في كثير من وسائل الإعلام والصحافة الغربية - وتحديدًا الأمريكية والبريطانية - عادة ما تتم بلورة الأخبار والتحليلات الخاصة بإسرائيل وعملية السلام في الشرق الأوسط في شكل لا ينم عن انتقاد للدولة العبرية، ويميل في أغلب الأحيان إلى تضخيم معاناة الإسرائيليين، بينما يقلل بصورة واضحة من معاناة الشعب الفلسطيني. ولقد ظهر هذا النمط المنحاز في التناول وبوضوح في مقالين نشرا مؤخرًا أحدهما للكاتب «فيليب جاكوبسون« بصحيفة ديلي تليجراف البريطانية والآخر للكاتب «دانييل سكوامنتال« بصحيفة «وول ستريت جورنال« الأمريكية يمثلان صورة حية للإعلام الغربي الذي لايزال يتجاهل حقيقة أن إسرائيل مازالت هي الدولة العدوانية الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط والمسؤول الرئيسي عن حالة عدم الاستقرار التي تعيشها المنطقة، فلقد تسببت سياساتها ومواقفها المعرقلة لجهود السلام في إضعاف رئيس السلطة الفلسطينية «أبومازن« وفريق المعتدلين في حركة «فتح«، كما استمرت في إعاقة أي تحركات تهدف لتحقيق تسوية عادلة للنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، بل تمعن في تحدي القرارات والمواثيق الدولية من خلال انتهاكاتها المستمرة في الأراضي المحتلة. ولا شك في أن الذي يساعد إسرائيل على المضي في سياستها تلك من دون خشية من أي محاسبة أو إدانة أو حتى نقد هو ما تتمتع به من حصانة تهيئها لها العلاقة الخاصة التي تربطها بالولاياتالمتحدة، والتي لا تضاهيها فيها دولة أخرى حتى لو كانت بريطانيا التي كان رئيس وزرائها السابق «بلير« يعتقد أن علاقة بلاده بها هي الأكثر حميمية وتفردًا مقارنة بعلاقات أمريكا بأي دولة أخرى. وتلك العلاقة الفريدة بين واشنطن وتل أبيب تمتد من دون شك لشتى المجالات، وبالأخص المجال العسكري، ولا أدل على ذلك من حزمة المساعدات العسكرية التي حصلت عليها إسرائيل مؤخرًا، والتي تبلغ قيمتها 30 مليار دولار على عشر سنوات وبمعدل 3 مليارات في السنة وهي الصفقة التي ستحافظ على التفوق العسكري الإسرائيلي النوعي في الشرق الأوسط. ومع ذلك سيكون من السذاجة الاقتناع بالتحليلات الغربية التي تقارن هذا الاعتماد شبه الكلي عسكريًا من جانب إسرائيل على الولاياتالمتحدة باعتماد حركة «حماس« وكذلك «حزب الله« اللبناني على المساعدات الإيرانية.. تلك المساعدات التي توصف زورًا وبهتانًا من جانب محللين وكتاب أمريكيين وغربيين بأنها تساعد على الإخلال بالتوازن الإقليمي؛ فهذا الوصف أو المفهوم شأنه في ذلك شأن كثير من الأوصاف والمفاهيم المغلوطة المرتبطة بالصراع العربي - الإسرائيلي، والناتجة عن رؤى وتصورات أمريكية وإسرائيلية غير صحيحة تحركها أهداف ودوافع أحادية الجانب. ولعل هذا النزوع تجاه الاستثنائية الإسرائيلية هو ما يظهر بوضوح في مقال «فيليب جاكوبسون« السابق الإشارة إليه.. ذلك المقال الذي كشف - بحسب وصفه - عن الآثار النفسية السيئة للحياة تحت وطأة الهجمات العشوائية للصواريخ الفلسطينية التي تهوي على رؤوس الإسرائيليين في مستوطنة «سيدروت« بجنوب إسرائيل.. وحاول من خلاله أن يعطي الصورة بُعْدًا مأساويًا بالحديث عن سقوط قتلى جراء تلك الهجمات، رغم أنه لم يسقط سوى ثمانية إسرائيليين فقط على مدى خمس سنوات. لقد بالغ المقال الذي يحمل عنوان «بالقرب من الحافة« في وصف حياة الإسرائيليين ب «المحنة المتواصلة المستنزفة تحت النيران«، والتي لا تؤدي فقط إلى القتل، وإنما أيضًا تؤدي إلى تدمير النسيج الطبيعي للحياة في المستوطنة، وحاول أيضًا إبراز علامات القلق الشديد الذي غالبًا ما يصاحبه شعور بالعجز والاكتئاب، وهو ما يعتبره مدمرًا من الناحيتين المادية والنفسية. ومن الواضح أن «جاكوبسون« - كاتب المقال - لم يكلف نفسه مشقة عقد مقارنة بين «مأساة سكان سيدروت« - بحسب وصفه - وبين المآسي اليومية للفلسطينيين بسبب العدوان المستمر على الأراضي الفلسطينية.. ذلك العدوان الذي أسقط الآلاف من الضحايا ما بين قتلى وجرحى على مدى السنوات الخمس الأخيرة، ويكفي أن قرية «بيت حانون«، التي أشار إليها «جاكوبسون« في مقاله كمصدر لهجمات صواريخ القسام، تواجه بصفة يومية حملات الدمار والموت التي تشنها القوات الإسرائيلية عليها، والتي يتضاءل أمامها عدد القتلى الثمانية الذين سقطوا في «سيدروت« خلال خمس سنوات. ولعله ليس أدل