التنسيقية: أبناء الجالية المصرية في ألبانيا يواصلون الإدلاء بأصواتهم بانتخابات الشيوخ    مصر السلام تصدر تقريرها حول سير التصويت في عدد من مقار الاقتراع بالخارج    «التضامن» تقر قيد 3 جمعيات في محافظتي الإسكندرية والمنيا    سفير مصر بطوكيو: يتبقى 5 ساعات لغلق باب الاقتراع في انتخابات مجلس الشيوخ    تنسيق المرحلة الثانية للثانوية العامة 2025.. 5 نصائح تساعدك على اختيار الكلية المناسبة    «التضامن» تنفذ ورش عمل لصياغة اللائحة التنفيذية لمواد قانون الضمان الاجتماعي    أسعار الخضراوات والفاكهة في مستهل تعاملات اليوم السبت    توقيع بروتوكول تعاون بين «الجمارك» وغرفة القاهرة التجارية لتيسير الإجراءات    ننشر أسعار حديد التسليح اليوم 2 أغسطس 2025    تراشق بالتصريحات بين ميدفيديف وترامب يتحول لتهديد نووي    استشهاد 22 فلسطينيا برصاص الاحتلال الإسرائيلي بأنحاء متفرقة من قطاع غزة    "اليونيسيف": أطفال غزة يموتون بمعدل غير مسبوق    موعد مباراة بايرن ميونخ ضد ليون الودية والقنوات الناقلة    اللجنة الأولمبية تشكر الرياضيين وتُعزز الاستقرار بتفعيل مدونة السلوك    ضبط 85.3 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    شكل العام الدراسي الجديد 2026.. مواعيد بداية الدراسة والامتحانات| مستندات    الداخلية: سحب 844 رخصة وتحرير 601 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة خلال 24 ساعة    أجواء غائمة وفرص أمطار تمتد للقاهرة.. حالة الطقس اليوم السبت 2 أغسطس 2025    محمد حماقي وليلة غناء مصرية مميزة على المسرح الجنوبي في جرش بالأردن    رئيس جامعة المنوفية يصدر 7 قرارات جديدة بتعيين وتجديد تكليف لوكلاء الكليات    55.7 مليون جنيه.. إيرادات فيلم الشاطر بعد 17 ليلة عرض (تفاصيل)    «بالهم طويل».. 5 أبراج تتحلى بالصبر    «الصحة» تطلق منصة إلكترونية تفاعلية لأمانة المراكز الطبية المتخصصة والمستشفيات    «100 يوم صحة» تقدم 26 مليونًا و742 ألف خدمة طبية مجانية خلال 17 يومًا    انتخابات الشيوخ 2025.. توافد لافت ورسائل دعم للدولة المصرية خلال تصويت المصريين بالسعودية    مواعيد مباريات السبت 2 أغسطس 2025.. البدري ضد كهربا وافتتاح أمم إفريقيا للمحليين    مصطفى عبده يكتب: خيانة مكتملة الأركان    «مياه الإسكندرية» تنهي استعداداتها لتأمين انتخابات مجلس الشيوخ    النشرة المرورية.. سيولة فى حركة السيارات على طرق القاهرة والجيزة    أيمن يونس: شيكابالا سيتجه للإعلام.. وعبد الشافي سيكون بعيدا عن مجال كرة القدم    تعرف على منافسات مصر بسابع أيام دورة الألعاب الأفريقية للمدارس بالجزائر    يحيى عطية الله يعود إلى الوداد بعد موافقة سوتشي الروسي    صحة غزة: إدخال شاحنات تحمل أدوية ومستهلكات طبية إلى مستشفيات القطاع    وفاة عم أنغام .. وشقيقه: الوفاة طبيعية ولا توجد شبهة جنائية    القاهرة الإخبارية تعرض تقريرا عن مجلس الشيوخ.. ثمرة عقود من التجربة الديمقراطية    ترامب: ميدفيديف يتحدث عن نووي خطير.. والغواصات الأمريكية تقترب من روسيا    زلزال بقوة 5.5 درجة يضرب شمال باكستان    جنين تم تجميده عام 1994.. ولادة أكبر طفل في العالم    ترامب يخطو الخطوة الأولى في «سلم التصعيد النووي»    أسعار السبائك الذهبية اليوم السبت 2-8-2025 بعد الارتفاع القياسي العالمي    90 دقيقة تأخيرات «بنها وبورسعيد».. السبت 2 أغسطس 2025    وفاة والد