أتابع باعجاب شديد الحوارات الممتعة التي تنشرها الكاتبة الصحفية سهير حلمي، في ملحق أهرام الجمعة، تحت عنوان »ذكريات« فهي تتخير الشخصيات التي تحاورها بعناية.. خبرات متميزة، ومواقع تتيح شهادات ذات قيمة.. ولأنها باحثة متعمقة، صدر لها كتابان كبيران، كملحقين لمجلة »نصف الدنيا« أيام رئاسة الكاتبة الفنانة سناء البيسي، أحدهما عن العملاق عباس محمود العقاد، والثاني بعنوان »الملك فاروق: ظالما أم مظلوما«.. فهي تدرس شخصياتها دراسة وافية، وبعدد قليل من الأسئلة، تستخلص الاجابات الجوهرية، التي تحدد الملامح الأساسية لها، ودائما تخرج منها بجديد مختلف، وأسرار لم تقلها من قبل، تقدم لها عند الكتابة بمقدمات جميلة، تجمع بين أهم خطوطها، مع لمسة أدب، تكشف عن غني في التكوين، وسعة في الاطلاع وتترك لمحدثها فرصة التعبير من ذاته بصورة متكاملة، تشبع نهم القارئ للمعرفة، قرأت لها حواراتها مع رجال بوليس مصر العظام، في وطنيتهم التي صارت عنوان شرف لنا جميعا: صلاح دسوقي ومصطفي رفعت وعبدالكريم درويش.. وشهادات الدكتور محمد الصاوي الطبيب الخاص لعبدالناصر والسيدة جيهان السادات وتجربتها اثناء حياة الرئيس وبعده، وحياة الاعلامي الرائد مرسي سعد الدين وذكرياته عن شقيقه الموسيقار العبقري بليغ حمدي، والأديب الكبير خيري شلبي وعالمه الثري، والاذاعي صاحب الذكريات التي لا نهاية لها وجدي الحكيم، والإذاعية التي ملأت بيوت المصريين بحكاياتها الجميلة أبلة فضيلة توفيق، وغيرهم. آخر حوار أجرته سهير حلمي، كان مع الطبيب الجراح والعالم الجليل الدكتور إبراهيم بدران، تحدث عن أساتذته العظام، وكيف أنهم عندما كانوا يعجزون عن تشخيص حالة، يذهبون بها إلي منزل الاستاذ لكي يشرحها لهم، تحدث عن السياسة عندما كان وزيرا للصحة في حكومة ممدوح سالم.. »ووقعت أحداث يناير 7791 التي أسماها الرئيس السادات بانتفاضة الحرامية.. واشهد أمام الله وللتاريخ أن ممدوح سالم أمر رجال الشرطة بعدم استخدام القوة ولا العصي مع المتظاهرين.. لذلك كانت نسبة الاصابات في تلك الثورة 04 عسكريا، مقابل ثلاثة مدنيين وفق سجلات وزارة الصحة«. سألته عن البحث العلمي، وكان رئيسا للأكاديمية، فقال: »التحديات عديدة وما أكثرها.. ومنذ عقود وصف العالم الكبير جمال حمدان مصر بأنها العقل المكتسح والجسم الكسيح، فمعظم الأفكار العظيمة والابداعات تنهزم في مرحلة التنفيذ بين أيدي الادارات الدنيا، فالنداء الإلهي اليومي يحثنا: حي علي الصلاة.. حي علي الفلاح، التزمنا بالصلاة ونسينا الفلاح، وهو يعني التجويد والأخذ بأسباب العلم والاصلاح، فيما بين 1891 و4891 وضعنا وثيقة تكنولوجية، كنا أكثر من 003 عالم، كتبنا عشرة آلاف ورقة بحثية، وتم توزيعها علي 0005 جهة في الدولة اتساقا مع دعوة الرئيس مبارك للارتقاء بالعلم باعتباره السبيل الوحيد للتقدم، ولكن لا حياة لمن تنادي«. كانت سهير قد سألته عن أبرز صفات عبدالناصر التي لمسها عن قرب.. فأجاب: عبدالناصر رحمه الله، كان حلما وأماني ووهما، كان طيفا لأنه لم يكمل رسالته، عبدالناصر ينبوع وطنية واخلاص، كان يعشق تراب مصر حقيقة لا مجازا وهو باعث نهضتها بعد محمد علي.. فالتجربة المصرية في الخمسينيات والستينيات حفلت بانجازات وخبرات لا ينكرها إلا جاحد«. وواصل الدكتور إبراهيم بدران: »أما السيدة الفاضلة تحية عبدالناصر فهي امرأة استثنائية للغاية، كانت السيدة الأولي لكنها كانت في غاية التواضع، واذكر انها طلبت مني في أحد الأيام وهي ترجوني بصدق أن أعاملها مثل زوجة البواب، فسألتها: لماذا يا هانم؟ فأجابت: لأنني أعاني من كيس دهني بسيط.. والاطباء يريدون سفري لاستئصاله في الخارج وأنا لا أريد السفر.. فهل زوجة البواب تسافر للعلاج في الخارج، »قالت لي سهير أنه عندما لمس دهشتي.. وضع يده علي المصحف واقسم قائلا: والله يا بنتي هذا هو ما حدث«. احتفظ العالم الجليل بهذه الواقعة لدلالتها البالغة علي طبيعة سلوك عبدالناصر وأهل بيته.. ويالها من دلالة.. إنها نموذج من حوارات سهير حلمي المتميزة.