الاهرام 28/12/2007 يفتح الأهرام أحد الملفات الخطيرة الشائكة والمسكوت عنها داخليا وخارجيا في مواجهة صريحة مع السفير فتحي الشاذلي المسئول الأول للأمانة التنفيذية العليا لإزالة الألغام في الساحل الشمالي الغربي وتنميته. ولم يكن متوقعا ان يفزعنا بأن المساحة الموبوءة بالألغام والتي تبلغ2800 كيلومتر مربع بينما تصل ألغامها الي16 مليونا و700 الف جسم قابل للانفجار الأمر الذي يمنع الوصول الي22% من مساحة مصر وبذلك لانستفيد بها اقتصاديا من رغم أن هذه المساحة مليئة بالثروات!! والسؤال لماذا لم تسارع مصر بالتحرك الدولي المطلوب لتحديد المسئولية القانونية ومطالبة الدول المسئولة عن زراعة الألغام بإزالتها؟ ولماذا لم نطالب بتعويضات دولية عن هذه الكارثة مثلما فعل اليهود؟ ولماذا لم تنضم مصر الي اتفاقية حظر الألغام واستخدامها المعروفة باسم أوتاوا؟! الأهرام: رغم مرور عشر سنوات علي اتفاقية أوتاوا للألغام لماذا لم تنضم مصر اليها الي الآن حتي تضمن حقها دوليا في إزالة الالغام؟ لابد ان نعلم ان اتفاقية أوتاوا تحرم استعمال الالغام المضادة للأفراد وهذه المعاهدة تلزم الأطراف الموقعة عليها وهي156 دولة ان تمتنع تماما عن استعمال الالغام وتصديرها وانتاجها؟ أما عدم انضمام مصر الي هذه الاتفاقية المهمة فيرجع لسببين رئيسيين:- أولا:- أن هذه الاتفاقية لم تلزم الدول التي تسببت في نشوء مشكلة الأجسام القابلة للانفجار من مخلفات النزاعات المسلحة في أراضي دول اخري بالعمل علي مساعدة الدول المتضررة لإزالة هذه المخلفات... والسبب الثاني: انه حتي يومنا هذا لايوجد بديل اقتصادي وعملي أمام مصر عن الألغام واستخدامها داخل اراضيها لتأمين الحدود الوطنية الممتدة خاصة في ظل تزايد المخاطر العابرة للحدود فيما يتعلق بالجريمة المنظمة والأنشطة الارهابية. وبرغم ذلك فالموقف المصري أعلن طواعية انه ملتزم بروح المعاهدة حيث أعلنت مصر أكثر من مرة أنها توقفت عن التصدير والمتاجرة في الالغام اعتبارا من عام1974 وانها توقفت أيضا عن انتاجها اعتبارا من عام1988. الأهرام: ولكن يبدو ان هناك التزاما تفرضه الاتفاقية ومصر لاتستطيع ان تلتزم به لانه صعب التحقيق فما هو هذا الالتزام؟ هذا الالتزام هو عدم استخدام مصر الالغام المضادة للأفراد في تأمين الحدود الوطنية.. وحقيقة لانستطيع في الوقت الراهن ان نقوم بالوفاء بهذا الالتزام وذلك لعدم وجود بديل آخر لتأمين الحدود خصوصا في زمن ازدادت فيه الجريمة المنظمة والعصابات والعمليات الارهابية. الأهرام: ماذا بعد المطالبة والمناشدة والمؤتمرات في هذا الشأن؟ في الحقيقة كل الدول استجابت ولكن بمنطق آخر.. ولكن لابد ان نعلم ان هذه الدول الثلاث لم تعترف بمسئوليتها عن هذا الموضوع!! أولا: -أن هذه الدول الثلاث سبق ان قدمت دعما بشكل أو بآخر لمصر في هذا الموضوع. ثانيا: ان تلك الدول ترتبط بمصر بعلاقات صداقة قوية ثم انها شريك رئيسي لمصر في عملية التنمية. فنجد ان بريطانيا المستثمر الأوروبي الأكبر في مصر وايطاليا المستورد الأكبر للسلع والمنتجات المصرية أما ألمانيا فمصر ثاني دولة بعد الهند علي قائمة المساعدات الألمانية للتنمية, هذا بالاضافة الي التبادل التجاري والسياحي, فهذه الدول صديقة لمصر. الأهرام: ولكن موضوع التبادل التجاري والسياحي والاستثماري شيء, وقضية ازالة الألغام شيء آخر. فأين المسئولية القانونية التي التزمت بها جميع الاتفاقيات الدولية بشأن إزالة مخلفات الحروب؟ أساسا مصر تطالب الدول المسئولة ان تنهض بمسئولياتها القانونية والأدبية ولكن لايوجد نص دولي صريح في أي اتفاقية معمول بها يلزم الدول المتحاربة في الحرب العالمية الثانية بأي مسئولية ازاء الدول التي توجد بها مخلفات قابلة للانفجار.. فلا توجد نصوص قانونية وإلا كنا استندنا الي تلك النصوص وطالبنا تلك الدول بالوفاء بالتزاماتها.. ومن هنا نحن نعترض علي اتفاقية أوتاوه فطالما هذه المعاهدة معنية بتحريم الالغام المضادة للافراد كان ينبغي ان تلزم تلك الدول بتلك المسئولية الأدبية والتي يمكن تأويلها قانونيا بروح القانون الدولي. الأهرام: لماذا لم نلجأ الي محكمة العدل الدولية؟ أنا لست صاحب القرار.. فالقانون الدولي يختلف عن القانون العادي بأنه ليس لديه جهة إلزام تعمل علي تنفيذه.. كما ان هذه الدول الثلاث لاتعترف بهذه المسئولية بحجة ان مصر أعلنت الحرب علي دول المحور خلال الحرب العالمية الثانية مما يضعها موضع المسئولية عن زراعة الالغام وانهم كانوا يدافعون عن مصر وفقا لمعاهدة36 هذا هو موقفهم. أما موقفنا الرسمي فهو أن عليهم مسئولية قانونية ولابد من التعويض.. وحقيقة نحن نحصل علي تعويضات ونحصل علي دعم.. الأهرام: سيادة السفير كل هذه وعود ولكن لماذا لانطالب بتعويضات دولية عن هذه الكارثة مثلما فعل اليهود عندما حصلوا علي تعويضات عن ضحاياهم المعروفين بالهولوكوست؟ معني تعويضات ان هناك مسئولية ثبتت في حق هؤلاء بارتكابهم ما يسمي الهولوكوست.. حقيقة لابد ان نقوم بمجهود أكبر لإثبات المسئولية عليهم. والمسئولية موجودة ولكن ليست هناك نصوص قانونية.. ولهذا نحتاج الي تأويل القانون الدولي الانساني لكي نثبت هذه المسئولية.. ولهذا لم ننضم الي معاهدة أوتاوا لانها لم تلزم الدول المتسببة في هذه المشكلة بإزالتها من أراضي دول أخري. الأهرام: ولكن هذه الارض غنية بالبترول والغاز والاستثمار وتأخرنا في تنميتها منذ أكثر من60 عاما؟ نعم هذا حقيقي ولكن للأسف بدأنا في عرض قضيتنا أخيرا.. خاصة ان الدعم الموجود منذ أكثر من عشر سنوات علي المستوي الدولي لإزالة مخلفات الحروب بدأ يتناقص.. ونحن بدأنا بجدية فقط منذ نوفمبر من العام الماضي في قضية الألغام وبدأنا منذ ان شكلنا اللجنة التنفيذية العليا التي ترأسها الوزيرة الدكتورة فايزة أبو النجا. الأهرام: ولكن ألا يستدعي ذلك أن تقوم مصر بعقد مؤتمر دولي في منطقة العلمين وتدعو إليه الدول الثلاث المسئولة عن زراعة الألغام؟ حقيقة كان هذا في خطتنا ولكن رأينا أن من الأنسب أن نؤجل هذه الخطوة لمرحلة تالية.. فسنقترح أن تقوم مصر باستضافته عام2010 م طبقا للاحصاءات الدولية إن مصر تعد الدولة رقم2 علي مستوي العالم من الدول المتضررة بعد أنجولا.. الأهرام: دعت مصر الأممالمتحدة لانشاء صندوق عالمي لتقديم المعونات المالية والفنية والتكنولوجية.. فما الذي حدث حتي الآن؟ نقوم الآن بتفعيل صندوق التمويل التابع للأمم المتحدة ولكنه سيفعل عندما تأتي إلينا معونات مالية.. ولكننا الآن بصدد انشاء صندوق للتمويل يشارك فيه المجتمع المصري كله جنبا إلي جنب مع المانحين الدوليين.. وأود أن أوضح أن هناك فرقا بين ميزانية المشروع وهي الموجودة الآن لدي الأمانة التنفيذية وتبلغ3.2 مليون دولار والصندوق الخاص بالتمويل.. الأهرام: لماذا لم تطالب مصر حتي الآن بتسليم خرائط الألغام من الدول التي قامت بزراعتها أثناء الحرب العالمية الثانية مثلما فعلت فرنسا مع الجزائر أخيرا؟ لأن75% من الأجسام التي يجب إزالتها هي ذخائر ودانات لم تنفجر ولا نعلم أماكنها وهي ليست لها خرائط.. ولكن لدي25% ألغاما صحيحة ولكن لا يوجد لها سجل للحقل.. ولكن لدينا فقط خرائط تقليدية عن سير المعارك الحربية ولدينا خرائط عن تمركز القوات في جبهة العلمين وهذه الخرائط موجودة ومعروضة في متحف العلمين. الأهرام: ولكن هناك الكثير من البدائل طرحت لإزالة الألغام ولم تأخذ بها مصر. مشاركة شركات استثمارية أو مستثمرين أو رجال أعمال لإزالة الألغام هذا سابق لأوانه.. الأهرام: ولكن محافظ مطروح اقترح دعوة رجال الأعمال من المستثمرين لتطهير الأرض من الألغام مقابل تمليكها لهم بحق الانتفاع؟ بصراحة: إننا لدينا تعليمات وقواعد واضحة أن من يقوم بإزالة الألغام في مصر هي القوات المسلحة.. حيث تعمل القوات المسلحة وفقا لخطة عمليات تندرج في إطار تنموي ولكن يوم أن يتم إزالة الألغام وتقوم الدولة وفقا لخطة التنمية التي تم اعدادها عن طريق خبراء مصريين وخبراء من الأممالمتحدة لمدة ثلاث سنوات في هذا التوقيت تعلن الحكومة بأن لديها أراضي خالية من الألغام فمن يرغب من المستثمرين فليتقدم وفقا للأسعار التي سيتم الإعلان عنها. أما أن نقوم بدعوة المستثمرين لإزالة الألغام ونعطي لهم الأرض بنظام حق الانتفاع فهذا معناه مخاطرة حقيقة وإهدار من قيمة هذا الاستثمار ومردوده علي الدولة لو أني تعجلت في منح المستثمرين أو حتي مجرد فتح كلام مع المستثمرين والألغام مازالت موجودة في تلك الأرضي.. كما أننا سنقوم بطرح مناقصة دولية لأربع شركات عالمية لشراء مكتشفات الألغام في غضون الأيام القادمة.. الأهرام: وما الذي قامت به اللجنة القومية العليا للإشراف علي إزالة الألغام وتنمية الساحل الشمالي؟ أهم ما قامت به اللجنة حتي الآن هي عملية اعداد الخطة القومية لتطوير الساحل الشمالي الغربي وتنميته والتي أقرها مجلس الوزراء بالفعل في أكتوبر2005.. هذه الخطة التي جاءت نتيجة جهد مصري دولي دام أكثر من ثلاث سنوات حيث تتكلف عشرة مليارات دولار وتتكفل بانشاء384 ألف فرصة عمل ستكون بمثابة النواة الأساسية لمجتمع بشري جديد ينشأ في الساحل الشمالي الغربي قوامه مليون ونصف المليون مواطن مصري نجتذبهم من الوادي والدلتا. فهذه نعتبرها بحق خريطة جديدة لمصر نعمل بكل جدية لتحقيقها من خلال هذا البرنامج.. وأنا ألتزم من خلال إدارتي للأمانة التنفيذية بأنه سيتم في نهاية عام2008 م تنفيذ الوثيقة بالأنشطة الواجبة لمساعدة الضحايا والتوعية بمخاطر الألغام.. وقريبا ستقوم وزارة التعاون الدولي بتوقيع اتفاق مع الصندوق الاجتماعي للتنمية لتوفير علي الأقل500 فرصة عمل للضحايا في المرحلة الأولي ونقوم الآن بوضع خطة لتحديث قاعدة البيانات الموجودة لدينا عن ضحايا الألغام.. كذلك في نهاية2008 سيتم الإفراج عن أراض وتأهيلها للتنمية.. وفي نهاية الربع الأخير من العام نفسه سنضع الشروط المرجعية للمرحلة الثانية التي تتكفل باغلاق هذا الملف نهائيا بتحديد الفترة الزمنية والميزانية اللازمة لذلك.. فهذه هي ميزانيتي التي لا تتعدي3.4 مليون دولار وهذه الأهداف المتوقعة أن نقوم بتنفيذها حتي نهاية العام القادم2008 فإذا لم أحقق تلك الأهداف فحاكموني.. المزيد من التحقيقات