في بلد مثل العراق لم يعد الحصول على السلاح وحتى استخدامه أمرا عسيرا، فبعد انهيار الجيش العراقي وأجهزة الأمن وصدور أمر قوات الاحتلال بحلها، أصبحت مستودعات الأسلحة الضخمة المنتشرة في كل انحاء العراق نهبا لكل من يبحث عن السلاح. وانتشرت آنذاك أسواق الأسلحة في كل مكان من العراق دون ضوابط، ولم تتمكن من وقف ذلك الاجراءات غير الحازمة التي لجات إليها سلطات الاحتلال. وبالرغم من محاولات الحد من نفوذ الميليشيات ونشاطها، ومنع تشكلها، إلا أن "جيش المهدي" لقي اهتماما متزايدا بعد أن وجد رجل الدين الشاب مقتدى الصدر لنفسه مكانا مؤثرا في أوساط الشبان الشيعة وبعض رجال الدين، مستندا بذلك إلى مخاطبة المشاعر الجيّاشة، وإلى ارث والده المرجع الشيعي الراحل آية الله محمد صادق الصدر، الذي كان يقلده كثيرون من المسلمين الشيعة داخل العراق وخارجه، وبخاصة في بعض مدن وأرياف جنوب العراق وامتداداتها في الأحياء الفقيرة في العاصمة بغداد. طموح سياسي. ولتجسيد طموحه السياسي سعى الصدر إلى إيجاد الأدوات المناسبة لذلك بإعلانه عن تشكيلات سياسية وعسكرية قد يكون أهمها "جيش المهدي" الذي شكل في يوليو (تموز) 2003، وانخرط فيه عدة الاف من الشبان الذين يبدو أن الكثيرين منهم تلقوا تدريبا جيدا على السلاح. ويتردد أن الكثيرين ممن انضموا إلى جيش المهدي كانوا أعضاء في التشكيلات شبه العسكرية أيام الحكم السابق، ويعتقد أيضا أن هذه الميليشيات تتلقى دعما ماليا إيرانيا وأن أفرادها يدربون على يد خبراء إيرانيين، إلا أنه لا يتوفر دليل قاطع على ذلك. وجيش المهدي أول ميليشيا شيعية تتشكل بعد دخول قوات التحالف إلى بغداد وإطاحة نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، ولا توجد ميليشيا أخرى سوى فيلق بدر التابع للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية، والذي تأسس في إيران في الثمانينات من لاجئين وأسرى حرب، ودخل مسلحوه من الحدود الإيرانية بعد انهيار النظام العراقي في أبريل/ نيسان من العام الماضي. ويعتقد أن عدد أفراد ميليشيا جيش المهدي يتراوح ما بين 10 إلى 15 ألفا ومعظم أعضائه من شبان الأحياء الفقيرة في بغداد مثل مدينة الصدر ومدينة الشعلة ومن محافظات اخرى في جنوب العراق. منزلة دينية ولترسيخ منزلته الدينية بدأ الصدر بعد أسبوعين من انهيار النظام السابق بإلقاء خطبة الجمعة في مسجد الكوفة حيث كان والده محمد صادق الصدر يؤم المصلين أيام الجمعة ويخطب فيهم، مما زاد من نفوذه وأثار نقمة الحكم السابق التي انتهت باغتياله عام 1999. لكن مقتدى الصدر لم يكن يحظى بتأييد واسع في أوساط الشيعة لخططه السياسية، فقد تراجع في اكتوبر (تشرين الاول) 2003 عن تشكيل حكومة موازية لمجلس الحكم الانتقالي الذي يعارضه، وذلك بسبب ضعف التأييد الشعبي الذي تم قياسه بحجم المظاهرات التي دعا إليها، واعتبرت استفتاء بعدم تأييد حكومته المقترحة. يفترق توجه مقتدى الصدر عن توجه مرجعية النجف من حيث الموقف من الأوضاع الراهنة في العراق، فهو يطلق على المرجعية المتمثلة بآية الله علي السيستاني وآية الله بشير النجفي ومجتهدين كبار آخرين اسم "الحوزة الصامتة" مقابل "الحوزة الناطقة" التي ينادي بها، والتي تعارض الاحتلال وتحمل طموحا بتولي مهمات سياسية قيادية. فالصدر يقلد المجتهد آية الله كاظم الحائري الموجود في قم والذي يؤمن بمبدء ولاية الفقية المتبع في إيران، وهو الأمر الذي لا تأخذ به مرجعيتا السيستاني والنجفي. لكن اكثر ما عمق الانشقاق في أوساط الشيعة وزاد من الانتقاد لمقتدى الصدر وأنصاره ما نسب إليهم من اعتداءات على مقربين من المرجعيات الشيعية والحوزة العلمية، وخصوصا مقتل عبدالمجيد الخوئي نجل المرجع الشيعي الراحل آية الله أبو القاسم الخوئي، بعد دخول قوات التحالف إلى العراق. وانعكست هذه القضية على التوتر الذي تصاعد أخيرا بين ميليشيا "جيش المهدي" وقوات التحالف، إثر غلق صحيفة "الحوزة الناطقة" واعتقال مصطفى اليعقوبي مساعد الصدر. وبلغ التوتر أوجه باصدار أمر قضائي باعتقال مقتدى الصدر نفسه.