على غير العادة قوبل حصول الشاعر السويدى " توماس ترانسترومر " على جائزة نوبل فى الآداب بترحاب كبير للغاية فى كل الوساط الأدبية ، وتلك هى المرة الأولى التى نجد فيها إجماعاً على جائزة نوبل وعلى اسم الحاصل عليها . فعبر كل الدورات الماضية كنا نجد انتقاداً حاداً ورفضا للاسماء التى تحصل على نوبل فى الأدب تحديداً ، وكثيراً ما كانت الجائزة يتم منحها لأسباب سياسية أو إيدلوجية فيتم استقبالها بعاصفة من الغضب . أما فى تلك الدورة ومع حصول " توماس ترانستومرو " عليها فقد شهدت الأوساط الأدبية احتفاءً كبيرا بهذا الشاعر ، فهو نموذج للإرادة الإنسانية القوية التى جعلته يعبر الأحزان ويتخطى الألم ويحلق بالروح فى فضاء القصيدة ، لقد كانت كل تفاصيل حياة هذا الشاعر تدعو إلى الإحباط واليأس ، فقد اصيب بجلطة قبل عشرين عاماً أى فى عام 1991 ، وتسببت تلك الجلطة فى اصابته بشلل جزئى فى جانبه الايمن مما جعله يعانى من صعوبة فى النطق لكنه تمكن من وصف شعوره بالفوز بالجائزة بكلمات قليلة قائلا :"حسن جدا. حسن جدا." انه الشاعر السويدى " توماس ترانسترومر " الذى كان يشاهد التليفزيون مع زوجته المخلصة " مونيكا " فجائزة نوبل عالمى يجذب أنظار العالم كله فما بالك بالمواطن السويدى نفسه ! ، وفى اثناء المشاهدة فوجى " توماس ترانسترومر " بحصوله على الجائزة فلم يصدق نفسه ، فقد تم ترشيحه للجائزة الكبرى منذ العام 1993 وفى كل دورة يفقد الأمل وقرر أن ينسى أمر تلك الجائزة ، لكن وبعد مرور ثمانية أعوام وبعد ان بلغ الثمانين خصل عليها . لقد عاش شاعرنا حياة شاقة منذ طفولته حيث توفى والده اعتمد عليها منذ طفولته المبكرة؛ حينما توفي والده؛ فتوماس المولود فى 15 أبريل 1931 بالعاصمة السويدية ستوكهولم، عرف مرارة اليتم مبكرًا، فتولته والدته بالتربية والرعاية، وربما ذلك اليتم الذى جعله يحاول اكتشاف النفس البشرية فدرس علم النفس إلا أنه لم يكتف بدراسة علم النفس فقط، بل حرص على دراسة الأدب، وتاريخ الأديان. وكما قالت الأكاديمية السويدية فإن " توماس ترانسترومر " حصل على الجائزة اشعاره المتدفقة الغنية بالبلاغة وبالصور التى استقاها من طبيعة بلاده والتى تستكشف معان واسعة مثل الخلود والحقيقة والعزلة والاصلاح..، لكن الأهم من كل ذلك أن توماس ترانستومر حلق بجناحيه فى سماء القصيدة متناسيا الألام والاحباط ، وقر ان يدرس علم النفس لكى يقترب أكثر من عوالم الروح الداخلية ، وحقق نجاحا كبير فى مجال الطب النفسى لأنه كان يعالج مرضاه بتقوية إرادتهم الداخلية ، وهذا ما فعله فى القصيدة حيث جعلها تعبير عن الشعور الانسانى تجاه أى قضية فى الحياة ، ولذلك فلقد كانت كانت لغته سهلة وبسيطة وتم ترجمتها إلى 60 لغة ، وكان الشاعر منذ بداياته يمتلك روحاً شفافة فى قصائده لدرجة أنه وقبل أن يتعرض للجلطة الدماغية التى أدت الى شلل نصفه الأيمن وحرمانه من الكلام كان الشاعر نفسه قد نشر بعض القصائد يعلن من خلالها الإصابة بالشلل النصفى، الأمر الذى دعا قرائه الى الإندهاش والإستغراب الدائم حيال ذلك التنبؤ المعلن عبر شعره. يقول توماس ترانسترومر " فى احدى القصائد الشهيرة له : بعد يوم أسود أعزف لحنا لهايدن وأحس بقليل من الدفء في يدي اصابع (البيانو) جاهزة تسقط عليها المطارق الرقيقة والصوت أخضر مفعم بالحيوية ويملؤه الصمت. ويقول هذا الصوت ان الحرية موجودة ولم يعد أحد يدفع الضريبة لقيصر. ولقد كانت زوجته مونيكا التى ظهرت بجواره فى اثناء المؤتمر الصحفى سببا رئيسياً فى دفع الروح المعنوية لزوجها فقد وقفت بجانبه منذ اصابته وكان يبلغ وقتها سن التاسعة والخمسين ، وطوال السنوات الماضية ظلت " مونيكا " على حماسها لزوجها وعلى ثقتها فإنه سيلقى التقدير المناسب فى يوم من الأيام ، وهو ما حدث ليحصل توماس على أرفع وأهم جائزة أدبية فى العالم والتى تبلغ قيمتها المادية عشرة ملايين كرونة سويدية (1.45 مليون دولار) ، وهو " السويدى " موطن الجائزة الاول الذى يحصل عليها ولذلك فلقد اعتبروها فى السويد انتصاراً كبيرا خاصة وأن انجازاتهم الثقافية متواضعة ولا تحظى بالانتشار على مستوى العالم . وكان رئيس الوزراء السويدى فريدريك راينفيلدت من اوائل من هنأوا ترانسترومر بالجائزة وقال فى بيان "اعرف ان كثيرين تمنوا ذلك لفترة طويلة." وولد ترانسترومر في ستوكهولم في 15 ابريل عام 1931 لام تعمل مدرسة وأب يعمل صحفيا،وكان ديوانه "17 قصيدة" الصادر عام 1954 واحدا من اكثر البدايات الادبية المشهودة في هذه الفترة. وبعد حصوله على درجة علمية فى علم النفس قسم ترانسترومر وقته بين الكتابة والعمل كعالم نفسى.