لم يكن يدري، وهو المشغول بالاستمتاع بعزف البيانو، الذي صار طقسًا يوميًا، يمارسه قبل تناول قهوة الصباح، أنه سيفوز بجائزة عظيمة الشأن في مجال الأدب، الذي يمارسه أيضًا، لكن بشغف أقل من الموسيقى!. إنه توماس ترانسترومر السويدي الذي قرأ أشعاره الناطقون بأكثر من 60 لغة، والجائزة هي «نوبل». علم النفس، و«مونيكا»، و«الأم»، ثلاثة تعد الأهم في حياة توماس، فالأول درسه وحصل فيه على إجازة في مادته عام 1956. ولم يكتف بالدراسة فقط، بل عمل في المعهد النفسي التقني بجامعة ستوكهولم. ويبدو أن دراسته، وتدريسه لعلم النفس سيكون لهما أهمية كبرى في مستقبل حياته الذي أتاه بعد 34 عامًا من حصوله على شهادته؛ أي في العام 1990. أما «مونيكا» فهي التي ستعينه على مستقبله، ذلك الذي باغته في ذاك العام. أمه أيضًا هي الأهم في حياته، وبالترتيب الزمني، هي الأولى؛ فقد اعتمد عليها منذ طفولته المبكرة؛ حينما توفي والده؛ فتوماس المولود في 15 أبريل 1931 بالعاصمة السويدية ستوكهولم، عرف مرارة اليتم مبكرًا، فتولته والدته بالتربية والرعاية، وربما ذلك اليتم الذي جعله يحاول اكتشاف النفس البشرية؛ فدرس علم النفس. إلا أنه لم يكتف بدراسة علم النفس فقط، بل حرص على دراسة الأدب، وتاريخ الأديان. في الأدب اكتشف في نفسه القدرة على كتابة الشعر، وكان أهم ما يميز شعره، البساطة، والوضوح، والإيجاز، وربما ساهم ذلك في ترجمة أشعاره لأكثر من 60 لغة، ورغم ذلك هو كسول، وليس غزير الإنتاج الشعري. منذ واحد وعشرين عامًا، بانت ملامح المستقبل لتوماس ترانسترومر؛ حينما داهمه مرض عضال أصابه بسكتة دماغية، نجا منها، غير أن يده اليمنى التي يكتب بها ويعزف البيانو، لم تَنْجُ؛ فقد أصيبت بالشلل، حتى لسانه لم يسلم أيضًا؛ فصار يلاقي صعوبة في الكلام، وهنا ظهرت «مونيكا» الزوجة الوفية في معدنها الأصيل؛ وقفت بجواره، وصارت الأهم في حياته؛ فعليها اعتمد في التحدث بكل ما يخص شئونه. ولأن المستقبل امتد به وتجاوز سن التاسعة والخمسين الذي مرض فيه، وعاش حتى سن الثمانين، فإن القدر شاء للرجل الثمانيني أن يدخل عليه السرور والفرح بجائزة نوبل، هو بقيمتها الأدبية، وزوجته «مونيكا»، وابنتاه بقيمتها المالية التي تبلغ عشرة ملايين كرونة، وهي عملة السويد، بما يوازي 1.08 مليون دولار.