يقول الكاتب الأمريكي: »جين هيك« في كتابه: »عندما تتصادم العوالم« [إنهّ بطبيعة الحال يمكن »شيطنة« أي دين من خلال عدم فهم شرائعه في سياقها الصحيح. ومن المؤكد أن الشرائع التوراتية الخاصة بالسعي لتحقيق الحياة التي تتسم بالتقوي والورع ليست أقل قسوة أو إرهاقاً أو تخويفاً من نظيرتها القرآنية، إلاّ أن الإسلام هو الذي يتحمل وحده وزر هذه القوالب الجامدة التعسة]. ويقدم الكاتب الأمريكي المسيحي الديانة أمثلة عديدة علي ماكتبه. يختار »هيك« من كتاب العهد القديم »التوراة« نسخة جمعية النشر اليهودية سطوراً تقول: [عندما تقترب من مدينة لكي تحاربها، أدعها للسلم. فإن كان ردها معقولا ودعتك تدخل، سوف يخدمك كل من فيها بالسخرة. وإذا لم تستسلم لك بل حاربتك، حاصرها. وعندما يسلمها لك الرب إلهك، اضرب جميع ذكورها بالسيف]. نفس الآية تكررت في العهد الجديد الكتاب المقدس: نسخة الملك جيمس مع تغييرات طفيفة في بعض الكلمات بعد ترجمتها. ومن القرآن توقف الكاتب »هيك« عند سورة الإسراء واختار الآية 61منها، وفيها: [ وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً]. ويعلٍق الكاتب علي الآيات الثلاث قائلاً إنه بالرغم من تقارب الأسلوب فإن أصحاب الأفكار المسبقة يقعون في وقت متزامن ضحايا في فخ الاقتباسات الانتقائية. فبينما يعتاد البعض مثلاً اقتباس النص الاشتراطي الجهوري في سورة الأنفال: [ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون. وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم] فإن هذا البعض يتجاهل الإشارة إلي أن هذا الحث الصارم يتبعه مباشرة النصح التالي: [ وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل علي الله إنه هو السميع العليم]. ويضيف الكاتب من أمثلة أخري قائلاً: إن هذا البعض مغرم باقتباس توجيه الله للنبي محمد صلي الله عليه وسلم فيما يتعلق بالمشركين في سورة التوبة، الآية (5):[ فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد] ولكنهم ينسون أن هذا النص الصارم يتبعه مباشرة ما يلي: [فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم. وإن أحد من المشركين استجارك فأجِره حتي يسمع كلام الله ثم أبلِغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون]. تعمد نسيان بقية الآية، من جانب هذا البعض، يعلق عليه المؤلف قائلاً: »وهم يتجاهلون كذلك حقيقة أن هذا النص علي وجه الخصوص كان مقصوداً به في المقام الأول قريش عدو المسلمين المشرك الأول حينذاك وكذلك أنصارهم في واحة يثرب، تلك المدينة المستهدفة لأن تكون مقر حكم الدولة الإسلامية الوليدة بمجرد احتلالها وتسميتها المدينة«. وينبهنا الكاتب إلي أن »يثرب لم تحتل، بل هاجر إليها النبي وأصحابه واستقبلهم أهلها من الأنصار الذين دخلوا في الإسلام ونصروهم وآخوهم وشاركوهم في كل ما يملكون«. و »انتقاء آيات قرآنية وأحاديث نبوية« والتمسك ب »إساءة فهمها« و »تعمد تحميلها بما يغاير الهدف منها« أساء إلي حقيقة الدين الإسلامي، واتهامه بما ليس فيه. ويشير الكاتب:»جين هيك« إلي أن هذا الموقف ليس مقصوراً علي العامة، وإنما امتد إلي ألسنة وأقلام عدد من الخبراء . فمثلاً.. المستشرق البارز »برنارد لويس« حكم علي الإسلام بأنه »دين عسكري محاربون متعصبون قاموا بنشر دينهم وشريعتهم بالقوة من خلال القوة المسلحة«، وهي الفكرة التي رددها عالم الاجتماع الألماني الشهير »ماكس فيبر«، كذلك وصف أشهر المتنبئين بحتمية صراع الحضارات: »صمويل هنتنجتون« الإسلام بأنه: »الدين الغارق وسط حدود دموية«! وتقوم هذه الخلافات علي تراكمات ضخمة عمرها ما يقرب من الألف عام. ويعيدنا كتاب »جين و. هيك« إلي إعلان البابا »أوربان الثاني« الخاص بالحملة الصليبية الأولي عام 5901 ووصف فيه المحاربين المسلمين بأنهم كفرة، برابرة ، وضد المسيح، ويحتلون أورشليم المقدسة »صرة العالم« التي ولدت فيها المسيحية داعياً إلي تحريرها وخلاصها. وفور انتهاء »البابا أوربان II« من خطبته التي ألقاها في مدينة »كلير مون« بفرنسا صاحت الحشود المجتمعة في صوت واحد مؤكد: (الرب يريدها). ولبي 150ألفاً من أحسن مقاتلي الرب من الإفرنج، والنورمانديين »نداء الصليب«، وقد سموا كذلك بسبب صورة الصليب التي كان كل مشارك يضعها علي ملابسه كوسام شرف رمزي. وهكذا ولدت الحملات الصليبية. وعن هذه الحملات يتساءل »هيك«: هل كان ذلك صراعاً دينياً حقيقياً، أم صراعاً ثقافياً، أم مجرد صراع يتسم بالتحيز الواضح وليد الجهل والتصوّر الخاطئ الذي ظل قائماً حتي يومنا هذا؟ ومن السؤال إلي إجابة تقول: [من المؤكد أن الأصوليين المتمسكين بالنصوص الحرفية للكتب المقدسة المسلمون والمسيحيون علي السواء الذين يتراوحون بين رجال الدين الجهاديين الأكثر حدة إلي القساوسة الأعلي صوتاً قد حولوه إلي صدام عالمي ل »ديانات التوحيد«. فمقابل رجال دين مسلمين يدعون إلي »موت الغرب الكافر«، كان هناك في المقابل رجال دين مسيحيين خاطبوا الإسلام والعرب باللغة المؤسفة علي نحو مماثل]. .. وللحديث بقية.