اعتقلته السلطات العسكرية الأمريكية ليس بصفته آخر وزير بترول عراقي قبل سقوط نظام صدام حسين، وإنما للتحقيق معه عن دوره في تصنيع، أو تكديس، ما يسمي ب »ترسانة أسلحة الدمار الشامل« في العراق. بعد شهور، وسنوات، من التحقيقات والاستجوابات.. انتهي المحققون الأمريكيون إلي أن وزير البترول العراقي »راشد العبيدي« لا علاقة له بحكاية »أسلحة الدمار الشامل« أكثر من أنها كانت تمثل بالنسبة له، ولغيره مجرد حلم يترك للتمني! وأوصت لجنة التحقيق الأمريكية بالإفراج عن »العبيدي« لعدم الحاجة إليه محبوساً في السجن الحربي! رغم توصية لجنة التحقيق، إلاّ أن آخر وزير بترول في عهد صدام حسين ظل قابعاً في زنزانته حتي اليوم، وذلك بناء علي رغبة، وإصرار، العديد من كبار المسئولين العراقيين الحاليين! قيل أن الرجل يعرف أكثر مما ينبغي، خاصة أسرار، وفضائح، صفقات برنامج ال »نفط مقابل الغذاء«، وبالتالي يجب ألاّ يسمح بإطلاق سراحه حتي لا يفضح شخصيات عالمية سابقة أو حالية خاصة في روسيا، وفرنسا، والولايات المتحدة، وبريطانيا، واستراليا، والهند، .. وغيرها. ويري البعض أن الدول الأجنبية المعنية ليست في حاجة لمعلومات وزير عراقي سابق، وسجين، عن تورط بعض مسئولي هذه الدول في الصفقات » النفط مقابل الغذاء« المشبوهة. فقد سارعت هذه الدول إلي فتح ملفاتها، وإحالة المتهمين فيها إلي التحقيق من بينهم: رؤساء دول، و وزراء، و رؤساء حكومات، و رؤساء لجان برلمانية، ومستشارون في أي شيء.. وكل شيء ويري البعض الآخر أن المسئولين العراقيين الحاليين لا يضيرهم فضح بعض الشخصيات الأجنبية التي ترددت أسماؤها في ملفات تلك الصفقات، وعلي العكس من ذلك فإن من مصلحة هؤلاء المسئولين العراقيين الحاليين أن يشجعوا وزير البترول في العهد البائد »راشد العبيدي« علي إفراغ كل ما في ذاكرته من أسماء وأسرار وأرقام وربط أصحابها بفساد عهد صدام حسين.. لكن الغريب والعجيب أن قرار عدم الإفراج عن »العبيدي« والإبقاء عليه صامتاً داخل الزنزانة، صدر عن المسئولين العراقيين الحاليين أنفسهم! في التقرير المنشور منذ أيام للخبير الأمني والاستراتيجي »تشارلز دولفر« الذي شغل منصب نائب رئيس اللجنة التي شكلها مجلس الأمن في التسعينيات للتأكد من التزام الرئيس العراقي آنذاك بتدمير ترسانة أسلحة الدمار الشامل يؤكد أن حرص المسئولين العراقيين الحاليين علي استمرار صمت السجين الذي يعرف أكثر مما ينبغي، ليس راجعاً إلي »مثالية« في علاقة الحاليين بالسابقين، ولا »احتراماً« للزمالة والعشرة القديمة.. وإنما السبب الوحيد لهذا الحرص يرجع إلي أن وزير النفط السابق، والسجين الحالي، يعلم الكثير، والخطير، من المعلومات عن تورط عدد لا بأس به من المسئولين العراقيين الحاليين كباراً، وصغاراً في ملفات صفقات النفط مقابل الغذاء! وجاء في تقرير »تشارلز دولفر« أن لقاءاته العديدة مع السجين »راشد العبيدي« أقنعته بصدق ما يقوله من معلومات تابعها وعايشها بحكم منصبه كوزير للنفط في آخر حكومة لصدام حسين. فقد كان مسئولاً فقط عن تنفيذ كل صفقات برنامج »النفط مقابل الغذاء«. أما التوجيه إليها، وإصدار الموافقات عليها، فكان مقصوراً علي الرئيس صدام حسين شخصياً، أو علي »مجموعة الأربعة« الممثلة في كل من :»عزة إبراهيم الدوري«، و »علي حسن المجيد«، و»طه ياسين رمضان«، و»طارق عزيز«. وكشف »راشد العبيدي« في إجاباته علي أسئلة »تشارلز دولفر« عن أسماء الشركات المحلية والخارجية التي حصلت علي أكبر الصفقات في برنامج النفط مقابل الغذاء،علي رأسها شركة عراقية سميت: »آسيا كومباني« حظيت بنحو 11مليون برميل، خلال الفترة من مايو 1999حتي يناير2003. المذهل أن رئيس هذه الشركة المحظوظة هو نفسه زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني :»مسعود برازاني« الذي قيل أنه كان يعادي صدام حسين ويعتبره عدواً له! من أجل الحفاظ علي سمعة وتراث »البرازاني« والعديد غيره من الحكام الحاليين، كان لابد من الإبقاء علي »العبيدي« سجيناً لأجل غير مسمي، لم يجدوا مبرراً لذلك سوي »إستخدام« النظام القضائي في بلادهم لإعداد »قضية« مفككة الأركان، ضد وزير النفط السابق وأعوانه ووجهت إليهم اتهامات خطيرة من بينها:»إهدار ثروة البلاد النفط في تحقيق منافع شخصية، وأدي ذلك إلي ضياع أموال طائلة حرمت منها تنمية الاقتصاد العراقي«. الاتهام مخيف.. تطلب إخضاع »راشد العبيدي« لسنوات مفتوحة من التحقيقات، والاستجوابات، والبحث، والفحص، والتنقيب.. عن إفادات لشهود كثر، منهم من هربوا من البلاد، ومنهم أيضاً من ماتوا وشبعوا موتاً في قبورهم!