على معاناة سكان قرية «بيت حانون« من تعرض هذه القرية في نوفمبر 2006 لقصف إسرائيلي أدى لمقتل 19 فلسطينيًا من بينهم تسعة أطفال وأربع نساء بينما جرح أربعون آخرون، فضلاً عن سقوط خمسة أطفال في نفس القرية قتلى بنيران القصف الإسرائيلي في الأيام العشرة الأخيرة من أغسطس 2007، وهو ما يوضح أن استهداف المدنيين بشكل مباشر في قرية «بيت حانون« يتسق مع النمط الإسرائيلي في استهداف المدن والبلدات الفلسطينية بشكل يومي، متسببًا في سقوط عدد كبير من الضحايا من النساء والأطفال، وهو أمر دفع صحيفة «هاآرتس« الإسرائيلية في 31/8/2007 إلى اتهام إسرائيل بأنها تتصرف كمنظمة إرهابية تستهدف المدنيين. ولا شك في أن مبالغة «جاكوبسون« في التعبير عن الأسى لما أصاب سكان مستوطنة «سيدروت« وتجاهله في نفس الوقت ما يحدث لقرية «بيت حانون« هو من قبيل السخرية والاستهانة بعقلية القارئ المتابع لما يحدث في منطقة الشرق الأوسط، ومثل هذا المسلك درجت عليه غالبية الصحف ووسائل الإعلام الأنجلو - أمريكية التي تعاني من تلك النظرة الأحادية الجانب لصالح إسرائيل. وبالنسبة إلى المقال الثاني ل «دانييل سكوامنتال«، الذي كتبه تحت عنوان «ناد لسحق إسرائيل« فإنه يعكس الشعور المتنامي بالقلق داخل اللوبي الصهيوني القوي داخل أمريكا من حدوث تحول في الرأي العام الدولي ضد إسرائيل وحرمانها من الحصانة القوية التي لطالما تمتعت بها منذ قيامها في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي حتى الآن. لقد أدان «سكوامنتال« في مقاله المؤتمر الدولي للمجتمع المدني من أجل مساندة السلام الإسرائيلي - الفلسطيني - الذي عقد مؤخرًا برعاية الأممالمتحدة - حيث وصفه بأنه «معادٍ للسامية« ويناقش الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني من خلال نظرة أُحادية منحازة للجانب الفلسطيني. وفي تلميح إلى الحملة الدولية المتنامية لمقاطعة إسرائيل في حالة تصميمها على عزل غزة وعدم التشارك مع «حماس« ووضعها العقبات في طريق التسوية السلمية يكشف «سكوامنتال« عن تفشي الشعور المتزايد بالإحباط بين العديد من قيادات ورموز اللوبي الصهيوني بسبب تغير اتجاهات الرأي العام الدولي.. وفي سياق إشارته لذلك المؤتمر نجده يعتمد على كل الطرائق التي جربت واستخدمت من قبل لوصف أي معارضة للسياسات العنصرية الإسرائيلية بأنها «معاداة للسامية«، وهي محاولة لإغلاق المنافذ أمام أي محاولة لمحاسبة أو إدانة إسرائيل وعقابها على الكوارث الإنسانية التي سببتها ومازالت تسببها في الأراضي الفلسطينية. والحقيقة الواضحة بالنسبة إلى «سكوامنتال« واللوبي الصهيوني الأمريكي هي أن هناك عددًا متزايدًا من الجهات والشخصيات كلجنة العلاقات الخارجية بمجلس العموم البريطاني ورئيس الوزراء الإيطالي «رومانو برودي« قد اعترفوا بأن إسرائيل يجب أن تتشارك وتتحاور مع حركة «حماس« الفلسطينية، لو كانت فعلاً جادة في سعيها للتوصل إلى تسوية سلمية دائمة على المدى الطويل، ومعنى ذلك أن الدولة العبرية والمتعاطفين معها ومؤيديها في الولاياتالمتحدة هم الذين تتزايد الإشارة إليهم من جانب المجتمع الدولي على أنهم العقبة الرئيسية أمام الاستقرار والسلام في المنطقة، وهو الأمر الذي يسهم من دون شك في تقوية الحملة المتصاعدة لمقاطعة إسرائيل في محاولة لسحب شرعية نظامها الحالي. ولا شك في أن ذلك الإدمان الغربي للدفاع عن إسرائيل بالباطل - كما يبدو في مقالي «جاكوبسون« و«سكوامنتال« - الذي هو علامة مميزة لأسلوب التعاطي الغربي مع قضايا الصراع العربي - الإسرائيلي، إنما يكشف عن نقطة مهمة هي التي ساعدت إلى جانب عوامل أخرى على إطالة أمد الصراع، وهي تلك المتمثلة في غياب الصوت العربي المؤثر عن وسائل الإعلام الغربية، الذي سمح لإسرائيل بالانفراد بها وتسخيرها لخدمتها، ولا شك في أن العرب يتحملون جانبًا كبيرًا من المسؤولية عن هذا الوضع، ومن ثم فإنهم مطالبون حتى يكونوا أصحاب صوت مسموع في الغرب باتخاذ خطوات جادة لاختراق الساحة الإعلامية الغربية، وذلك لن يكون إلا من خلال تبني خطة محددة الأدوات والأهداف من أجل التأثير في رؤية المواطن الغربي الموجهة والجامدة تجاه قضايا الشرق الأوسط.. ومن دون ذلك ستظل إسرائيل مسيطرة على عقول وقلوب الغربيين..وبالتالي لن يستطيع العرب أن ينالوا منها إلا ما تريده هي فقط.