ليس من تفسير للموقف السلبي من عدم اعادة النظر في اسعار فائدة الودائع في البنوك في ظل تصاعد معدلات التضخم سوي العمل علي دفع المودعين خاصة الصغار منهم الي استثمار اموالهم في البورصة وفي العقارات. وهو الامر الذي اصبح يتسم بالمغامرة التي لا يتحصلون من ورائها في الغالب سوي علي الخسائر والمزيد من المعاناة في حياتهم. هذه السياسة التي هي لصالح المستثمرين لضمان حصولهم علي قروض باسعار متدنية لتتضاعف من وراء ذلك ارباحهم الفاحشة الناتجة عن بيع منتجاتهم بأسعار استغلالية. والملاحظ هنا ومن واقع البيانات فان هذه القروض يتم توجيهها لتمويل صفقات المستوردين وهو النشاط السائد إعمالا لمبدأ اخطف واجري بينما في نفس الوقت يعاني المستثمرون الصناعيون الذين يتيحون الملايين من فرص العمل في مصانعهم من القيود التي تفرضها البنوك علي اقراضهم مما يجعل بعضهم يفكر في وقف النشاط. يحدث هذا في الوقت الذي تتعالي فيه شكاوي هذه البنوك من تخمة السيولة المالية الناجمة عن تزايد الودائع وارقام الفوائد التي تدفعها. وكالعادة فقد اصيب اصحاب ودائع البنوك بخيبة امل اصبحت متكررة نتيجة عدم اقتناع البنك المركزي بالتفكير في رفع سعر الفائدة وهو ما حدث بالفعل في آخر اجتماع للجنة السياسات النقدية. كانت حجة اللجنة في عدم الخضوع لبيانات ارتفاع معدلات التضخم لتصل الي قرب ال 11٪- خاصة في الشهرين الأخيرين- اتاحة الفرصة امام التوسع في المشروعات الاستثمارية دون ان تضع في اعتبارها مصالح المودعين الذين يتعرضون لتآكل مدخراتهم وفقدان لقيمتها.. ان هؤلاء المودعين يشكون من غياب أوعية جديدة لاستثمار مدخراتهم في مشروعات مجدية للاقتصاد الوطني. انهم يتعرضون لمعاناة شديدة خاصة وان معظمهم يعتمد علي عائد الفوائد التي يحصلون عليها لسد نفقات الحياة اليومية التي تتزايد نتيجة ارتفاع اسعاراحتياجاتهم. وبالطبع فانه ليس من هدف لاستمرار هذه السياسة سوي اجبار هؤلاء المودعين الي المقامرة بمدخراتهم في سوق العقارات وبورصة الاسواق المالية. هذا يؤدي الي تنشيط المضاربات وما يترتب عليه من ارتفاعات غير واقعية لاسعار الاراضي والمباني والاسهم مما يعود بالاقتصاد الي دائرة النمو المزيف القائم علي التسعير غير الحقيقي الذي لا يتفق مع مستوي المعيشة العام. وهو الامر الذي يقود الي مزيد من التضخم. ويري بعض خبراء الجهاز المصرفي ان لجوء البنك المركزي الي تجميد اسعار الفائدة انما يعود الي الرغبة في مواجهة الارتفاعات المتوقعة في اسعار السلع الاستهلاكية الرئيسية وفي مقدمتها القمح وباعتبار ان الزيادة في سعر الفائدة يمكن ان يساعد علي مزيد من التخضم. ولا يمكن تبرئة البنوك من مسئوليتها عن هذه المشكلة التي تواجه صغار المودعين والذين يمثلون عصب الاقتصاد في كل دول العالم. ان هذه البنوك مازالت عاجزة عن السعي لطرح المساهمة في اضافة مشروعات كبيرة ومجدية اقتصاديا مستغلة في ذلك ما تملكه من سيولة مالية يتم تجميعها من هذه الودائع. ليس أدل علي هذا العجز من اتجاه معظم البنوك الي تمويل المشتريات الاستهلاكية كالسيارات وغيرها. المفروض ان يمثل توافر السيولة المالية لدي البنوك من هذه الودائع نعمة لتعظيم نشاطها في خدمة الاقتصاد الوطني وزيادة ارباحها من خلال قيام الخبراء والمتخصصين بدراسة سوق الاستثمار والوسائل الكفيلة لاستثمار هذه السيولة الضخمة لدي هذه البنوك والتي تؤدي فوائدها الي انخفاض وتآكل أرباحها. ليس جديدا القول ان هذه هي من اساسيات المسئولية التي يجب ان يقوم بها البنك المركزي في متابعة وتوجيه البنوك الي الطريق الذي يحقق صالحها وصالح الاقتصاد الوطني.