إن تقدم الإنسان في فكره أدي إلي تطور في كل مجالات الحياة ، ولا سيما مجال التعليم فهو رمز نجاح كل أمة ومخرجات التعليم باتت ضعيفة لا تنتج عقولاً مبتكرة نتيجة خلل في أنشطة التعليم، فلم يعد التعليم والثقافة العامة والإعلام والفن وممارسة الأنشطة العلمية مرتبطًا بسنوات الدراسة أو بمكان المدرسة المُغلق للمتعلم بالمناهج والامتحانات والدرجات والشهادات ، بل أصبح التعلم عملية مستمرة من المهد إلي اللحد . ومن ثَمَّ أصبح من اللازم أن يكون للمتعلم حسًا معرفيًا - بالممارسة الذاتية- عن طريق القراءة وإجراء التجارب والأبحاث ، ولذلك فلا بد من الاقتناع بالحقائق العلمية وليس مجرد حفظها عن ظهر قلب ، ولا شيء يؤدي إلي الاقتناع إلا الممارسة الذاتية للأنشطة العلمية الحرة واستمتاع التلميذ بتكوين الخبرة الذاتية بالعمل اليدوي والتعرف علي الحقائق العلمية بنفسه كيف تعمل ؟ ولماذا ؟ ومتي اكتشفت ؟ ومن اكتشفها ؟ وكيف اكتشفها ؟ إلي غير ذلك من الأسئلة التي تقفز إلي خياله ولا يجد لها إجابات مقنعة وعملية داخل البيئة المدرسية المغلقة.. ولذلك كان لابد من تحويل بيئة المدرسة إلي بيئة علمية مفتوحة متنوعة المثيرات انطلاقًا من أن النمو عملية تتكامل فيها جميع الجوانب العقلية والوجدانية والجسمية والاجتماعية ضمن وحدة كلية حالية وزمنية معًا . ويستطيع فيها التلميذ الحصول علي أي منتج أو تجربة تمثل حقيقة علمية والتدريب عليها ويكون باستطاعته فكها وتحليلها وتركيبها ليستكشف الحقائق العلمية بنفسه وبشكل تجريبي ويصبح قادرًا علي تطبيق أفكاره في الواقع . إلي جانب توفير أنشطة علمية متنوعة داخل هذه البيئة تشبع احتياجات الأطفال المختلفة وفي الاتجاه الذي يرغبونه ، ويدفعهم إلي التجديد والابتكار والشغف بالعلم وممارسة الأنشطة العلمية المتنوعة والتدريب علي الابتكار وتنمية التفكير الابتكاري للأطفال داخل هذه البيئة منذ الصغر يعد أول خطوة لتكوين جيل المبتكرين والعلماء.. والقدرات الابتكارية موجودة عند كل الأفراد بنسب متفاوتة ، وهي بحاجة للإيقاظ والتدريب كي تتوقد ، وتحتاج بالضرورة إلي التدريب عليها في سن مبكرة، معتمدة علي تحرير العقل وأن النمطية في النشأة الأسرية والأساليب التعليمية ، توقف أو تعوق تلك القدرات ولا تؤدي إلا إلي إعداد أفراد يمتازون بنمطية ومحدودية الفكر والإنتاج غير قادرين علي الإنتاج المتنوع والجديد الذي تحتاجه تنمية المجتمعات الشاملة . ولذلك ينبغي أن نهيئ الفرصة للتلاميذ كي يتعلموا ويفكروا ويكتشفوا ، دون ما حاجة إلي التقويم الذي يخيفهم ، وإذا ما أردنا أن نعلم التلاميذ التفكير الابتكاري ، فيجب علينا أن نتعلم كيف نكافئهم عندما يبتكرون ، وذلك بحصولهم علي درجات وامتيازات تبرز تميزهم ومواهبهم وتفوقهم عن أقرانهم من التلاميذ محدودي القدرة ومستواهم التعليمي ضعيف . والطفل الصغير مبتكر بدرجة كبيرة ، وله ميل طبيعي لأن يتخيل ويجرب ويستكشف بيئته المادية والتصورية ، وأن ينتج منتجًا ابتكاريًا ، ومع ذلك لا تتم مساندة هذا المستوي من الابتكار منذ الطفولة نتيجة تدني مستوي المعلمين وضياع الضمير وإهمال الشرح في الفصل المدرسي وإنتشار الدروس الخصوصية وإنغلاق البيئة المدرسية علي نفسها بالمناهج العقيمة التقليدية ونظام الإمتحانات الذي لا يقيس إلا ثقافة الذاكر ولا يقيس القدرات الابتكارية والموهبة عند التلاميذ . ولذلك فمن الأهمية توفير الظروف التي تهيئ للمتعلم المرونة والخيال والحرية الانفعالية السيكولوجية، وتشجيع الاستطلاع واكتشاف ألعاب الخيال. والانفتاح علي المثيرات الجديدة والاتجاهات والعناصر الجديدة والقدرة علي الاستقبال.والظروف التي تهيئ للتلميذ الوعي الحسي والاستجابة المتزايدة للألوان والأصوات والأشكال.