معتمد جمال مدرب الزمالك السابق    حروق طالت الجميع، الحالة الصحية لمصابي انفجار أسطوانة بوتاجاز داخل مطعم بسوهاج (صور)    رسميًا.. وزارة التعليم العالي تعلن عن القائمة الكاملة ل الجامعات الحكومية والأهلية والخاصة والمعاهد المعتمدة في مصر    أسعار الفراخ والبيض في أسواق وبورصة الشرقية اليوم السبت 2-8-2025    الصفاقسي التونسي يكشف تفاصيل التعاقد مع علي معلول    مقتل 4 أشخاص في إطلاق نار داخل حانة بولاية مونتانا الأمريكية    استشارية أسرية: الزواج التقليدي لا يواكب انفتاح العصر    تشيع جنازة عريس لحق بعروسه بعد ساعات من وفاتها بكفر الشيخ    محافظ سوهاج يقرر غلق محلين بسبب مشاجرة بعض العاملين وتعطيل حركة المواطنين    أبرزها رفع المعاش واعتماد لائحة الإعانات.. قرارات الجمعية العمومية لاتحاد نقابات المهن الطبية    كما كشف في الجول – النجم الساحلي يعلن عودة كريستو قادما من الأهلي    حسام موافي ينصح الشباب: مقاطعة الصديق الذي علمك التدخين حلال    للرزق قوانين    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ د. يسري جبر يوضح    أمين الفتوى: البيت مقدم على العمل والمرأة مسؤولة عن أولادها شرعًا    هل أعمال الإنسان قدر أم من اختياره؟ أمين الفتوى يجيب    وزير الأوقاف يؤدي صلاة الجمعة من مسجد الإمام الحسين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثانوية العامة‏..‏ والتضخم‏..‏وماذا يريد المجتمع من التعليم ؟
نشر في أخبار مصر يوم 24 - 07 - 2010

في كل عام يهل علينا موسم الثانوية العامة وهو موسم القلق والخوف لدي آلاف الأسر المصرية التي تعتبر أن هذا الامتحان وما يتبعه من مكتب التنسيق هو الحلقة الفاصلة في مستقبل أبنائهم.
فإما أن يلتحقوا باحدي كليات القمة وإما جراج كليات ومعاهد المرحلة الثالثة‏.‏ وهذا الموسم له طقوس وممارسات فعادة ولسنوات طويلة يبدأ بتصريح لوزير التعليم بأن الامتحانات ستأتي في مستوي الطلاب ثم بجولة تفقدية للوزير في قاعات الامتحان للاطمئنان علي أحوال أبنائه الطلاب‏.‏ ثم مانشتات في صدر الصفحات الأولي من الصحف عن شكاوي الطلاب من صعوبة الامتحانات وصور لطالبات تقطع القلب وهن يبكين من ظلم الوزارة لهن وأن الامتحانات جاءت من خارج المقرر ولابأس أن يكتمل المشهد الدرامي بلقطات تليفزيونية تبث أصوات الصريخ والعويل ودعوات إلي الله سبحانه وتعالي وإنه حسبي الله ونعم الوكيل‏.‏
ثم تصدر تصريحات للوزير بأن الأوراق سوف تصحح بعدالة ثم يتم إعلان النتيجة في حفل مهيب يرافقه مؤتمر صحفي وتظهر صورة الوزير وهو يعتمد النتيجة ثم وهو يصافح الطلاب الأوائل متمنيا لهم النجاح في حياتهم الجامعية وتصريح للوزير بأنه يوجد مكان لكل طالب ناجح في التعليم الجامعي والعالي‏.‏ وهذه الطقوس الهزلية هي صورة مصرية صميمة لا مثيل لها في أي دولة أخري وهي كلها طقوس وممارسات زائفة تعكس نظرة خاطئة للتعليم ولشهادة الثانوية العامة وعلينا أن نساعد وزير التربية والتعليم الحالي علي تغييرها‏.‏
