انطلقت في معظم محافظات الأردن، الجمعة، مسيراتٌ تطالبُ بالإصلاح في "جمعة الإنقاذ"، كما أطلق عليها الحراكُ الشعبي، كان أبرزها وأكثرها حشدًا، مسيرةُ وسط العاصمة عمان، التي شاركت فيها الحركةُ الإسلامية بقوة. وبعد أقل من 24 ساعة على حصول حكومة رئيس الوزراء، الدكتور عون الخصاونة، على ثقة مجلس النواب ، اشتعلت التعليقاتُ مجددًا، على "فيس بوك" ضد المجلس، وعاد التشكيكُ في شرعيته، إلى أجواءٍ مشابهة، لكن أقل حدةٍ لما حصل مع وزارة سمير الرفاعي الثانية، فيما شَهِدَ الحراكُ الشعبي زخمًا لم يكن متوقعًا، بعد فترة الاسترخاء التي استمرت أربعةَ أسابيع. وفي مسيرة وسط عمان، شاركَ ما يقارب 6 آلاف مواطن من أمام المسجد الحسيني، في وسط العاصمة، دعا إليها التجمعُ الشعبي للإصلاح، وبعضُ أحزاب المعارضة، وائتلافُ العشائر، وبعضُ قوى الحراك الشعبي، تحت عنوان "إنقاذ الأردن وحمايته من تغلغل الفساد"، حيث هتف المشاركون في المسيرة أن الحكومة في الأردن صورية، وأن القرارات تُتخَذُ في أماكنَ أخرى. وطالب المشاركون في المسيرة بإعادة مقدرات الوطن التي نهبها الفاسدون، من أراضٍ، وشركات تمت خصخصتها، إلى الشعب. كما طالبوا بالإصلاحات السياسية والاقتصادية, وأكدوا على واجبهم في إنقاذ البلاد من خطر تنامي السياسات الكارثية. وصدحت حناجرُ المتظاهرين، بالهُتافات، ورصد "العرب اليوم"، عددًا من الشعارات التي ترددت في المسيرات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: "بدنا نعيش بحرية، وتسمعني المخابرات، بكفيكم تهديدات، وشعب الأردن لا ما مات"، و"تسقط تسقط المخابرات، اهتف سمع الآلاف أردنية وما بنخاف"، و"اهتف سمع الملايين بدنا حكومة مصلحين"، و"بدنا نحكي ع المكشوف والفساد ما بدنا نشوف"، و"يا فاسد وينك وينك بالإصلاح بنكسر عينك"، و"الشعب يريد إصلاح النظام"، و"يسقط بشار الأسد"، "لا تدخل أجنبي بوطنا العربي"، و"هات يا هالشعب هات والشعب مصدر السُلُطات"، "وعلا يا بلادي علا الموت ولا المذلة"، و"شيلوا القبضة الأمنية بدنا نعيش بحرية"، "يا عبد الله يا بن حسين أراضينا راحت وين؟"، و"غرقوا الأردن بالدين والمديونية راحت وين؟". في الوقت ذاته، انطلقت مسيرةٌ حاشدة، مؤيدة للحكومة، شارك فيها العشرات فقط، طالبوا فيها بحل الأحزاب، ومحاسبة الذين يريدون أن يعبثوا بالوطن. يذكر أن تواجداً أمنيًا مكثفاً كان في وسط البلد، بين المسيرتين، المؤيدة للحكومة والمعارضة لها، خوفاً من وقوع أي اشتباكاتٍ بين الطرفين. وفي إربد شمال الأردن، شاركت فعاليات نقابية وإسلامية، في المسيرة التي نظمتها جبهة الإصلاح الوطني، برئاسة أحمد عبيدات، ردًا فيما يبدو على الشائعات التي انتشرت حول تفكك الجبهة وضعف نفوذها. وفي الكرك جنوب الأردن، انطلقت، بعد صلاة الجمعة، مسيرةٌ احتجاجية من أمام المسجد العمري، وصولاً إلى مدرسة الكرك الثانوية للبنين، بتنظيم من الحراك الشبابي والشعبي، في محافظة الكرك، تحت مسمى "جمعة الإنقاذ". وطالب المشاركون بحقوقهم في أراضي الواجهات العشائرية، حيث تم منحهم إياها، عبر وسائل الإعلام فقط، لكن لا يوجد أي تطبيق فعلي، لما حدث إعلاميًا. وأكدوا على فشل حكومة القاضي عون الخصاونة, لان التغيير المطلوب ليس شكليًا، وإنما فعليًا قد خيبت آمال المواطنين بتشكيلتها. وحرق المتظاهرون علم الناتو، والعلم الأميركي، في تعبيرٍ منهم عن رفضهم أي تدخلٍ أجنبيٍ في شؤون الدول العربية، خاصة بعد تصاعد الحديث عن إمكانية ضرب سورية، من خلال التدخل الأجنبي. وفي مأدبا جنوب الأردن، خرج المئات في مسيرة حاشدة في لواء ذيبان، بعد صلاة الجمعة، طالبت بالإصلاح ومحاربة الفساد. وقال الناطق باسم تجمع اللجان الشبابية في اللواء هشام الحيصة إن المسيرة كانت الأكبر في اللواء منذ 3 أشهر، مشيرًا إلى أن المسيرة أكدت على مطالب أبناء اللواء بالإصلاح السياسي، ومحاربة الفساد، ورفض تدخل الأجهزة الأمنية في الحياة العامة. واعتبرت المسيرة- بحسب الحيصة- منح مجلس النواب حكومة عون الخصاونة ثقة 89 نائبًا بأنه وصمةُ عار، كون الحكومة لم تعطْ في بيانها الوزاري أي برنامج حقيقي للإصلاح، كما