سلوكاً طبيعياً يستدعي مساندة ومساعدة من النادي الذي ينتمي إليه وهو ما يحدث من الالتراس الذين يشيعون الفوضي في المدرجات والملاعب ويعتقدون أنها »كرنفالات« للاحتفال. ومن منطلق هذه الثقافة التي تربت في بيئة ملوثة بماء وهواء وغذاء التعصب.. ليس هناك أي بارقة أمل في أن يتفق العامة والخاصة علي مواقف أو ظواهر محددة.. فمن ليس معي هو ضدي ومن ضد خصمي هو معي.. وتتقلب العلاقة يومياً بين الجمهور والإعلام وبين الممارسين في أرض الملعب حسب قانون »معي وضدي«.. ولذلك ليس مطروحاً إلي يوم القيامة أن تأتي لجنة حكام لاتحاد الكرة لا تنال نصيبها من الهجوم والنقد والتهكم حتي ترحل في النهاية.. ولو نزل »ملك« من السماء ليدير منظومة التحكيم لن ينجح »الملاك« وسوف يرحل عائداً إلي السماء. ودليلي علي ذلك أن محمد حسام رئيس لجنة الحكام يحظي بإجماع عام بين الجماهير والإعلام والخبراء علي أنه مؤهل من النواحي الإدارية والفنية والأخلاقية مضافاً إليها زوال الأغراض الخاصة بدليل أنه لا يحصل علي راتب ورفض 02 ألف جنيه في الشهر يلح سمير زاهر علي أن يحصل عليها وحسام يرفض وكأن اتحاد الكرة لا يريد في »جبلايته« شخصاً لا تنكسر عينه أو أنه يملك فائضاً من الأموال يريد أن يصرفه في أي اتجاه وهو مصدر استغرابنا مثلما كنا نستغرب أن نسمع عن الولاياتالمتحدة التي ترمي فائضها من القمح في البحر بينما نصف شعوب العالم جائعة.. ورغم ذلك يأتي الهجوم علي التحكيم والحكام عنيفاً حتي أصبحوا متهمين ومجني عليهم في نفس الوقت. وببساطة شديدة ماذا يفعل محمد حسام وقد منح ثقته في حكم مباراة اتحاد الشرطة والمنصورة فإذا به يخترع حالة غريبة قريبة من النكتة، وماذا يفعل في مباراة الأهلي والمصري والحكم بجوار ضربة جزاء أحمد شديد قناوي بمسافة متر واحد ويتعمد ألا يحتسبها.. وهما تقريباً الحالتان اللتان قلبتا المائدة علي التحكيم.. لماذا؟.. لأن قبول أخطاء الحكام واجب لمن يفهم ويتابع ما يجري حولنا في العالم من أخطاء تحكيمية لا مفر من حدوثها ونحن نتعامل مع بشر.. إلا أن هذين الخطأين يثبت فيهما التعمد والقصد وهي الكارثة التي لا نتردد تجاهها في توجيه الاتهام مباشراً وصريحاً بفساد التحكيم لأنه لا يعدل بين الأقوياء والضعفاء وبين البسطاء وأصحاب النفوذ من أندية ومؤسسات ذات قوة ونفوذ.. ولذلك فإن ذكر هاتين الحالتين لا يعني أن فساد الذمة اقتصر عليهما ولو فتشنا في مباريات المسابقات المحلية بأنواعها المختلفة لوجدنا الخوف والمجاملة يمتدان إلي أندية أخري ومنها الزمالك طبعاً. وقد استمعت بإنصات شديد للصديق اللاعب السابق المهندس محمود المصري العاشق لكرة القدم وهو يشرح من ورقة في يده كيف نضبط إيقاع الحكام باستخدام قدر كبير من الثقة فيهم مثل أن يكون المهاجم مشكوكاً في تسلله ولا نحتسب التسلل لمجرد أنه سبق المدافع بمسافة محدودة جداً وضرورة أن يقنع الناس بأن هذه الحالات طبيعية وعندما يقتنعون لن تصبح هناك مشكلة لأن بعض الحالات يكون فيها المهاجم متخطياً المدافع برأسه أو ذراعه بفوارق بالسنتيمترات.. وتناول أيضاً كيفية أن يتعلم الحكم التعامل مع روح القانون.. وقلت له علي الفور إن هذا الكلام يمكن أن تطرحه في بلد غير مصر ومع جمهور غير الجمهور المصري الذي تربي علي أن يري فقط ما يخدم مزاجه وانتماءه وكثيراً ما ينضم إليه مثقفون ووسائل إعلام لا تري إلا ما تريد أن تراه.. فالحكم عندنا لا يستطيع أن يكون مرناً في تطبيق القانون إما لضعف شخصيته أو لقوة قهر الجمهور والإعلام والأندية..، وهو يريد أن يكون شجاعاً ولا يستطيع، وهو يهتم بتبرير أخطائه أكثر من اهتمامه بعدم الوقوع في أخطاء.. لأن الوقوع في أخطاء أحياناً ما يكون خروجاً من أزمة.. وهو يعرف مع رئيسه أن مقاومة حملة من الأهلي والزمالك ووراءهما الصحف والتليفزيون وغضب الجمهور نوع من الانتحار.. وبالتالي لابد من التوازن وتطبيق مبدأ التعويض والإرضاء وإذا تواجد هذا الخليط لا يمكن أن ينشأ تحكيم عادل نزيه إلا في حالات فردية كما هي عادتنا في كل المجالات يقرر فيها حكم ما أن يكون خارجاً عن الإجماع ومهتماً أكثر ببناء اسمه قبل أن يبني علاقة هادئة مع الأندية ولجنة الحكام والإعلام.. وهي طبيعة بشرية تتفاوت فيها درجة الذكاء لأن من يبني اسمه يستوعب في النهاية المتاعب التي يتعرض لها ثم يضحك أخيراً بمفرده فنراه انتقل من المحلية إلي العالمية. وتكون المصيبة كبيرة.. إذا افتقد التحكيم كل أركان العدالة والحماية.. فيستطيع الجمهور أن يهتف ويشتم ويستطيع الإعلام أن يتهكم وينتهك كل أعراف النقد، ويستطيع المدربون في الأندية »المفترية« أن ينزلوا الملعب ويتهجموا علي الحكام ويطالبوا باستبعادهم من المباريات.. وفي المقابل يستطيع الحكم أن يتقبل ذلك بثقة أنه أخذ بكل أسباب العدالة وينال كل وسائل الحماية.. لكن هذا لا يحدث بدليل أن مسئولين باتحاد الكرة معروفين للجميع يحاربون لجنة الحكام كل يوم لإضعافها ودفعها للاستقالة لدواعي »هايفة« جداً دائماً ما تتحدث في عموميات من سياسة اللجنة وأسلوب اللجنة والحقيقة أن هؤلاء يريدون حكاماً بعينهم ويناصبون حكاماً آخرين العداء وقد تطوعوا أن يتاجروا ويعبثوا بالتحكيم ولم يكن محمد حسام الخصم الذي يستطيع أن يسكت ويستسلم وهم غير مستعدين لاعتزال المساومة والمتاجرة والمجاملة، ولذلك يخرج الصوت عالياً من داخل اتحاد الكرة.. ولن يجد محمد حسام في النهاية بداً من الرحيل ليأتي رجل آخر يمر بنفس السيناريو حتي يأتي القرن الثاني والعشرين ونحن نقرأ في الصحف ونسمع في التليفزيون عن التحكيم الفاسد ولجنة الحكام الفاشلة.