أما الاوكازيونات، فحدث ولا حرج حيث يستغل البعض موسم الاوكازيون ليطرح سلعاً من الذي اتفق علي تسميتها فرز ثان أو تلك التي شابها عيوب في الإنتاج مقابل تلك الأسعار المخفضة حيث يشمل هذا السلوك المعيب كافة السلع باستثناءات محدودة كما لو كان الإنسان لا يستطيع ضميره المهني أن يخفض الأسعار دون أن ينتقص منها بحسابات جودة المنتج متناسياً أن منظومة الجودة المستقرة في الدول الصناعية والتي نعمل علي اللحاق بها ترفض طرح أي إنتاج معيب بالأسواق إذ أن الصانع ينظر له علي أنه خبير الجودة الأول المتخصص والذي يعمل لصالح المستهلك دون شبهة تلاعب من اي نوع . نسوق من الأمثلة في استحياء مثال إقامة الحفلات بأبعادها المختلفة سواء في حفلات الزفاف أو الاحتفالات الأخري حيث يتمسك المطرب أو الراقصة باقتضاء أضعاف الثمن الذي يقتضيه من المصري من صاحب الحفل العربي الجنسية. وكم رأينا من خلافات احتدمت عندما يكتشف المطرب أو الراقصة أن العريس ذو لهجة عربية تشابه اسمه مع الأسماء المتداولة في مصر وقد ينتهي الأمر إلي الانسحاب من الحفل ما لم يتم توريد فرق القيمة عداً ونقداً في التو واللحظة . أما إذا انتقلنا لمجال أسمي من الرقص والطرب فلنا أن نمر علي محطة العلاج في مصر وهي مهنة تعلو الكثير من المهن الأخري لارتفاع مكونها الأخلاقي والإنساني عن باقي المهن . فكيف يستقيم مع ما أوردناه من وصف بأن يعمد كثير من الأطباء إلي اقتضاء أتعابهم سواء كانت كشف أو جراحة أو علاج بأسعار يساوون فيها بين الجنيه والدولار عددياً بمعني مضاعفة الأسعار المتعامل بها مع المصريين إلي خمسة أضعافها في حالة أداء نفس الخدمة للعرب والأجانب.. وقد نسمع في تبرير ذلك كلاماً كثيراً بعضه يدعي أن الطب مهنة اقتضت من الأطباء التفرغ التام لها طوال عمر الطبيب الذي عليه أن يحيا عمره كله دارساً وباحثاً ومعالجاً دون توقف كما أن الموهبة التي أوصلته لمكانته المرموقة لها تكلفتها المادية والمعنوية مقيسة بحسابات العمر. وإذا أردنا أن ننظر في الأمر رغم اختلاف مضمون كفتي الميزان فسنقول أن الموهبة هي من عند الله أخذها مجاناً وبالقطع ليس ليحتفظ بها لنفسه وإنما ليفيد بها الناس ويعلي بها من شأن الطب ، وهذا هدف أسمي يعلو ما دونه من أهداف كما أن قضيتنا ليس في مطالبته بأن يعمل مجاناً وإنما في أن يساوي بين المرضي دون تفرقة بين جنسياتهم وإن كان له أن ينحاز للفقراء فيعالج بعضهم من باب الثواب بكل ما يعنيه ذلك من قيم نفسية وروحية وأيضاً دينية . سأتوقف عند هذا الحد منتهياً إلي أن مثل هذه السلوكيات التي ليس لها مسمي آخر إلا إضافة عشوائيات جديدة لحياتنا في وقت لا يسمح فيه المجال لأي عشوائيات إضافية خاصة وأن هذا المسلك الذي ننفرد به ليس له مثالاً يشابهه في أي من الدول ذات الاقتصاديات الناهضة والمستقرة والتي نسعي للتعاون معها من واقع المساواة والندية في المفاهيم والجدية وأيضاً في حرصها علي استقرار الأسواق. كل الأمثلة التي أوردتها في المقال تمثل تشوهات في نظام التسعير في بلدنا، وهي تشوهات طاردة في بعض الأحيان، الأمر الذي يستلزم استئصالها والقضاء عليها تماماً. إن نظام الاقتصاد الحر لا يفسح مجالاً للتدخل في أسعار السلع والخدمات إلا فيما ندر مما تستوجبه الحاجة، إلا أن هذا النظام لا يستبعد البحث عن وسائل ايجابية لتلافي تشوهات الأسعار حرصاً علي سلامة الكيان الاقتصادي بأكمله . ولاشك أنه يجب علي أي نظام يسن لتنظيم السوق الداخلي يجب أن يتطرق إلي هذا الخلل الخطير المتمثل في "ازدواجية " الأسعار وهو أمر أساسي لتوفير نظام فعال للرقابة وضمان حق المواطن الذي يعيش علي هذه الأرض الطيبة، خاصة وأن هذه الازدواجية لا تستند علي أية عوامل اقتصادية، وإنما تقوم علي مجرد البعد الجغرافي أو جنسية المستهلك في داخل حدود الدولة الواحدة . وهنا يجب ألا نتناسي أن تصحيح " تشوهات " و"ازدواجية " الأسعار ركيزة أساسية في الإصلاح المجتمعي الذي يتكامل مع الإصلاح الاقتصادي لبناء مصر الحديثة . ومؤدي هذا أن الأمر يستوجب تضافر كل الجهود للوصول إلي الصيغة المثلي , وبالتالي فإن المجتمع المدني مطالب بالمشاركة الايجابية سواء من خلال الغرف التجارية والسياحية أو جمعيات حماية المستهلك أو غيرها.إن الأمر قد يبدو صعباً للبعض، إلا أنه في حقيقته لا يتعدي تراجعاً سهلاً عن الخطأ والسير قدماً في طريق الحق والصواب .