أنَّ من مَنَحَها الثقة هو "مجلس 111"، الفاقد الشرعية. وألقى كلٌ من الناشطيّن في اللواء، جهاد الجنادبة، وعلي البريزات، كلماتٍ أكدت على حقوق الوطن بشكل عام، وحقوق لواء ذيبان بشكل خاص. ومن شعارات المسيرة: "يا ذيبان.. يا ذيبان شعبك حر وما ينهان"، و"مطالبنا إنسانية مطالبنا هي الحرية"، و"نهبوني وناهبوك.. ناهبونا هل الحرمية". واصدر الحراكُ الشبابي والشعبي الأردني، بيانًا في "جمعة الإنقاذ"، أكد من خلاله أن المسرحيات المتراكمة ما زادت المواطن الأردني إلا يأسًا، وأن هذا النظام لا يسير في الطريق الصحيح نحو الإصلاح المنشود في الأردن، مشيرًا إلى أن التعديلات الدستورية على علاتها ونقصها لم تحقق شيئًا يحمي الأردن وشعبه, وأن تغيير الوجوه لم يأتْ بخير، وأن حكومة الخصاونة كسرت كل الخير، وأن الحقوق التي أشاروا إلى توزيعها كمكارم، ثَبُتَ أنها مجرد حديث إعلامي. وتاليًا نصُ البيان: بسم الله الرحمن الرحيم . يا أبناء شعبنا الأردني الحر العظيم.. ما زال المواطن الأردني يمضي ساعيًا وراء حقه المغتصب، ويومًا بعد آخر يتضاءل الأملُ لديه، بنية الإصلاح لدى النظام المَعني, فكلُ هذه المسرحيات المتراكمة ما زادت المواطن إلا يأسًا، أن هذا النظام لا يسير في طريقه الصحيح نحو الأردن الحر الديمقراطي، المتخلص من التبعية، والمحافظ على أرضه وأهله. فلا التعديلات الدستورية على علاتها ونقصها حققت شيئًا يحمي الأردن وشعبه, ولا تغيير وجه المسؤولين أتى بخير على هذا البلد. فما زلنا نسير في نفس الأزمة المركبة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا. حكومة القاضي (عون الخصاونة), التي استبشرنا بها خيرًا كسرت كل الخير، حين جاءت بتركيبة غريبة، يؤمن معظم الأردنيين أنها لن تقوى على تحقيق الإصلاح الشعبي المنشود, وارتفع السؤال مجددًا عن فلسفة تشكيل الحكومات وحلها، واختيار أشخاصها، وهذا الخللُ المُرَكَّبُ، الذي يجب أن يحل تحت الإرادة الشعبية الوطنية. يا أبناء شعبنا الأردني الحر العظيم.. إن رغبة الإصلاح، ونحن نسمع عنها منذ 11 شهرًا، إن كانت حقيقية فلا بد أن يترجم منها ولو جزءٌ بسيطٌ على أرض الواقع، ولكن حتى على مستوى الفساد ومكافحته، وإعادة المنهوب من مال الشعب وأرضه، فَشِلَ النظامُ في إثبات إرادة مكافحة الفساد، ويستمر مسلسلُ النهب والسلب، دون حسيب أو رقيب، طارحًا علاماتَ استفهامٍ حول شبكة فساد ومفسدين نبحث عن رأسها. وكل الحقوق التي صارت مكارم، ووزعت إعلاميًا على محافظات المملكة، ثَبُتَ أنها مجرد حديثٍ إعلامي، لا ولن يقترب من واقع التنفيذ, فالفقر والظلم والحرمان يستمرون ملازمين، للمواطن الأردني المترنح، بين غلاء معيشيٍ وتدني مستوى الدخل. كل هذه المآسي، من تخبطٍ سياسي، وأزماتٍ اقتصادية، وخللٍ اجتماعي، يتفجرُ على أكثرِ من صورة، وفي أكثر من موقع، ما هي إلا نتاجُ ترحيل المشاكل، من وجه إلى وجه، ومن حكومةٍ لأخرى، وهو ما أفقد المواطن الأردني ثقته بالمسؤول، مهما على مسماه الوظيفي، وصفته الدستورية، وهذا ما سيقودنا إلى المجهول، بل هذا ما يسير بنا الآن إلى المجهول. فالأولى أن يعرف صاحب القرار أن الوجوه تغيرت وتغيرت، ولم تُنْتِجْ، بل تفاقمت مشاكلُنا، وفقد النظامُ ثقتَنا، فعليه المسارعة بإعادة الثقة بين الشارع العام وولاة الأمر، بجعل الشعب، والشعب فقط، هو المصدر الصريح للسلطات الثلاث، وهو صاحبُ الحق والقرار في اختيار من يريد، وأي نهج يسلك. يا أبناء شعبنا الأردني الحر العظيم.. يقترب الحراكُ الشبابي والشعبي الأردني من إتمام عامه الأول, هذا الحراك الذي لا يُنْكِرُ أيُ عاقلٍ، من المستويين الشعبي والرسمي، أنه بوابةُ التغيير، وأنه عَبَّرَ عن عمقٍ ووعيٍ كبيرين، من خلال مواقفه المُشَرِفَة، تجاه الوطن وقضاياه، ووقف صامدًا رغم كل ما يحاك ضده، سرًا وعلانيةً، واستمر بهمومه الوطنية الشعبية الخالصة، غيرَ منحازٍ إلى فئةٍ أو جهةٍ أو عنوانٍ .. فكانت القبلةُ والبوصلةُ الوطنَ والمواطنَ الأردني واستقرارَهما. وسيستمر هذا الحراكُ حرًا مطالبًا بالحق, وشوكةً في حلق الفساد والظلم، إلى أن تتحقق مطالبُ شعبِنا الأردني الكادح.