منحت جائزة نوبل للآداب العام 2011 الى الشاعر السويدي توماس ترانسترومر البالغ ثمانين عاما مكافأة على بساطة اسلوبه الذي يشرع الباب على الواقع ويرتقي بالانسان. وأوضحت الاكاديمية السويدية ان ترانسترومر حاز الجائزة "لأنه من خلال صور مركزة وواضحة، يعطينا منفذا جديدا على الواقع". وعلق الامين العام للاكاديمية بيتر انغلوند "يتناول الموت والتاريخ والذاكرة التي تحدق بنا وتزيد من قيمتنا، لا يمكننا ابدا أن نشعر بالصغر بعد قراءة شعر ترناسترومر". واضافت الاكاديمية ان "غالبية دواوين ترانسترومر الشعرية تتسم بالايجاز والوضوح والاستعارات المعبرة". وأوضح انغلوند "ليس شاعرا غزير الانتاج" الا ان بساطة قصائده المعبرة جدا سمحت بترجمة اعماله الى اكثر من ستين لغة. انطلق في بداياته بقصائد تقليدية تمحورت على الطبيعة الا ان اعماله اتخذت رويدا رويدا طابعا اكثر حميمية وحرية بحثا عن الارتقاء بالذات وفهم المجهول. في دواوينه الاخيرة ولا سيما آخر عمل له صدر في العام 2004 وضم 45 قصيدة صغيرة جدا "مال ترانسترومر الى اقتضاب اكبر والى درجة اكبر من التركيز" على ما قالت الاكاديمية. وقال انغلوند: "لم يفز اي سويدي بالجائزة منذ اربعين عاما" وان اسم ترانسترومر مطروح في كل سنة منذ العام 1993". في العام 1974 منحت الاكاديمية السويدية الجائزة في قرار نادر جدا الى سويديين اثنين هما ايفيند جونسون وهاري مارتنسون. ورغم ان اسمه مطروح منذ سنوات "فوجئ" ترانسترومر بالنبأ عند تلقيه الاتصال الهاتفي لتبليغه بالفوز. وروى انغلوند "كان يستمع الى الموسيقى" مؤكدا بذلك عادة تحدثت عنها زوجة الشاعر مونيكا في مقابلة صحافية قالت فيها ان الموسيقى باتت في السنوات الاخير اهم لترانسترومر من الكتابة. وقالت زوجته مونيكا التي تنطق باسمه منذ اصابته بشلل لوكالة الانباء السويدية: "تي تي" بعد اعلان فوزه "ما كان يظن انه سيشعر يوما بفرحة كهذه". من هو؟ ويعتبر ترانسترومر، من اكثر الشعراء الاسكندينافيين على قيد الحياة شهرة مع اعمال يستكشف فيها العلاقة بين حميمية الانسان والعالم الذي يحيط به. ويدعو ترانسترومر الذي تابع دروسا في علم النفس، الى تفحص شعري للطبيعة يسمح بالغوص في اعماق الهوية البشرية وبعدها الروحي. وقال ناقد سويدي عن اشعار ترانسترومر ان "وجود الكائن البشري فيها لا ينتهي عند حدود اصابعه" واصفا قصائده بأنها "صلوات علمانية". وشهرة ترانسترومر في العالم الناطق باللغة الانكليزية عائدة بجزء كبير منها الى صداقته بالشاعر الاميركي روبرت بلاي الذي ترجم الى الانكليزية قسما كبيرا من اعماله. وقد ترجمت اعمال الشاعر السويدي الى حوالي خمسين لغة. وتزخر اشعار توماس ترانسترومر بالاستعارات والصور وهي تعكس مشاهد بسيطة مستقاة من الحياة اليومية ومن الطبيعة. اسلوبه الاستنباطي الذي وصفته مجلة "بابلشيرز ويكلي" بأنه "زاهد حزين ومتغير"، يتناقض وحياة الشاعر الملتزم في نضال من اجل عالم افضل وليس فقط من خلال قصائده. ولد توماس ترانسترومر في 15 نسان 1931 في ستوكهولم وقد تولت والدته تربيته بعد رحيل والده المبكر. حصل على اجازة في علم النفس العام 1956 وعمل في المعهد النفسي التقني في جامعة ستوكهولم قبل ان يهتم في ستينيات القرن الماضي بشباب جانحين في معهد متخصص. بموازاة انجاز اعمال شعرية غنية، عمل مع معوقين وسجناء ومدمني مخدرات. في سن الثالثة والعشرين اصدر وهو لا يزال طالبا، ديوانه الاول بعنوان "17 قصيدة" لدى اكبر دار نشر سويدية "بونيرز" الذي بقي مرتبطا بها طوال حياته الادبية. تعتبر دار النشر هذه أن شعر ترانسترومر "يشكل تحليلا متواصلا للغز الهوية الفردية في وجه التنوع المتفرع للعالم". حاز العام 1966 جائزة بيلمان العريقة. ونال بعدها مكآفات عدة بينها جائزة بيترارك (المانيا العام 1981) ونويشتاد انترناشونال برايز (الولاياتالمتحدة العام 1990). في العام 1997 استحدثت مدينة فاتيراس العمالية حيث عاش ثلاثين عاما قبل عودته الى ستوكهولم في تسعينيات القرن الماضي جائزة ترانسترومر. وقد صدرت له حوالي عشرة دواوين. واصيب توماس ترانسترومر العام 1990 بشلل نصفي وصعوبة بالنطق اثر سكتة دماغية ما اضطره الى الحد كثيرا من نشاطاته. اصدر بعد وعكته الصحية هذه بست سنوات ديوانا بعنوان "غندول الحزن" الذي بيعت 30 الف نسخة منه وهو رقم جيد على صعيد الشعر. بعد هذا النجاح لم يصدر الشاعر السويدي اي عمل على مدى ثماني سنوات باستثناء مراسلاته مع بلاي. ويعود آخر اصدار له الى العام 2004 مع نشر ديوان يضم 45 قصيدة قصيرة بعنوان "اللغز الكبير". ومنذ ذلك الحين طغت الموسيقى على عالم ترانسترومر عازف البيانو الهاوي. وهو يعزف على هذه الآلة يوميا بيده اليسرى لأن اليمنى مشلولة ويمضي فترة ما قبل الظهر يستمع الى الموسيقى الكلاسيكية على ما روت زوجته في مقابلة مع صحيفة "داغنز نيهيتير" السويدية هذه السنة. ويقيم توماس ترانسترومر مع زوجته مونيكا ولهما ابنتان.