».. كنا في الطفولة نحاول حمل مسئوليات ليست علينا.. واليوم نحمل مسئوليات فُرضَت علينا!« بعض الناس يعتقدون أن صيام رمضان يكفر عن الخطايا طوال العام، أو يمسحها مسحاً، ولذلك يعمدون - وإن كانوا طوال العام لا يقربون الصلاة - إلي المواظبة علي الصلاة في هذا الشهر الكريم، وكأنه الكفارة عما سلف من ذنوب، وبعض الناس يتحرجون من المعصية في رمضان، وإن كانت المعصية لهم في سائر الأيام ملازمة كالطعام والشراب! وقد عرفت من الناس، من ينقلب إنساناً آخر إذا أهل رمضان، مسبحة في يده، وتمتمة بالليل والنهار، وكف عن النفاق والرياء والنميمة والاغتياب! وقد روي لي بعض الأصدقاء أن واحداً من الناس كان ذا ثراء كبير فيما مضي من أعوام، فكان يقضي أربعة أشهر بين مواخير أوروبا وملاهيها، ثم يصوم رمضان ويحج إلي بيت الله الحرام، ويعتقد أنه بذلك أخذ حظه من الدنيا والدين، وأنه في رحاب الله من المؤمنين، وقد توفي بعد أن حج تسع مرات، ومثل هذا الرجل كثيرون ممن يعتقدون أن رمضان يخفف الذنوب، وأن الحج يمحوها مهما تثقل. كنا في طفولتنا نصوم تشبها بالرجال، من غير تكليف من الشرع والدين، ولايزال هذا حال الأطفال الآن، وكنا في طفولتنا نعتقد أن العفاريت والجن تقيد في رمضان، فلا تؤذي أحداً.. ولا أعرف ما إذا كان هذا الاعتقاد لايزال حتي اليوم، أم أنه أخذ طريقه إلي الزوال. وكنا في طفولتنا نحاول أن نبلغ بالسهر حتي السحور، لكي نثبت أننا قادرون عليه، ولكن هذه المحاولات سواء في الصوم أو السهر لا تلبث إلا قليلاً، بضعة أيام في أول الشهر، ثم ينصرف الأطفال عن الصوم وعن السحور والسهر! ما أحلاها ذكريات في رمضان، ذكريات الطفولة، حيث المسئوليات مرفوعة، ليتها تعود، ليت المسئوليات المرفوعة تعود، وليت المحاولات لبلوغ مبلغ الرجال تعود، ليتها تعود فترفع بقامتنا إلي قامات الرجال!! واليوم قد بلغنا مبلغ الرجال، ومال المغيب بنا ميلاً كبيراً، وأصبحت المسئوليات تثقل الكاهل، والقلب مفعما بالخوف والحذر. كنا في الطفولة نحاول حمل مسئوليات ليست علينا، واليوم نحمل مسئوليات فرضت علينا، كان السهر إلي السحور أمنية، واليوم أصبح السهر واجباً في العمل والكد والكفاح، نرجو النوم فلا يجيء، وكنا في طفولتنا نطرده إذ يجيء، إنها دورة في الحياة، الطفولة معبر إلي الصبا والفتوة والشباب، والشباب معبر إلي الرجولة، كنا في طفولتنا نضيق بالمسئوليات، نريد أن نتحملها فيذودونها عنا، واليوم نضيق بها، كان آباؤنا وأمهاتنا وذوونا يحملونها عنا، أما اليوم فمن يحملها غيرنا! إن مراحل من العمر لابد منها لكل من جاء إلي الحياة، ذنوب اقترفناها علي طول العمر، وأخطاء ارتكبناها، فهل الله عاف عنها أم إنه لم يعف عنها، ولم يبق إلا أن نسأله الغفران. سيظل رمضان لنا، رمضان الطفولة والصبا والشباب، مهما نبلغ من العمر، ومهما يجذبنا السير في طريق الحياة، فقد كان في مشرقها الضوء الذي رأيناها من خلاله، وكانت تسابيحه وأناشيده، إفطاره وسحوره، بعض الرؤي والأحلام الجميلة التي حفرت في القلب والوجدان، ما لا يمكن أن يمحوه شيء في الوجود، فهو غذاء الرحمة والفداء، وهو المعين الذي نلجأ إليه كلما أظلم الطريق، أو حاقت بنا من يمين أو يسار المتاعب والخطوب، ستظل الطفولة بكل ما حفلت به من السطر الأول الجميل في كتاب الحياة، ستظل المدخل إلي التجربة والفهم والعلم والإيمان والصبر علي المكاره، ستظل الضوء الذي لا يخبو