إذا ما سألت مسئولا أي مسئول عن ملف العلاقات الإفريقية: هل قصرت مصر في تعاملها مع إفريقيا خلال العقود الأخيرة؟, فإن الإجابة الدبلوماسية سوف تكون بالنفي القاطع, وأن علاقات مصر الافريقية في أحسن مستوياتها, ويعيد التذكير بالمجالات السياسية الحيوية لمصر: العربية والإفريقية والإسلامية ودول عدم الانحياز, لكن الحقيقة هي أن هذه الإجابة مجرد إجابة دبلوماسية لا تعكس الحقيقة التي تقول إننا بالفعل أهملنا الملف الافريقي لفترة طويلة, وجزء من الثمن الذي ندفعه الآن لإهمال هذا الملف هو ذلك الجدل والشد والجذب الحادث بين مصر ودول حوض النيل. بدأت مصر منذ فترة الاهتمام الايجابي بملف دول حوض النيل, وتبدي هذا واضحا من خلال اهتمام مستويات عليا من المسئولين بالعلاقات بين مصر وهذه الدول, وبدأنا نري لأول مرة منذ فترة طويلة زيارات لمسئولين مصريين علي مستوي رئيس الوزراء لهذه الدول, وهو أمر ايجابي بالتأكيد حتي لو كان متأخرا. دول حوض النيل تمثل أهمية استراتيجية قصوي لمصر, وهذا يضع علي عاتق مصر أهمية التعامل مع هذه الدول بمنظور استراتيجي شامل, وليس مجرد علاقات ثنائية, وأن يكون أساس هذه العلاقات ربط المصالح المشتركة لدول حوض النيل العشر بمعني تعظيم الاستفادة لكل الدول من مياه النيل, وإقامة المشروعات التي تحقق هذه الاستفادة. هذا يعني أن تخرج مصر من مجرد علاقات ثنائية كما ذكرت, ومشاركة في مياه النيل واتفاقيات تنظمها الي مفهوم أكثر شمولا, يتضمن المجالات المختلفة وايجاد آليات تعاون مع كل دولة علي حدة, وآليات تعاون بين دول الحوض مجتمعة. المعوقات كثيرة في العلاقات المصرية مع دول حوض النيل: انخفاض التبادل التجاري, عدم وجود خطوط ملاحية بحرية أو جوية منتظمة, إلغاء بعض رحلات مصر للطيران الي عدد من هذه الدول, عدم وجود سكك حديد, ارتفاع أسعار الشحن, الأهم من ذلك عدم وجود إعلام كاف عن الحضور المصري في هذه الدول. صحيح أن مياه النيل وحقوق مصر هي أمر غير قابل للنقاش, لكن تأكيده يتأتي عبر سياسة واعية, تمكن من احتواء أي مشكلات وتبني بشكل استراتيجي, ولن يكون الحل بالشعارات الصارخة.