أما الشكوي من صعوبة الامتحانات فهي مسألة محل نظر‏,‏ فالامتحان بحكم التعريف هو آلية للتمييز بين الطلاب وتصنيفهم إلي متفوق وجيد ومتوسط أو عادي وضعيف‏.‏ ومن الطبيعي أن يكون أي امتحان في مستوي الأغلبية الجيدة والمتوسطة وسهلا للمتفوق وصعبا للطالب محدود القدرات أو ضعيف التحصيل وإذا نجح جميع الطلاب في إمتحان ما أو حصل عدد كبير منهم علي درجات التميز فلابد أن يكون هناك ثمة خطأ فيمن وضعوه‏,‏ ففي هذه الحالة يكون الامتحان قد فقد وظيفته ودوره‏.‏ وتقاس جودة النظم التعليمية بنمط أمتحاناتها وهل هي مجرد اختبار للقدرة علي التذكر والحفظ أم أنها تخاطب قدرة الطالب علي التفكير والربط بين الموضوعات واستخدام العقل‏.‏ ولابد من الاعتراف بأن الامتحانات التي يشكو منها البعض مازال مستواها أقل من الامتحانات الموازية لها في الدول المتقدمة وهي دون نظائرها العالمية‏.‏ ولابد أن يسأل المجتمع نفسه عن ماذا يريد؟ هل يريد امتحانات تميز بين الطلاب حسب درجة الفهم والتحصيل أم امتحانات تسمح للجميع بالنجاح بغض النظر عن مدي فهمهم أو تحصيلهم‏.‏
وهناك الشكوي هذا العام من انخفاض المجاميع وأعتبار ذلك مؤشرا سلبيا بينما الحقيقة غير ذلك تماما‏.‏ فالتضخم الذي لحق بمجاميع الطلاب في الثانوية العامة لمدة عقد من الزمان‏,‏ وأصبحنا نسمع عن طلاب حصلوا علي مجاميع تفوق‏100%‏ لم يكن مؤشرا علي ارتفاع التحصيل الدراسي بقدر ما كان نتيجة لانخفاض معايير التقييم وإفراط اليد في منح الدرجات‏.‏
وكما شهدت بلدنا التضخم في الاقتصاد أي الارتفاع المستمر وغير المنضبط وغير المبرر أحيانا لأسعار السلع حدث ارتفاع مماثل في مجاميع الطلاب‏.‏ وكما أن التضخم في الاقتصاد يعني انخفاض قيمة النقود‏,‏ فالتضخم في الدرجات يشير إلي تراجع مستويات التقييم‏.‏
ونفس الظاهرة انتقلت إلي نتائج الجامعات المصرية في كل الكليات تقريبا فحدث توسع وإفراط في منح درجات الامتياز في نتائج الطلاب‏,,‏ وأذكر أنني عندما كنت عميدا لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في منتصف التسعينات إنني طلبت إعداد دراسة بتطور تقديرات الطلاب في عدد من المواد في قسمي الاقتصاد والسياسة من حقبة الستينيات وحتي التسعينيات وكانت النتيجة مذهلة وكاشفة عن انخفاض معايير تقييم الطلاب‏.‏ فتقدير امتياز الذي كان يحصل عليه الطالب بالكاد وكحالة استثنائية أصبح عملة متداولة أو تقديرا يحصل عليه العشرات ونفس الشئ في التقدير العام في سنة التخرج‏.‏ وللدلالة علي ذلك أذكر أنه لم يحصل خريج واحد من كلية الاقتصاد علي تقدير عام ممتاز في هذين القسمين لمدة ست سنوات من حياة كلية الأقتصاد وكل الرعيل الأول الذين عينوا معيدين في قسمي السياسة والاقتصاد مثل سمير رضوان وجودة عبد الخالق وكاتب هذه السطور كان بتقدير جيد جدا‏.‏ أما الصورة اليوم فهي مختلفة تماما‏.‏ فهل طلاب اليوم أكثر ذكاء وتحصيلا وفهما عن طلاب الحقب السابقة‏..‏ ربما وفي هذه الحالة علينا أن نحتكم إلي الاختبارات العالمية التي تقيس مدي التحصيل لمخرجات العملية التعليمية‏.‏ أم أن ما حدث هو انخفاض معايير التقييم مما أوجد هذا التضخم في المجاميع‏,‏ ولذلك يصبح ما حدث في هذا العام هو تطور إيجابي وعودة بالأمور إلي نصابها الطبيعي‏.‏
ويزداد الطين بلة عندما نتذكر ما يسمي بنظام الرأفة في الجامعات المصرية‏,‏ وهو نظام لا علاقة له باحترام التعليم والتحصيل ولا يدعو الطلاب إلي المزيد من الجهد‏.‏ بل علي العكس تماما هو يضمن للطلاب الراسبين عددا من الدرجات تمنحها لهم لجان الرأفة وتطبق علي الجميع ولا يمكن تبرير هذا النظام بأي مبررات تعليمية والمبرر الرئيسي له هو تحسين شكل النتيجة وإدخال البهجة والسرور علي الطلاب وأسرهم‏.‏ وعندما أصدر مجلس جامعة حلوان من عدة سنوات قرارا بإلغاء هذا النظام حكمت محكمة القضاء الإداري ببطلان القرار علي أساس أنه يهدر مبادئ العدالة والمساواة بين طلاب جامعة حلوان والجامعات الأخري التي تطبق النظام‏.‏