والأمل الذي كان منه المشرق ومنه المغيب. تحية إليها في رمضان الكريم، وتحية إليها في غير رمضان، فقد كانت بجمالها قادرة علي أن تملأ الحياة كلها بالحب والإشراق. زهرة الخشخاش.. والمليون جنيه! الثلاثاء: المهندس نجيب ساويرس يستحق كل الشكر والتقدير لرصده مكافأة قدرها مليون جنيه لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلي إعادة لوحة زهرة الخشخاش.. وقد أكد بذلك علي حبه ووفائه وولائه لوطنه، وهذا ما أعلنه أكثر من مرة في مناسبات كثيرة، ويؤيد كلامه الاستثمارات الضخمة التي يقوم بتنفيذها في مصر لصالح التنمية، وكذلك الأعمال الخيرية العديدة التي يرعاها لصالح المواطنين غير القادرين، ورفع المعاناة عن الفقراء والمحتاجين، والمساهمة في توفير فرص العمل للشباب، وتعمير القري وتوفير المياه النقية. وقد صرح المهندس نجيب ساويرس بأنه قام بهذه المبادرة من منطلق حبه وإعزازه للوحة المسروقة مثل أي مصري غيور علي تراث بلاده، وأضاف أن أمله كبير في استعادة هذه اللوحة، ولعل المكافأة التي رصدهاه قد تساعد أجهزة الأمن علي الوصول إلي السارق. وبهذه المناسبة أطرح هذا التساؤل: لماذا لا يكون عندنا قانون يقضي بمنح كل موظف أو مواطن مكافأة مالية مجزية إذا أرشد أو كشف عن جريمة من جرائم الفساد، سواء كانت اختلاساً أو رشوة أو سرقة أو مخالفة للقوانين. والحماية هنا مقصود بها أموال الدولة وأموال الشعب، والمكافأة مقصود بها تشجيع المواطنين علي الإبلاغ عن هذه الجرائم والمخالفات. أرجو أيضاً - إذا وجدت هذه الفكرة قبولاً - أن يشمل هذا القانون مكافأة من يكشفون أو يرشدون عن تصرفات ليست رائدها الصالح العام، بل الصالح الشخصي خدمة لقريب أو محسوب أو تغطية لخطأ، أو إبعاد المسئولية، وهذه التصرفات ما هي إلا اعتداء علي حق المواطن وحق المصلحة العامة. وقد شكا لي بعض المواطنين أنهم لحقهم الأذي في أعمالهم بسبب تعقبهم لبعض المخالفات، والإبلاغ عن المخالفين، وينبغي ألا يضار أي مواطن لأنه حاول مخلصاً كشف فساد أو تلاعب أو تحايل، بل علي الدولة حمايته بكل الوسائل. زعيم.. لن ننساه أبداً.. الأربعاء: كان يوم 32 أغسطس الماضي يوافق ذكري وفاة المغفور له سعد زغلول منذ 17 عاماً، إن أبناء هذا الجيل ربما لا يعرفون عنه شيئاً إلا من خلال التاريخ، ولكن ما أكثر ما يجب أن يعرفوه حتي يستقيم في نفوسهم الخط الذي سارت فيه بلادهم، وروح الكفاح التي انبعثت في نفس رجل، فأشعلت شرارة ثورة. وقد يختلف الناس في تقدير ثورة سنة 9191، ويعدون عليها الأخطاء.. وما أكثر ما أخطأت، ولكن شخصية سعد زغلول تظل لامعة في تاريخ هذا الوطن، لا لأنه لم يخطئ، ولكن لأنه الزعيم الذي فصل الوطنية عن الدين، وأقام الحركة الشعبية علي مفهوم سياسي واضح لم يكن لا في حركة مصطفي كامل، ولا في حركة أحمد عرابي من قبله، وليس هذا انتقاصاً من أثر الحركتين في تقدم الوطن، ولكنه كم التطور والنمو التدريجي الذي بلور شيئاً فشيئاً مفهوم القومية، فنزعها من الاعتماد علي الدين أو الاعتماد علي دولة الخلافة، وأقامها حيث أصبحت مفهوماً قومياً خالصاً. ثم أن سعد زغلول استمد قوته من الشعب، وظل آخر حياته أميناً عليها، لم يفرط فيها، ويكفي أن ندرك قيمة سعد حينما نرجع إلي ظروف البلاد حينئذ: شعب ضعيف يضغط عليه الاحتلال من جانب، ومصالح الدول الأجنبية من جانب، ونرجع إلي حالة العالم حينئذ.. الاستعمار في عنفوانه.. وبريطانيا