علي الرغم من صدور قرار مجلس الأمن بفرض مجموعة رابعة من العقوبات علي إيران بسبب استمرارها في تخصيب اليورانيوم ورفض وقف التجارب النووية وتفتيش وكالة الطاقة الذرية لمنشآتها النووية تعهدت إيران بمواصلة أنشطتها في هذا المجال وحذرت من انها قد تخفض تعاونها مع الوكالة الدولية في الوقت نفسه هاجم الرئيس الإيراني مجلس الأمن واعتبره أداة قمع في أيدي القوي العظمي، وتمثل الحزمة الرابعة الجديدة من العقوبات حظرا كاملا علي الأسلحة ومنع استثمارات جديدة في قطاع الطاقة الإيراني والتشديد علي النقل والتمويل، وكانت الحزم الثلاث من العقوبات التي قررها مجلس الأمن الفترة 6002/8002 قد تضمنت المزيد من التضييق الاقتصادي في مجال التبادل التجاري والحصول علي التكنولوجيا وعلي القروض من مؤسسات مالية دولية ومنع سفر شخصيات إيرانية إلي الخارج، إلا ان هذه العقوبات لم تجد في وقف أو إلغاء البرنامج النووي الإيراني الذي تؤكد إيران انه سلمي ولا يحمل في طياته أي أغراض عسكرية. وعلي الرغم من أن تنفيذ هذه العقوبات يرتبط بمدي التزام الدول بهذا التطبيق إلا انها تهدف في النهاية إلي التخفيف من سرعة تخصيب اليورانيوم مما يسهم في تأخير البرنامج النووي لعدة سنوات، إلا ان إيران أعلنت ان هذه العقوبات لن تغير سلوكها بل انها تهدد باخفاء برنامجها النووي عن الرقابة الدولية من خلال وقف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فهل هذه العقوبات أو الجزاءات حتي لو كانت رادعة تجبر إيران علي تغيير موقفها في المضي في برنامجها النووي؟ ان فكرة الجزاءات الدولية ظهرت بمناسبة التحريم الدولي لاستخدام القوة المسلحة في فض المنازعات الدولية فقد ألغي ميثاق الأممالمتحدة حق الدولة في إعلان الحرب أو اتخاذ موقف الحياد إذ ذكرت الديباجة صراحة بألا تستخدم القوة المسلحة في غير الأغراض المشتركة لأعضاء الأممالمتحدة، كما نصت المادة الأولي علي ان من مقاصد المنظمة الدولية حفظ السلم والأمن الدوليين وذلك باتخاذ التدابير المشتركة الفعالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم ولازالتها وقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الاخلال بالسلم والتذرع بالوسائل السلمية وفقا لمباديء العدل والقانون الدولي لحل المنازعات الدولية التي قد تؤدي إلي الاخلال بالسلم أو لتسويتها. ونصت المادة »93« من الميثاق علي ان مجلس الأمن يقدم توصياته ويقرر اتخاذ التدابير الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية في حالات ثلاث هي تهديد السلم والاخلال بالسلم والعدوان وهي عبارات غامضة إذا عقدنا مقارنة بين معانيها وبين المقصود بتعريض السلم للخطر الذي نصت عليه المادة »43« لان لهذه التفرقة أهمية كبيرة لانه سيترتب علي وجود التهديد أو الاخلال ان يمارس مجلس الأمن سلطاته التي تشكل اتخاذ تدابير في مواجهة الدول التي خالفت التزامها بعدم استعمال القوة لحل الخلافات الدولية أو التهديد باستعمالها. فإذا اعتبر مجرد حوزة الأسلحة النووية أو حتي إقامة برنامج نووي بهدف تحقيق اغراض عسكرية من الأسباب التي تهدد السلم فان فرض العقوبات غير العسكرية »التدابير المانعة« التي تتمثل في وقف الصلات الاقتصادية وغيرها من الجزاءات علي الدول التي تمتلك فعلا السلاح النووي الأولي بتطبيق الجزاءات عليها، ولكن الأوضاع سارت في غير هذا الاتجاه القانوني السليم، فهذه الدول ليست أطرافا في معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية »8691«، ولذلك تكون في منأي عن التفتيش الدولي بينما تتعرض الدول الاطراف للتفتيش علي الرغم من ضعف الضمان الدولي المقابل لنزع أسلحتها أو عدم سعيها للحصول علي هذا السلاح ولما كان هذا الالتزام الأخير يتولد عن المعاهدة فالمنطقي ان يكون ذلك أيضا شأن الالتزام المقابل، ولكن هذا لم يحدث بالنسبة للضمانات المقدمة من الدول الذرية الثلاث التي وردت في قرار مجلس الأمن رقم 552 بتاريخ 91 يونيو 8691 والتصريحات بالنية التي أدلت بها هذه الدول في