ما زالت الصدمات تتوالي منذ أن أعلن عن سرقة لوحة »زهرة الخشخاش« من متحف محمود خليل. فالحديث لا يتوقف عن اللوحة التي تمت سرقتها للمرة الثانية وعن لصوصها المجهولين، لينتقل تباعاً إلي الزيارة المهمة التي قام بها النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود والتي تكشفت فيها حقائق الإهمال الجسيم التي شكلت بدورها صدمة أخري كشفت بدورها عن العلاقات السيئة بين قيادات وزارة الثقافة، وكيف تحول البعض من الوفاء والولاء إلي القدح والسب، في حين تنكر البعض الآخر لمن كان يرعاهم ويدللهم ويعتني بهم، وفجأة تبدد هذا كله ليفسح مجالاً للكراهية والبغضاء والاتهامات المتبادلة! تدخل النيابة العامة في »الجريمة« والتحقيق مع المسئولين المهملين المتساهلين إلي جانب البحث عن المتورطين .. أثار فزع قيادات عديدة في المتاحف والوزارة المسئولة عنها. تابعنا الاتهامات المتبادلة بين مدير المتحف الحالي و وزير الثقافة، بنفس الدهشة التي تابعنا بها اتهامات وجهها مدير المتحف السابق للوزير الذي سبق أن أمر بطرده من منصبه! الكل يتهم الكل. الكبير يسحق الصغير. والصغير يحمّل الكبير المسئولية الأولي في الإهمال الجسيم الذي ساعد اللصوص علي سرقة اللوحة بسهولة لا نظير لها من قبل! والإعلام المصري مرئياً، ومقروءاً، ومسموعاً لا يستطيع تجاهل ما جري ويجري، وما قيل ويقال عن هذه »الفضيحة«: تحقيقاً، ونقلاً، ونشراً، وتعليقاً، وتساؤلاً. المسئولون كباراً وصغاراً.. وما بينهما أدلوا للإعلام بأقوالهم، و وزعوا علي ممثليه أدلة براءتهم و وقائع تربصهم بغيرهم. الحقيقة ما زالت غامضة، غائبة، ولن تحسمها في النهاية سوي نتائج التحقيقات التي أمر بها المستشار النائب العام، وتجري تحت إشرافه فور الانتهاء منها: غداً، أو بعد غد.. علي الأكثر. الرأي العام لم يجد في كل ما سمعه، وقرأه، وشاهده، إجابة مقبولة عن أسئلة رئيسية: من؟ و كيف؟ و لماذا؟ و بالتالي فإن الصدمة الكبري ما تزال قائمة، وتزداد هولاً يوماً بعد يوم، مع تزايد الإدانات وتفرّع الاتهامات والتصعيد في التعليقات. وسط كل هذا الإحباط، والحزن، والحسرة علي ما آلت إليه متاحفنا التي نتباهي بمقتنياتها، وروائعها علي امتداد العقود والقرون والعصور الطويلة الماضية قرأت اليوم الخميس سطوراً بارزة تتصدر الصفحة الأولي لصحيفتنا »الأخبار« عن »زهرة الخشخاش« وجدته مختلفاً تماماً عن كل ما قرأناه خلال الأيام العديدة عن كارثة سرقتها، وفي الوقت نفسه امتص كما أتصوّر قدراً من الإحباط مما حدث، لمست فيه بارقة أمل في استرداد اللوحة المسروقة. تقول السطور: [ رجل الأعمال المصري: »نجيب ساويرس« رصد مكافأة قدرها مليون جنيه لمن يدلي بمعلومات مؤكدة تؤدي إلي العثور علي لوحة »زهرة الخشخاش« للفنان العالمي »فان جوخ« والتي اختفت من متحف محمد محمود خليل يوم 21أغسطس الحالي]. رجل الأعمال الشهير نجيب أنسي ساويرس شخصية عامة، ويشارك دائماً في قضايا مجتمعنا المصري خارج نطاق أعماله الخاصة بحكم مصريته وانتمائه لوطنه. فاسمه يتصدر عادة قائمة المساهمين في العديد من المشروعات الخيرية، والثقافية، والعلمية، من أبرزها علي سبيل المثال المؤسسة التي أنشأها لمساعدة مئات من الشباب الباحثين عن فرص مواصلة تعليمهم الجامعي العالي، في أرقي جامعات أوروبا والولايات المتحدة، وفي تخصصات مميزة، نادرة، يحتاجها سوق العمالة المصري. وتبني »مؤسسة ساويرس« لهؤلاء النابغين لا يتوقف عند توفير فرص مواصلة الدراسات العليا في الخارج، وإنما يتيح لمن يطلب منهم فرص العمل في شركاته، وشركات والده أنسي ساويرس وشقيقيه:»ناصف« و »سميح«. وأتصوّر أن »نجيب ساويرس« صدم كما صدمنا جميعاً بعد اكتشاف سرقة لوحة »فان جوخ« من متحفنا المصري. كما أثق في أن صدمته تضاعفت مثلنا جميعاً عندما سمع، وقرأ، تفاصيل الإهمال الجسيم في حماية، وصيانة، وتأمين كنوز مصر داخل متاحفها. الفرق بين ردود أفعالنا لما سمعناه، وقرأناه وبين رد فعل »نجيب ساويرس« إننا عبرنا عن غضبنا، وسخطنا، وحزننا، وحسرتنا.. إلي آخره. أما هو »نجيب ساويرس« فلم يكتف مثلنا بالتعبير أو التهويل أو حتي التهوين، كما لم يشغل نفسه بتبرئة فلان، وإدانة علان، أو تغيير إدانته إلي تبرئة والعكس صحيح.. وإنما قرر أن يساهم ويشارك في جهود البحث والتنقيب عن لوحة »زهرة الخشخاش« ، بقدر ما يستطيع. وكالة الأنباء العالمية: »رويترز« بثت صباح اليوم الخميس تفاصيل قرار »ساويرس« برصد مليون جنيه مصري لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلي العثور علي اللوحة. وقدمت »رويترز« نجيب ساويرس بأنه:[أول رجل أعمال يشارك علناً في جهود البحث عن اللوحة التي تقدر قيمتها بنحو55مليون دولار]. فعلاً.. إنه أولهم.