إجراءات أمنية مشددة, انتهاكات لحقوق الإنسان خلال عمليات التحقيق وفترات اعتقال غير محددة هذه هي العوامل التي أثارت الانتقادات والغضب في جميع أنحاء العالم من وجود معتقل مثل جوانتانامو الأمريكي. وقد بدأت الضغوط تؤتي ثمارها أخيرا ودفعت حكومة الرئيس الأمريكي جورج بوش إلي التفكير جديا في إغلاقه بعد خمس سنوات من إنشائه. ولكن اتخاذ مثل هذه الخطوة لايتحقق في غمضة عين, فهل تتخلي الإدارة الأمريكية عن إحدي أدواتها الرئيسية في معركتها ضد الإرهاب دون خسائر لجميع الأطراف؟ ربما لم يثر موقع في تاريخ الولاياتالمتحدة هذا الانتقاد والجدل, كما أثاره معتقل جوانتانامو حيث يواجه المتهمون بالانتماء إلي تنظيم القاعدة وحركة طالبان ظروف اعتقال قاسية ودون محاكمة مما دفع4 منهم, حتي الان, إلي الانتحار مؤكدين للعالم ضرورة الإسراع بإنقاذهم. والآن تؤكد الإدارة الأمريكية أنها قاربت علي التوصل لقرار نهائي بشأن إغلاق أهم رموزها في معركتها ضد الإرهاب بعد أن أصبح عبئا عليها. إذن, فهذا تغير كبير في موقف حكومة طالما أصرت علي أن وجود مثل هذا المعتقل ضروري لحماية الولاياتالمتحدة والعالم من أخطر المجرمين علي وجه الأرض وأن منتقديه إما مخطئون أو لا يعرفون حقيقة الأمر! وكشف أخيرا أحد الضباط كان مكلفا بالاشتراك في المحاكم العسكرية المنشأة منذ عام2004 والتي مازالت تجري جلساتها في سرية مع بعض المعتقلين, أن المعلومات التي تستند عليها هذه المحاكمات وتواجه بها المتهمين غامضة وغير موثقة وبالطبع سارعت المحاكم الأمريكية والحزب الديمقراطي بتضييق الخناق علي بوش لوضع حد لحربه غير المعلومة علي الإرهاب. ولكن مع الوقت بدأت الحكومة الأمريكية نفسها في الاعتراف بأن إنشاء هذا المقر نابع من الخوف المرضي الذي تلا هجمات11 سبتمبر, واستمرار وجوده ماهو إلا عار علي سجل الولاياتالمتحدة في مجال حقوق الإنسان وأكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض أن العديد من الخبراء يعملون حاليا بكامل قواهم للتوصل إلي سبل لإغلاق المعتقل, تضمن تحقيق الأمن والمعاملة الإنسانية للمعتقلين به. وأصبح الرئيس الأمريكي يسعي بكل السبل إلي التخلص من هذه المسألة الشائكة قبل الانتهاء من فترة توليه الحكم في نهاية العام المقبل وتسليمها لخليفته في الحكم كإحدي القضايا المنتهية برغم أن فريق الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه مازال مصرا علي ضرورة الإبقاء علي هذا المعتقل. لكن الكلام أسهل من التنفيذ. والمشكلة تكمن في أن بعض الحكومات الأجنبية ترفض استعادة مسجونيها من هذا المعتقل برغم أنها من أكثر المنتقدين لانتهاكات حقوق الإنسان التي جرت بالمعتقل. ومثول هؤلاء المعتقلين بشكل خاص أمام المحاكم الأمريكية, كما يطالب الديمقراطيون وجماعات حقوق الإنسان, يثير التساؤلات حول الحقوق التي يجب أن يحصل عليها المتهمون وإمكانية حصولهم علي حق اللجوء السياسي بعد أن تنتهي فترة سجنهم تجنبا لعودتهم إلي بلادهم بالإضافة إلي ذلك, فإن مسئولي الإدارة الأمريكية يخشون أن المواطنين الأمريكيين لن يتقبلوا وجود المتهمين بجرائم الإرهاب علي أراضيهم ومدنهم مهما كانت الضمانات الأمنية المتوافرة. وعلي الإدارة الأمريكية أن تعثر علي دولة تقبل استيعاب مايقرب من80 نزيلا وتحديد نوعية المحاكمات ل80 آخرين وتقرير مصير مايزيد علي220 اخرين لاتريد الإفراج عنهم ولا محاكمتهم حاليا. ولذلك تعمل الولاياتالمتحدة حاليا علي مساعدة السلطات الأفغانية علي توسيع أحد سجونها لتضم إليه بعض معتقلي جوانتانامو الذين مازالوا بين السماء والأرض وهنا تكمن مشكلة أخري, وهي أن الحكومة الأمريكية ستغلق معتقلا لتفتح آخر ربما يكون أكثر تعسفا وقسوة وقد يفتح أيضا الباب لمزيد من السجون السرية عوضا عن الإحراج الدولي والمساءلات. نعترف بان قضية جوانتانامو مصدر إحراج للإدارة الأمريكية, لكن الولاياتالمتحدة لاتريد أن تصبح سجنا للعالم, هذا ماجاء علي لسان مستشار وزارة الخارجية الأمريكية جون بيلينجر, وهو مايؤكد أن هذه القضية الحقت أضرارا بالولاياتالمتحدة أكثر مما لحق بأعدائها وبرغم وجود انقسام داخل الإدارة الأمريكية حول سبل التعامل مع هذه القضية لكن إغلاق هذا المعتقل من شأنه استعادة الولاياتالمتحدة لبعض من صورتها الأخلاقية المدمرة بل ومساعدتها علي الاستمرار في معركتها ضد الإرهاب وحماية أراضيها دون التخلي عن حقوقها الأساسية.