ومرة اخري ماذا يريد المجتمع من التعليم ؟ هل يريد الاستمرار في الحلقة المفرغة للنفاق والفشل وتخريج شباب يحملون شهادات دون محتوي أو مضمون ولا يصلحون للتوظف ويصبح الحصول علي الشهادة هو هدف في حد ذاته‏..‏ شهادة لا تؤهل صاحبها للتنافس في سوق العمل بسبب افتقاده القدرات اللازمة لذلك أبتداء من معرفته اللغة العربية إلي القدرة علي الكتابة السليمة أو التفكير الواضح ناهيك عن معرفة باللغة الإنجليزية والحاسب الآلي‏.‏ ثم نبدأ جميعا في الشكوي من مشاكل التوظيف والتشغيل ولعلنا نتذكر كيف حدث إتفاق الشر بين بعض فئات المجتمع للتحايل علي نظام التعليم والامتحان‏...‏ بعض الأقوياء والأثرياء هربوا بأبنائهم من هذا النظام بأسره وأدخلوهم نظم تعليم أجنبية‏.‏ وبعضهم الآخر تحايل علي القانون من خلال اللجان الخاصة أو تقييد أبنائهم في مناطق نائية مما يسمح لهم بالغش للحصول علي أعلي المجاميع‏.‏ وأبناء الشعب بدورهم مارسوا كافة صنوف الغش الجماعي‏.‏ وكانت إجابات الأسئلة يتم بثها من خلال ميكروفونات في الشوارع المجاورة للجان الامتحان تحت بصر الجميع ومعرفتهم‏.‏ ولم يجد المجتمع غضاضة في ممارسة ذلك والسكوت عنه لسنوات وخداع النفس بتعليم لا يعلم وبشهادات لا تضمن عملا‏.‏
وقد أدي ما سبق إلي انخفاض مؤشرات التنمية البشرية في مصر والسبب الرئيسي لتراجع مكانة مصر في تقارير التنافسية الدولية هو ضعف إنتاجية القوي العاملة في بلادنا‏..‏ وهناك جهود بذلت في مجال إصلاح التعليم ولكن الطريق مازال طويلا‏.‏ وفي تقرير للبنك الدولي صدر عام‏2007‏ بعنوان الطريق غير المسلوك‏..‏ إصلاح التعليم في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ورد أن جهود إصلاح التعليم التي نفذتها‏14‏ دولة في المنطقة ومنها مصر لم تحقق الأهداف التعليمية المرغوبة وأن هناك فجوة بين ما تم تحقيقه في مجال التعليم وما تحتاجه هذه الدول لتحقيق أهدافها التنموية وذلك بالنظر إلي أهمية التعليم كأحد العناصر الأساسية في التنمية البشرية‏.‏
ان الاستمرار في تنفيذ سياسة الإصلاح التعليمي هو أمر ضروري ولازم في إطار الخطة التي تمت مناقشتها علي مدي ما يزيد علي عشر سنوات وبدأت خطوات التنفيذ‏..‏ وعند كل مرحلة سوف ترتفع أصوات تشكو وهذا أمر طبيعي فأي تغيير له مؤيدون وله معارضون والذين تتأثر مصالحهم بالتغيير سوف ترتفع أصواتهم دائما بالشكوي والنقد‏.‏ لقد أحسن وزير التربية والتعليم صنيعا في التركيز في بداية ولايته للوزراة علي عودة الانضباط واحترام القانون في المدارس وهي بداية لازمة ولكنها غير كافية فهي تعد البيئة المناسبة للإصلاح والرأي العام يتوقع منه أن يفصح عن خططه في هذا الشأن وما هي الإجراءات التي سوف يشهدها المجتمع لكي يكون علي بينة منها‏.‏
الحكومة لديها خطط وبرامج معلنة عن تطوير التعليم والارتقاء به‏,‏ ويمكن لنا أن نناقش هذه الخطط وأن نتفق أو نختلف مع بعض عناصرها ولكن المهم أن نتفق جميعا علي أن الوضع الحالي لا يمكن استمراره وأنه معوق لطموحات التنمية‏..‏ وعلينا أن نشجع وزير التعليم علي السير قدما في طريق الإصلاح وأن يكون المجتمع والرأي العام سندا له في ذلك‏...‏ وإذا لم نتفق علي ذلك فلابد من طرح السؤال‏:‏ ماذا يريد المجتمع حقا من التعليم ؟
* نقلا عن جريدة الاهرام المصرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.