عادة ما تكون هناك صيغة ثابتة لكتابة الاخبار الرسمية التي تتعلق بزيارة رؤساء الدول للقاهرة. لكن واقع الأمر ان هذه الصيغة الثابتة لا تعكس بشكل دقيق ما يجري من نقاشات ومباحثات داخل الغرف المغلقة، ولا تقدم إجابات مشبعة للقاريء عن التساؤلات التي تدور في ذهنه حول الهدف الحقيقي للزيارات الرسمية لرؤساء الدول ولا عن الموضوعات والقضايا الحقيقية التي تم بحثها، ولا عن نقاط الاتفاق والاختلاف التي هي شيء طبيعي وبديهي في علاقات الدول نظرا لاختلاف المصالح، مما يؤكد انه لا يمكن ان يكون هناك كما ينشر في الصحف تطابق تام في وجهات النظر حول كل القضايا، والا لما كانت هذه الزيارات في الاصل. من هذا المفهوم فإنه لا يمكن ان تتطابق تماما وجهات النظر بين القاهرةوأنقرة حول كل القضايا التي يتم بحثها وبالأخص قضية الشرق الأوسط، صحيح أن تركيا مهتمة بالقضية وتسعي للقيام بدور يساعد علي التوصل إلي حل يرضي الطرفين بحكم أنها تقف علي مسافة متساوية نظرا لعلاقاتها الوثيقة مع العرب ومع الاسرائيليين في آن واحد، ولكنها رغم ذلك تدرك حجم وتأثير الدور المصري في كل ما يتعلق بالمنطقة، وتدرك أيضا أنها لا تستطيع كما يشاع أن تكون مؤثرة أكثر من أي طرف آخر في المنطقة أو تملك أوراق ضغط تؤهلها لأن تكون اللاعب الأوحد في القضية الفلسطينية ولهذا السبب فإن تركيا كانت ومازالت حريصة علي الاتصال الدائم بمصر والتشاور معها، بدليل هذه الزيارات المستمرة التي أصبحت لا تنقطع بين المسئولين سواء في القاهرة أو في أنقرة. ما أستطيع أن أؤكد عليه في هذا المجال أن تركيا عادت لتهتم بدعم الاستقرار في المنطقة العربية والافريقية أو ما يطلق عليه الآن الشرق الأوسط والسعي لايجاد حلول للمشاكل المزمنة، من منظور جديد للمصالح التركية بعد أن أفاقت الامبراطورية العثمانية السابقة من سباتها، وبعد أن عادت من جديد قوة اقتصادية فاعلة ومؤثرة في السوق العالمية تبحث عن أسواق جديدة وواعدة، وقد وجدت ضالتها في الأسواق العربية والافريقية، وعندما بحثت عن المفتاح السحري الذي يسهل لها دخول هذه الأسواق وجدته في مصر مع إدراكها التام انه حتي لو انشغلت مصر في بعض الاحيان بمشاكلها الداخلية عن دورها الحيوي في المنطقة، فإنها لا تلبث أن تعود لتمسك بأوراق اللعب وتقف كحائط صد قوي في مواجهة المؤامرات التي تحاك للمنطقة، ولاتعطي فرصة لكائن من كان أن يحرز هدفا في مرماها، وحتي لو حدث فإن مصر تستطيع أن تتعادل بسرعة ثم تتفوق، وهو الأمر الذي تفهمه وتعيه جيدا القيادة السياسية في تركيا. وأهلا بالرئيس عبدالله جول في القاهرة. [email protected]