إذا كنت ممن يحرصون على مراقبة استهلاك السعرات الحرارية، في الولاياتالمتحدة، فهل تختار سلطة دجاج في مطاعم الوجبات السريعة، أو شريحة لحم مقلية بالطريقة التقليدية؟ أم أنك تفضل الذهاب إلى مطاعم أخرى لتطلب ساندويتش سمك التونا؟ وأي نوع من القهوة تختار ؟ لكن مهما كان عليه الحال فإن تلك الأسئلة المرتبطة بالسعرات الحرارية التي تلاحق المستهلك قد لا تستمر طويلاً في ظل الأصوات العالية التي تطالب المطاعم بوضع ملصقات تشير إلى نسبة السعرات الحرارية في الأكل الذي يقدمونه للزبائن. ففي مدينة نيويورك التي تقود هذه الحركة وافقت السلطات في الولاية على تمرير قانون يفرض على المطاعم وضع ملصقات على منتجاتها، إلى جانب تلك التي تشير إلى ثمن المنتج، تبين نسبة السعرات الحرارية التي تحتويها الوجبات المقدمة. ورغم أن القانون قد صودق عليه في الأول من شهر يوليو الجاري بعد جولات طويلة وحادة أحياناً من النقاش، فإنه لن يدخل فعلياً حيز التنفيذ إلا في شهر أكتوبر المقبل. وقد لا يقتصر الأمر طويلاً على ولاية نيويورك، حيث تدرس مدن أميركية أخرى إمكانية تطبيق قانون مشابه يطلب من المطاعم الإشارة إلى السعرات الحرارية لأطباقهم ووضعها في قائمة الطعام، أو في اللوحات المعلقة بجانب الأسعار، على أن تكون مكتوبة بخط واضح ليس أصغر من خط كتابة السعر. ومع أن القانون لا يسري سوى على سلسلة المطاعم التي تملك فروعاً في جميع أنحاء أميركا، بل وحتى خارجها، وهي لا تفوق نسبتها 10% من إجمالي المطاعم، إلا أنها تحتكر سوق الوجبات السريعة وتعتبر الأكثر اكتظاظاً بالزوار، حسب الدراسات. ويبدو أن أصحاب المطاعم لا يروقهم كثيراً هذا الإجراء متذرعين بأن ذلك سيشكل عبئاً إضافياً عليهم، فضلاً عن التكاليف الأخرى، مؤكدين في الوقت نفسه أن ذلك لن يغير شيئاً في مشكلة البدانة التي تعاني منها شرائح واسعة من المواطنين الأميركيين. وفي هذا الإطار يتساءل "ريك سامبسون"، من جمعية المطاعم في نيويورك قائلاً "هل تعتقدون أن الناس سيتوقفون عن الأكل في مطاعم الوجبات السريعة، أو الكف عن طلب البطاطس المقلية"، مضيفاً "إني لن أتوقف عن شراء قطعة من الحلوى المفضلة لدي، رغم أن السعرات الحرارية مكتوبة على الملصق أمام عيني". لكن مع ذلك تظهر استطلاعات الرأي أن أغلبية المستهلكين يريدون تحديد السعرات الحرارية في الملصقات وقوائم الطعام. ففي مسح أجري عام 2005 على عينة تضم 5297 من البالغين أبدى 83% منهم تأييدهم لتحديد معلومات غذائية عن الوجبات في المطاعم التي يرتادونها. ويدافع عن هذا الرأي "مراجو ووتان"، مدير السياسة الغذائية في مركز العلوم من أجل الصالح العام، وهي مجموعة تتزعم مطالب تضمين المعلومات الغذائية في قوائم الأكل بالمطاعم، قائلاً "في غالب الأحيان يريد الناس أن يقوموا بالاختيار الصحيح عندما يتعلق الأمر بنوعية الطعام الذي يطلبونه، لكنهم لا يجدون دليلاً يرشدهم إلى ذلك، ولأنه لا وجود لمعلومات غذائية فإنهم يتوهون بين أصناف الأكل المختلفة، وأيها الأكثر صحة بالنسبة لهم". ومن بين الأطعمة التي تبدو صحية للوهلة الأولى هناك على سبيل المثال سلطة الدجاج ، لكنها تحتوي على 1.010 سعرة حرارية و76 جراما من الدهن، بينما تحتوي شريحة لحم البقر على 540 سعرة حرارية و42 جراما من الدهن. وبالمثل لا يختلف ساندويتش التونا كثيراً عن الوجبات الدسمة، خلافاً لما يعتقد بعضهم، بحيث يحتوي على 530 سعرة حرارية، أكثر من ساندويتش اللحم المحمص الذي يحتوي على 290 سعرة حرارية. وفي الوقت الذي تنشر فيه بعض المطاعم المعلومات الغذائية عن الوجبات التي تقدمها في مواقعها على الإنترنت، أو حتى على أغلفة الأكل، تطالب جمعيات حماية المستهلك بضرورة تضمين قوائم الطعام لتلك المعلومات لكي يستفيد منها رواد المطعم. ويشير المختصون إلى أن بعض الوجبات الغذائية وما يرافقها من مقبلات تحتوي على نسبة عالية من السعرات الحرارية تتجاوز المعدل الاستهلاكي للشخص البالغ الذي يحدده المختصون في 2000سعرة حرارية في اليوم. ويحذر خبراء الحمية الغذائية من أن بعض الوجبات التي يتصور المستهلك أنها قليلة الدسم تحتوي في الواقع على نسبة عالية من الدهن تضر بالصحة. ولا يعاني المستهلك لوحده من غياب المعلومات الغذائية الوافية عن وجبات الأكل، إذ يبدو أن الغموض يمتد حتى إلى المختصين في الحمية الذين يفشلون أحياناً في تحديد نسبة السعرات الحرارية في وجبات معينة. فقد أظهرت دراسة أجرتها جامعة نيويورك أن العديد من المختصين في الحمية الغذائية أظهروا عجزاً في تحديد نسبة السعرات الحرارية في الوجبات التي تقدمها المطاعم، حيث أشار بعضهم مثلاً إلى أن وجبة "الهامبورجر" مع دوائر البصل المقلي في أحد المطاعم تحتوي على 865 من السعرات الحرارية، في حين أن النسبة الصحيحة تصل إلى 1550 سعرة حرارية. وفي هذا الإطار يقول "كيلي براونيل"، مدير "مركز ييل للتغذية واختلالات الوزن": "لقد ولى الزمن الذي كانت فيه التفاحة تفاحة، والبرتقالة برتقالة، فاليوم لا تستطيع تمييز ما تأكله في ظل العناصر الإضافية التي تدخلها شركات الأغذية على الطعام مثل السكر والدهن والملح لتصبح أطيب طعماً، لكنها ضارة بالصحة". وقد يطلب المستهلك في أحد المطاعم وجبه يعتقد أنها صحية مثل تفضيله للدجاج على لحم البقر من دون أن يعرف بأن ساندويتش الدجاج يحتوي على نسبة أعلى من السعرات الحرارية مقارنة مع ساندويتش اللحم في بعض مطاعم الوجبات السريعة. ويبقى السؤال المهم فيما إذا كان المستهلك المحيط بمعلومات وافية عن الطعام سيختار في النهاية أكلا صحياً أكثر، أم أنه سيحافظ على نمط تغذيته غير الصحي؟ فالدراسات تشير إلى أنه فقط ما بين 10% إلى 20% سيختارون وجبات تحتوي على سعرات حرارية أقل، فيما الباقي سيحافظ على أسلوبه السيئ في الأكل.