مجلس الأمن حال صدور القرار المذكور وهي لا تختلف في مضمونها عن التصريحات التي أعلنها ممثلو هذه الدول في مؤتمرات نزع السلاح يوم 11/3/8691، فالفقرة الأولي من القرار نصت علي ان الاعتداء بالأسلحة النووية أو التهديد بمثل ذلك الاعتداء ضد دولة غير نووية من شأنه ان يخلق حالة تستدعي من مجلس الأمن وخاصة الدول الذرية من أعضائه الدائمين العمل فورا بما يتفق مع التزاماتهم المنبثقة من الميثاق، وهذا التصريح لم يأت بجديد فمن المعروف ان الاعتداء بالسلاح النووي أو التهديد به يشكل حالة تستدعي ان يتخذ مجلس الأمن قرارات بتدابير من بينها العقوبات الاقتصادية وبواسطة حث أعضاء الأممالمتحدة علي ذلك وفقا للفصل السابع من الميثاق، وعلي ذلك فان الدول التي ليست أطرافا في معاهدة منع الانتشار هي التي تتعرض لهذه العقوبات طالما وصف المجلس برامجها النووية بانها غير سليمة، ولذلك طالبت تركيا الدول النووية التخلص من أسلحتها لكي تكون أكثر اقناعا. وجدير بالذكر ان قرار مجلس الأمن »552« لسنة 8691 اقتصر علي الضمان الايجابي الخاص برد الاعتداء بالسلاح النووي أو إزالة التهديد به ومن ثم خلا هو وتصريحات الدول الثلاث من الضمان السلبي ونعني به تعهد الدول الذرية بعدم استخدام السلاح النووي ضد الدول غير الذرية الاطراف في المعاهدة، وإذا كان من منطق الأمور ان قبول الضمان الايجابي من قبل دولة ذرية يفترض قبولها الضمان السلبي في نفس الوقت ولكن لم يحدث ذلك في الحقيقة فقد تمسك الاتحاد السوفيتي آنذاك بفكرة الضمان السلبي بينما أصرت الولاياتالمتحدة علي فكرة الضمان الايجابي متمثلا في إعلان نية من جانب الدول الذرية الثلاث ومجرد ترحيب من مجلس الأمن -حسبما ورد في ديباجة قراره رقم »552«- لهذه النية.. فانه يمكن القول بأن هذه الدول الذرية لم تقدم أي ضمان سواء كان ايجابيا أو سلبيا فهي في النهاية ربما تساعد الدول غير المسلحة ذريا عن طريق مجلس الأمن الذي له سلطات واختصاصات معروفة في أمر حفظ السلم والأمن الدوليين فالأمن الذري لا يخرج تقريبا عن كونه جزءا من الأمن الجماعي والمجلس لا يملك للآن جهازا عسكريا خاصا به يمكن ان يعهد إليه بتنبيه الضمان ضد الاعتداء الذري ولم يتصور حتي الآن ان يكون لهذا المجلس قوات مسلحة ذرية، ويبدو ان الضمان الوهمي الذي قدمته الدول الذرية الثلاث لا يعدو ان يكون وسيلة خبيثة لاجتذاب دول عدم الانحياز وغيرها للانضمام إلي المعاهدة لان الضمان أو الحماية لم يكن له أي قيمة قانونية تدفع الدول غير المسلحة ذريا للانضمام إلي المعاهدة. وعلي العموم لا يمكن حل المشكلة النووية في إطار الجهود الدولية المبعثرة عن طريق السياسات التي تتجها الدول الخمس النووية طالما انها خارج معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية فإذا توصل العالم إلي التزام قانوني دولي يتضمن ضمانات فعالة فان الطريق سيصبح ممهدا لمنع انتشار الأسلحة النووية ثم ازالتها بالكامل ويقتضي الأمر النظر في الوضع كله بإبرام معاهدة دولية عامة وشاملة ومتعددة الأطراف. ولا شك ان الجهود المتواضعة التي تركزت في الأجندة الجديدة »تكتل دولي يعمل لاحراز التقدم في مجال نزع السلاح النووي« تعتبر خطوة مهمة علي الطريق. ويبقي الحل الأمثل لمشكلة السلاح النووي ليس في فرض عقوبات بصفة انتقائية وليس في مجالها القانوني لمجلس الأمن وبقاء الدول النووية بما فيها اسرائيل خارج المسئولية وخارج المعاهدة ومن ثم لا تخضع للرقابة أو التفتيش ويبقي الحل الأمثل والأوفق في عقد معاهدة دولية جديدة تمنع جميع الدول بلا استثناء من انتاج وحوزة السلاح النووي أو تطويره والالتزام بنزع اليورانيوم الموجود بالأسلحة وتحويله إلي يورانيوم منخفض التخصيب قابل للاستخدام في المفاعلات النووية المدنية لتوليد الطاقة للاغراض التجارية وانشاء جهاز عال فوق الدول تمنحه الدول الصلاحيات الكافية للمراقبة والتفتيش والتنفيذ وذلك بدلا من الفوضي الدولية في تطبيق عقوبات علي الدول الاطراف في معاهدة الحد من الانتشار النووي.