تملكتني دهشة شديدة عندما تابعت التضارب في التعامل مع جريمة سرقة لوحة »الخشخاش« للفنان »فان جوخ« والتي لا تقدر بثمن. السرقة تمت من متحف محمد محمود في وضح النهار عيني عينك وفي غفلة بل أقول غيبوبة من رجال الحراسة ومن كل المسئولين داخل المتحف.. وبعد ساعات من اكتشاف اختفاء اللوحة التي تم اقتناصها بقطعها من بروازها بمطواة »كتر« أعلن الفنان فاروق حسني وزير الثقافة انه قد تم ضبط اللوحة المسروقة مع شاب وفتاة ايطاليين بمطار القاهرة ثم عاد بعد ذلك لينفي واقعة الضبط التي لا أعلم كيف تم توريطه في اذاعتها. وتواصلا لمسلسل التضارب تم الاعلان ايضا عن تحويل المسئولين عن المتحف إلي النيابة الادارية وهو اجراء يتنافي تماما وحجم الجريمة والذي كان يقتضي احالة القضية إلي النيابة العامة.. هذا الاجراء تم اتخاذه بالفعل بعد ذلك حيث تولي النائب العام المستشار محمود عبدالمجيد عملية المتابعة بنفسه وإصدر قرارات احترازية بمنع وكيل أول وزارة الثقافة و8 من العاملين بالمتحف من السفر كما قرر وزير الثقافة وقفهم عن العمل. التحقيقات الأولية كشفت عن اهمال جسيم في تأمين المتحف وصل إلي حد الضياع الكامل وعدم المبالاة. لقد تبين للنيابة من عملية المعاينة وجود حالة من عدم المبالاة بتوفير الحد الادني من المراقبة لمحتويات المتحف وهو ما تجسد في تعطل معظم الكاميرات التي تتابع حركة الزوار. جاء في تقرير النيابة أن 36 كاميرا من 43 كاميرا مخصصة لهذه المهمة لا تعمل وأن السبع الباقية كفاءة غير كاملة. كيف بالله يمكن ان يحدث هذا وهو ما يؤكد ان عملية السرقة وفي وسط غفلة الحراس لم تكن تحتاج أبدا إلي أي عبقرية مثل التي نشاهدها في أفلام السينما. الشئ المؤكد ان اللصوص كانوا علي علم ان أجهزة المراقبة معطلة وإلا ما كانوا قاموا بإتمام جريمتهم بهذه السهولة الغريبة. إذن ووفقا لهذه المعلومات الاولية فإن جريمة سرقة لوحة الخشخاش الشهيرة تحمل في حقيقتها جريمتين اساسيتين.. أولاً: واقعة السرقة نفسها. وثانيا:ً جريمة الاهمال الجسيم في تأمين هذا المتحف الذي يضم تحفا بملايين الدولارات تمثل ثروة قومية رغم انه قد سبق ان تعرض لمحاولات سرقة سابقة. كيف بالله يمكن ان يحدث هذا الذي جري وهو ما يجعلنا نتساءل أين كان المسئولون في وزارة الثقافة والمسئولون عن ادارة المتحف وحمايته عندما تعطلت كاميرات المراقبة التي لا تتجاوز تكلفتها جميعا ما يساوي واحد علي خمسين من القيمة المادية للوحة. الاسوأ من ذلك ما سجله تقرير النيابة العامة الذي تضمن أن المراقبة شكلية وان محاضر الاثبات اليومية لمقتنيات المتحف وهمية. هذه الوقائع تؤكد غياب الانضباط الأمني والإداري وعدم تقدير للمسئولية من جانب جميع المسئولين عن العمل بالمتحف. ان اخشي ما اخشاه ان تكون النفوس الضعيفة بين هؤلاء العاملين قد شارك في هذه الجريمة بشكل مباشر أو غير مباشر. كان من الطبيعي ان تعكس خطورة الجريمة وجود انفلات أمني وإداري خطير في تأمين هذه المواقع الفريدة ذات القيمة التي لا تقدر بمال. هذا الأمر جعل الرئيس حسني مبارك يبدي اهتماما بالغا بالتحقيقات الجارية وفقا لما جاء علي لسان وزير الثقافة. كم أرجو ان تكون مجريات هذا الحادث المثير دافعا لنا لمواجهة اجراءات تأمين المواقع المماثلة والتي تضم ثروات قومية وانسانية يسعي اللصوص المتخصصون والتجار المتمرسون في الاستيلاء عليها. ان ما يفزعني حقا ان تكون هذه السرقة اضافة جديدة للعديد من السرقات التي تعرضت لها هذه الثروات لتصبح من مقتنيات المتاحف العالمية وبيوت الاثرياء من هواة التحف المسروقة. جلال دويدار [email protected]