خارجة من الحرب العالمية الأولي منتصرة، ويبدو أنها كانت السلطة الدولية الوحيدة المسيطرة. إن عظمة سعد زغلول، من عظمة هذا الشعب، فلو لم يعطه القوة لما كان، ولو لم يستجب له ما استطاع التاريخ أن يذكر اسمه بين القادة الذين لم يؤثروا في وطنهم فحسب، ولكنه أثر في المنطقة كلها، فقامت ثورات في سوريا ولبنان والعراق والسودان. من حق سعد زغلول علي هذا الوطن أن يذكره اليوم، وأن يذكره أبداً كرائد من رواد الوطنية. النطق الخاطئ.. للغة العربية! الخميس: تعرض في التليفزيون بعض المسلسلات والمسرحيات باللغة العربية الفصحي، وهو اتجاه حسن، فإن طغيان العامية علي المسرح والسينما والمسلسلات بلغ حداً يجب التوقف عنده، والعودة إلي إيجاد شيء من التوازن بين العامية والفصحي. وأنا لا أدعو إلي أن تكون إحداهما وحدها لغة المسرح والسينما، ولكنني من أصحاب الرأي الوسط، ففي بعض الأحيان تكون العامية هي اللغة الأنسب، وفي أحيان أخري تكون الفصحي هي الأنسب، من ناحية تعميق التأثير وحسن الأداء. وليس هذا ما أردت التحدث فيه، ولكني أردت التحدث عن الأخطاء النحوية واللغوية التي يقع فيها الممثلون أثناء الأداء باللغة الفصحي، مما يدفعني إلي لفت نظر المشرفين علي المسرحيات والمسلسلات في التليفزيون والإذاعة إلي مراعاة الدقة في هذه الناحية، وإني لأسمع أحياناً أغلاطاً بشعة تفسد روعة التمثيل، وتؤذي أذن المشاهد. ومما لا شك فيه أن المشاهدين فيهم كثرة من المثقفين الذين يعنيهم أن يكون الأداء من الناحية اللغوية في مثل روعة الأداء من الناحية الفنية. هناك ما هو أهم، ذلك أن عدداً كبيراً من مشاهدي التليفزيون طلاب في المدارس يتلقون دروسهم في اللغة العربية، فماذا يكون شأنهم إذا سمعوا من الممثلين خطأ في النطق، فيهتز في أذهانهم ما تلقوه في المدارس أو يتساوي لديهم النطق السليم والنطق الخاطئ، هكذا يتعلمون ولو بالإيحاء، عدم العناية باللغة، وعدم الاكتراث بالصواب والخطأ، وأثر هذا وذاك ضار بمستقبل اللغة ضرراً بالغاً. توحيد مطالع الشهور الهلالية السبت: بمناسبة اقتراب شهر رمضان من نهايته، والاستعداد لاستقبال عيد الفطر، نأمل ألا يتكرر الخطأ الذي وقع في مستهل هذا الشهر الكريم، حيث أعلن بدء الصوم في بعض البلاد العربية في الوقت الذي كان فيه شهر شعبان لم يتم 92 يوماً في بلاد أخري، وإذا كنا ننادي بتوحيد مطالع الشهور الهلالية في البلاد الإسلامية التي يجمعها ليل واحد كما قرر علماء الفتوي، فإن وحدة المطالع ينبغي ألا تقتصر علي شهر دون شهر، وإنما تشمل شهور السنة جميعاً، وذلك حتي لا يحدث الارتباك الذي عانينا منه في شهر رمضان الحالي، ووحدة التوقيت الشاملة لجميع البلاد العربية، أمر يسير يمكن أن تضطلع به جامعة الدول العربية. بقي أن نقول إن اختلاف المطالع كان معروفاً في صدر الإسلام، فقد حدث في خلافة عمر بن الخطاب أن صام أهل الشام رمضان يوم الأحد، واستهل أهل الحجاز الصيام يوم الاثنين، ولم ينكر الخليفة الراشد هذا العمل، وبهذا الرأي أخذ الإمام الشافعي في مذهبه الشرعي، وخالفه جمهور الأئمة الذين نادوا بوحدة المطالع، ومن العسير أن نتمسك بوحدة المطالع في شهر رمضان وحده، ثم نختلف في سائر الشهور! وكل ما نرجوه أن يتحقق هذا، فنريح أنفسنا، ونريح الناس مما يقعون فيه، كلما أهل شهر صوم، وما نقع فيه من حيرة عند بدايته، وكذلك مطلعه عند الاحتفال بعيد الفطر المبارك.