لا يخفي علي أحد هدف وتوقيت العملية الفدائية التي راح ضحيتها أربعة من المستوطنين اليهود المشاركين في استعمار واغتيال الأرض الفلسطينية. بداية فإن العملية استهدفت تعكير صفو المفاوضات المباشرة وإرسال تحذير للمشاركين فيها وبالأخص إسرائيل ومن ورائها واشنطن المنحازة لها بأن لا سلام ولا أمن ولا استقرار مع إصرار إسرائيل علي استمرار سياسة الاستيطان. كما أراد القائمون بالهجوم أن يحذروا السلطة الفلسطينية المفاوضة من الاستسلام لضغوط وشروط إسرائيل والولايات المتحدة. ومع عدم إقرارنا لعملية قتل المدنيين الإسرائيليين إلا أن هذا يتوافق رغم ذلك ومبدأ »الغاية تبرر الوسيلة« وأن ما قام علي باطل فهو باطل باعتبار أن وجود هؤلاء المستوطنين في الارض الفلسطينية غير قانوني ويمثل عملا عدوانيا علي الفلسطينيين وحقوقهم المشروعة. إذن فإن مسئولية قتل هؤلاء المستوطنين لا يقع علي عاتق من قاموا به من الفلسطينيين وإنما يقع علي عاتق القائمين علي تبني سياسة الاستيطان وزرع هذا النبت الشيطاني في الأرض الفلسطينية. من المؤكد أنه ما كان يمكن أن يجري مثل هذا الهجوم لو أن سياسة إسرائيل اتسمت بالتزام العدالة والانصياع لقرارات الشرعية الدولية الصادرة بشأن الحقوق الفلسطينية. ان وجود هذه المستوطنات في قلب الأراضي الفلسطينية وعلي مرأي من أصحاب الأرض الحقيقيين تعد دعوة مفتوحة لهم للنضال والمقاومة لاسترجاعها. إن ما تقوم به إسرائيل ومستوطنوها ما هو إلا مدعاة لإثارة مشاعر كل فلسطيني في إطار ما تكفله المواثيق الدولية من حقوق لمقاومة الاحتلال والاستعمار. من المؤكد أن إسرائيل كانت ستكون في مأمن وفي غني تماماً من مثل هذه الهجمات لو أنها احترمت هذه المشاعر الفلسطينية وعملت علي تجنب عوامل اشعالها. لا يمكن بأي حال إقناع هؤلاء الفلسطينيين الذين دب فيهم اليأس من جراء ما تقوم به إسرائيل بوقف محاولات التعبير عن المقاومة والنضال ضد الاحتلال والظلم وعمليات التنكيل وإهدار الكرامة التي تقوم بها قوات الاحتلال كل يوم بل كل ساعة علي الأرض الفلسطينية. وهنا لابد أن أشير إلي تصريحات الرئيس الأمريكي أوباما خلال لقائه بالبلطجي نتنياهو والتي رد فيها علي عملية قتل المستوطنين في الضفة الغربية باعلان التزام امريكا بالحفاظ علي أمن إسرائيل. ليس خافيا ان هذا الهجوم بل الهجومان علي مستوطني الضفة الغربية من اليهود انما جاءا كرد فعل طبيعي علي تصريحات نتنياهو فيما يتعلق بامتداد أو عدم امتداد قرار تجميد الاستيطان الذي ينتهي مفعوله الصوري في الأسبوع الأخير من هذا الشهر. إن نتنياهو وفي إطار عملية توزيع الأدوار التي احترفتها وأجادتها كل حكومات إسرائيل يسعي إلي تكريس الاستيطان غير المشروع علي الأراضي الفلسطينية والمدان بقرارات الشرعية الدولية. انه يلجأ الي استخدام الحجج الواهية التي ترتكز علي تمثيلية المواقف المعارضة للاحزاب اليمينة في الائتلاف الحكومي. إنه يحاول اللف والدوران والاحتيال والخداع لمواصلة هذه السياسة الاستعمارية العنصرية رغم إنه يدرك أن كل ما يدعو إليه سواء بالنسبة للبؤر الاستيطانية الكبيرة أو الصغيرة هو إجراء يخالف كل القوانين والمواثيق الدولية والمتمثلة في قرارات الأممالمتحدة. ليس لهذه الممارسات من معني سوي حماية عمليات الاستيطان التي تقوم بها علي الأرض الفلسطينية ونشرها للمستوطنين المستوردين من كل أنحاء العالم فيها. من المؤكد أن اوباما قد خانه التوفيق في هذا التصريح وأنه كان الأجدي به لو كان عادلاً حقاً أن يقول إن ما حدث ما كان يمكن أن يحدث لو أن إسرائيل أنهت وجود مستعمرات الاستيطان بالأرض الفلسطينية. كان عليه أن يدين هذه السياسة الصهيونية في نفس الوقت الذي أدان فيه قتل هؤلاء المستوطنين الذين يعدون عقبة في سبيل إقرار السلام الشامل والعادل بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ان تبنيه لمثل هذه المواقف الشجاعة يمكن النظر اليها كفرصة لفتح الطريق أمام انجاح مباحثات السلام وفضح ادعاءات إسرائيل القائمة علي أن أمنها مرتبط بالتوسع والاستيطان وتمزيق الوجود الفلسطيني. إن كل المراقبين والمتابعين للتوترات والأحداث التي تسود منطقة الشرق الأوسط الحساسة يعلمون ويدركون أن إسرائيل وليس أي جهة أخري هي المسئولة عن هذه الحالة من القلق وعدم الاستقرار والتي تبشر بالأخطار الجسيمة.. إن عدوانية هذا الكيان وإصراره علي فرض السلام القائم علي الاستسلام والتوسع والاستيطان ليس أبداً لصالح السلام واستقرار المنطقة بما فيها إسرائيل ومن ورائها. إن نيران هذا التطرف الصهيوني الذي يدين بالعدوانية والرغبة المحمومة في الهيمنة والسيطرة علي المنطقة يؤدي إلي إشعال نيران الحقد والتطرف المضاد الذي سوف يمتد إلي كل أنحاء العالم إن عاجلاً أو آجلاً. لا جدال أن الشعور بالظلم وغياب العدالة هو بركان لابد أن نتوقع له الغضب والثورة في أي لحظة وفي أي وقت. إن الوسيلة الوحيدة لإخماد نيران هذا البركان هو السلام العادل والشامل.