كيف تستطيع ايران مواصلة تحمل العقوبات الغربية المفروضة عليها منذ سنوات ، والتى تمنع الشركات الغربية من الاستثمار بها ، مما قلل من امكانية استفادتها من احتياطيها الضخم من الغاز الطبيعى ، وقلل أيضا من عائدتها التصديرية للنفط . ورغم ذلك تواصل ايران المنهكة ، مد نفوذها الى عدة دول عربية أبرزها العراق وسوريا ولبنان واليمن ، ومحاولة نفاذها للبحرين ، الى جانب علاقتها القوية بسلطنة عمان ، وهو النفوذ الذى يكلفها امداد حلفاءها بالسلاح والمال بشكل مستمر . فى نفس الوقت الذى ترتفع فيه معدلات التضخم والبطالة خاصة بين الشباب بالداخل الايرانى الى معدلات عالية ، الى جانب استمرار معدلات الفقر العالية وانخفاض قيمة العملة ، وتراجع معدلات النمو عامى 2012 و2013 للمرة الأولى منذ عقدين . - ويعود السر فى كل ذلك الى مركزها النفطى الدولى ، حيث تحتل المركز السادس عالميا فى انتاج النفط الخام ، والمركز الثالث عالميا فى صادراته ، والمركز الثالث فى احتياطياته ، وعندما امتنعت الدول الغربية عن استيراد نفطها ، اتجهت الى السوق الآسيوية الأقرب لها جغرافيا ، مع تقديم حوافز سعرية . ولم تكتف ايران بالسوق الآسيوية كملاذ لتسويق نفطها ، بل سعت لأن يكون شريكا لها فى استثمار احتياطيها الضخم من الغاز الطبيعى ، حيث تحتل المركز الثانى عالميا فى احتياطى الغاز الطبيعى . لتواجه احتياجها الداخلى المتزايد منه ، حيث يمدها الغاز الطبيعى بنحو 60 % من موارد استهلاك الطاقة بالداخل ، ولتزيد حصتها التصديرية الدولية المحدودة حاليا من الغاز الطبيعى ، حيث أنها تستورد كميات من الغاز . - ولم تكتف دول الغرب بحصار ايران تجاريا واستثماريا وسياحيا والاعتراض على برنامجها النووى ، بل سعت الى تحجيم مواردها التى تعتمد بشكل كبير على النفط ، من خلال الضغط على الدول الحليفة فى منظمة أوبك لزيادة المعروض النفطى ، لاستهداف خفض أسعار النفط ، وهو ما نجحت فيه منذ يونيو من العام الماضى وحتى الآن . وبالفعل تأثرت الموارد الإيرانية بشكل كبير ، إلا أن برنامجها لتوسيع نفوذها الإقليمى لم يتوقف ، رغم تكلفته الباهظة التى يدفع تكلفتها الاقتصاد الإيرانى ، وتأخير الاصلاحات الداخلية فى ضوء استمرار عجز الموازنة الإيرانية . - ومن خلال بيانات البنك المركزى الايرانى لعام 2013 ، يتضح اعتماد موارد ميزان المدفوعات الإيرانى على الصادرات بشكل رئيسى ، والتى تشكل الصادرات النفطية نحو 70 % منها ، ليحقق الميزان التجارى السلعى فائضا بلغ حوالى 33 مليار دولار . الأمر الذى مكن من استيعاب العجز بالميزان الخدمى ، البالغ أقل من سبعة مليارات من الدولارات بسبب قلة الايرادات السياحية ، وكذلك استيعاب العجز بالحساب المالى البالغ 13 مليار دولار ، وهو ما أمكن مع وجود فوائض نتيجة عوائد دخل الاستثمارات والتحويلات ، من بلوغ الفائض الكلى بميزان المدفوعات حوالى 13 مليار دولار . وهو الفائض المتكرر بميزان المدفوعات خلال السنوات الماضية ، مما مكن من تكوين احتياطيات كبيرة من النقد الأجنبى بلغت 68 مليار دولار ، وبلوغ أصول الصندوق السيادى الإيرانى 62 مليار دولار ، وانخفاض قيمة الديون الخارجية الى أقل من 16 مليار دولار ، وهو الدين الذى لا يمثل سوى أقل من نسبة 4 % من الناتج المحلى . وهكذا مكنت الفوائض النظام الايرانى من توسيع مناطق نفوذه عربيا ، وزيادة الدور الإيرانى فى بعض دول أفريقيا وفى بعض دول أمريكا الجنوبية خاصة فنزويلا . - ولبيان أثر الصادرات النفطية على الاقتصاد الايرانى ، فقد انعكس تراجع قيمة الصادرات النفطية من 119 مليار دولار فى عام 2011 ، الى 68 مليار دولار بالعام التالى ثم الى 65 مليار دولار فى 2013 ، والتى يتوقع انخفاضها عن ذلك خلال العام الماضى الذى شهد انخفاضا حادا فى أسعار النفط . وانعكس تراجع قيمة صادرات النفط على تراجع قيمة الصادرات الإيرانية الإجمالية ، من 5ر145 مليار دولار فى عام 2011 ، الى 98 مليار دولار بالعام التالى ثم انخفض الى 93 مليار دولار بالعام التالى ، الأمر الذى انعكس على قيمة الفائض بالحساب الجارى الإيرانى لينخفض من حوالى 60 مليار دولار عام 2011 الى حوالى 28 مليار دولار خلال عامين . ونفس الأثر كان على الفائض بالميزان الكلى للمدفوعات ، والذى انخفض من أكثر من 21 مليار دولار فى 2011 الى 13 مليار دولار عام 2013 . - ويظل السؤال يطرح نفسه لماذا تتجه الولاياتالمتحدة ودول الغرب حاليا لانهاء الخلاف النووى مع ايران ؟ صحيح أن هناك مصالح غربية تضررت نتيجة خسارة السوق الاستهلاكى الإيرانى ، البالغ عدد سكانه 78 مليون نسمه لعدة سنوات . وزيادة وتيرة العلاقات التجارية الصينية الايرانية ، وتعطل امكانية الاستثمار فى ايران فى ضوء تباطى النمو الأوربى وزيادة البطالة ، وخاصة فى مجال الغاز الطبيعى وبما يمكن أوربا من تقليل الاعتماد على روسيا . إلا أن العامل الاقتصادى لا يكفى وحده لتفسير السلوك الغربى الحالى ، ويبدو أن أهداف الغرب بتدمير القدرات العربية العسكرية والاقتصادية ، من خلال دعم ايران لعدد من الأنظمة العربية ، فى دول تشهد حروبا أهلية وصراعات مسلحة ، بما يؤدى الى استنزاف قدرات تلك الدول ، وهو الأمر الذى يتقاطع مع مصالح دول الغرب . وبالتالى ابتعاد تلك الدول العربية المنخرطة فى الصراعات المسلحة ، عن استهداف اسرائيل التى لم يعد أحد يذكرها ، حتى أنه مع السعى لتكوين قوة عربية مشتركة ، ابتهجت اسرائيل بتكوينها ،لأنها تعرف أن ميدان عملها سيكون عربيا ، وبما يحقق أهدافها وأهداف الدول الغربية ، فى استمرار المزيد من استنزاف القدرات العربية بأيدى عربية وبمساعدات ايرانية .